الوقت - يبدو أن الدعم العالمي المتزايد لقضية فلسطين والاعتراف بالدولة الفلسطينية، قد أثار غضب الصهاينة، ولذلك فإن الحكومة المتشددة لبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الصهيوني، بإعلانها إلغاء قانون "فك الارتباط" في الضفة الغربية، قد وضعت على جدول أعمالها خطة اغتصاب أراضٍ جديدة للفلسطينيين.
وفي هذا الصدد، وافقت لجنة الشؤون العامة في البرلمان الصهيوني (الكنيست)، الأربعاء الماضي، بشكل مبدئي على مشروع قانون يؤكد على ضم بعض أراضي الضفة الغربية إلى "إسرائيل"، وتحويل منطقة جنوب الخليل إلى جزء من النقب.
ويشدد هذا القانون على أن جميع الإسرائيليين جنوب خط 115، يعتبرون جزءاً من النقب وينضمون إلى المنطقة التي ينطبق عليها قانون تطوير النقب الصادر عام 1991، وسيسمح إلغاء قانون "فك الارتباط" للمستوطنين بالعودة إلى مستوطنات غنيم وكاديم وحومش وسانور الأربع شمال الضفة الغربية.
وحسب بيان صادر عن إذاعة الجيش الإسرائيلي، أعلن يوآف غالانت، وزير الحرب في الکيان الإسرائيلي، الإلغاء الكامل لقانون "فك الارتباط" في شمال الضفة الغربية، معتبراً أن السيطرة اليهودية على الضفة الغربية تضمن الأمن.
تم إخلاء هذه المستوطنات عام 2005 بعد تنفيذ خطة "الانفصال الأحادي"، لكن في مارس 2023، صادق الكنيست على قانون إلغاء الانفصال.
بدوره، ألغى بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الصهيوني، تحويل أموال الضرائب إلى السلطة الفلسطينية حتى إشعار آخر، وقال سموتريتش إن "إسرائيل" ألغت بشكل دائم تراخيص كبار مسؤولي السلطة الفلسطينية، وفرضت عقوبات مالية إضافية عليهم.
ودعا سموتريش بنيامين نتنياهو إلى اتخاذ إجراءات ضد السلطة الفلسطينية، بسبب "إجراءاتها أحادية الجانب ضد إسرائيل"، ودعا هذا الوزير المتشدد إلى الموافقة على بناء آلاف الوحدات السكنية في المستوطنات، وبناء المستوطنات رداً على أي اعتراف أحادي بالسلطة الفلسطينية.
وفي هذا الصدد، ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أنه بعد قرار الإلغاء، "لا يعتبر بقاء الإسرائيليين في المستوطنات المعنية جريمةً"، وهو ما يدعونا إلى معرفة تفاصيل قانون "فك الارتباط".
ماذا يعني إلغاء فك الارتباط؟
قانون "الانفصال" مصطلح سياسي، يعني فصل وحدة هيكلية ووظيفية إلى مؤسسات واحدة لها نظامها الحكومي ومنطقتها الجغرافية.
أقرّ هذا القانون رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون عام 2005 للانفصال عن الضفة الغربية، وهذا القانون لا يعني أن غزة والضفة الغربية أراضٍ فلسطينية، بل يدعي أنها أراضٍ إسرائيلية.
ولا يعترف هذا القانون بعدم شرعية المستوطنات، وهو نوع من خطة إدارة الصراع، ولا يقدّم حلاً وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، ويؤكد إلغاء القرار أن الکيان الصهيوني لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتقرير المصير.
ومع إلغاء هذا القانون، سيتم تسهيل ظروف إنشاء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية، وسيتمكن الصهاينة من احتلال المزيد من الأراضي الفلسطينية، من خلال بناء مستوطنات جديدة.
وكان تطوير المستوطنات أحد وعود نتنياهو في حفل التنصيب، وكانت هذه القضية أحد شروط بقاء الوزراء المتشددين في الائتلاف الوزاري.
أهداف تل أبيب من إلغاء قانون فك الارتباط
القرار الجديد لنتنياهو وأصدقائه في الضفة الغربية يسعى لتحقيق أهداف عديدة، أحدها رد الفعل على التحركات الدولية لدعم فلسطين.
وقال خليل توفكجي، الخبير في شؤون الاستيطان، في حديث لـ "خليج أونلاين"، إن الکيان الصهيوني يسعى إلى إعادة المستوطنات في المناطق التي تم إخلاؤها في الضفة الغربية بعد إلغاء قانون فك الارتباط، مع العلم أن هذه المستوطنات الإسرائيلية ظلت تحت السيطرة الإسرائيلية منذ عام 2005 دون إعادتها للفلسطينيين.
وأشار توفكجي إلى أن حكومة تل أبيب تسعى إلى إحياء البناء الاستيطاني في جنين، التي شهدت حركة مقاومة فلسطينية قوية.
وأضاف توفكجي "إن جنين وغيرها من المناطق التي تم رفع قانون نزع السلاح فيها، تعتبر "نقاط ارتكاز" لأعمال عسكرية مستقبلية، ستسمح للصهاينة بالسيطرة على المنطقة".
وتجدر الإشارة إلى أنه خلال العامين الماضيين، اكتسبت فصائل المقاومة في جنين ونابلس قوةً کبيرةً ووجّهت ضربات موجعة للمستوطنين، الأمر الذي أثار القلق في تل أبيب.
ولذلك، تحاول حكومة نتنياهو مراقبة تحركات فصائل المقاومة في هذه المناطق عن كثب، من خلال إعادة المستوطنين إلى المستوطنات التي تم إخلاؤها، وتشديد طوق الحصار علی المقاومة، لأن تعزيز المقاومة في الضفة الغربية هو الشغل الشاغل للقادة الصهاينة، وهو ما يمكن أن ينشّط الجبهة الثانية للصراع في الأراضي المحتلة.
كما يرى توفكجي أن الکيان الصهيوني يستخدم الظروف الدولية والدعم الأمريكي لتدمير المقاومة الفلسطينية ومنع توسيع نطاقها، ويشير إلى تصريحات نتنياهو الواضحة بأن "دولة إسرائيل تمتد من النهر إلى البحر".
وذکر توفكجي أن "هذه المستوطنات تعبّر عن طبيعة العقيدة الإسرائيلية، وتطبّق حق هذا الکيان في سياقه الدولي، كما أنها ردٌّ على قضية المحكمة الجنائية الدولية ومذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت، التي أثرت على الإسرائيليين".
وأمرت المحكمة الجنائية الدولية، الجمعة الماضي، بوقف الحرب في غزة، ومن المتوقع أن تعيد النظر في القضية الجنائية المرفوعة ضد نتنياهو وغالانت قريباً، وتصدر مذكرة اعتقال بحقهما، وهي الخطوة التي أثارت غضب القادة الصهاينة.
واعتبر توفكجي أن الخطوة الأخيرة التي اتخذتها "إسرائيل" بإلغاء بطاقات الشخصيات الفلسطينية المهمة، ووقف إرسال الأموال إلى الجانب الفلسطيني، هي محاولة لإضعاف السلطة الفلسطينية وتدميرها.
وأكد هذا الخبير: "لقد بدأ الجانب الإسرائيلي بتنفيذ كل المشاريع، سواء المشاريع التي صدرت عام 1979، مثل مشروع مليون مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية، ومشروع فتح الطرق الالتفافية في الضفة الغربية، والمشاريع الاستيطانية، مع التأکيد علی أن نظرة "إسرائيل" للضفة الغربية واضحة، والغرض منها هو ضمان وجود دولة بين النهر والبحر، وهي الدولة العبرية نفسها".
وجاء قرار الكيان الصهيوني بإلغاء قانون فك الارتباط مباشرةً بعد إعلان إسبانيا والنرويج وإيرلندا اعترافها رسمياً بدولة فلسطين، وهي الخطوة التي ستدخل حيز التنفيذ في 28 مايو/أيار المقبل.
وفي حين يرى الفلسطينيون أن هذه التطورات إيجابية، لأنها قد تكون خطوات فعالة نحو إقامة دولة فلسطينية حقيقية، فإن الصهاينة يعتقدون أنهم لن يسمحوا بإقامة دولة فلسطينية، لأن هذا الإجراء سيؤدي إلى التناقض ومحاولة تطوير المستوطنات في القدس الشرقية، التي يريدها الفلسطينيون عاصمةً للدولة الفلسطينية.
ولذلك، يريد الصهاينة منع قيام دولة فلسطينية في المستقبل، من خلال احتلال أجزاء أخرى من الضفة الغربية، وأخيراً تنفيذ المشروع النهائي لتهويد الضفة الغربية وطرد الفلسطينيين من هذه المنطقة.
وتحاول حكومة نتنياهو المتطرفة من خلال هذه الإجراءات المسببة للتوتر، أن تحذر المجتمع الدولي من أن الضغوط الخارجية لن تتمكن من ردعها عن طريق الاحتلال.
ويرى الخبراء أن إلغاء قانون فك الارتباط يعني توسيع الاحتلال، وبناء مستوطنات صهيونية جديدة في الضفة الغربية، لكن هذا الإجراء يمكن أن يؤدي إلى تصعيد التوترات مع الفصائل الفلسطينية، وإشعال شرارة الانتفاضة الثالثة.
إن الممارسات الاحتلالية التي تقوم بها حكومة نتنياهو المتطرفة في الضفة الغربية، في الوقت الذي وصل فيه الضغط العالمي على الإبادة الجماعية التي يمارسها هذا الکيان في غزة إلى ذروته، سوف تعمّق عزلة تل أبيب عن العالم.