الوقت- لا تنفك الولايات المتحدة الأمريكية عن ممارسة شتى أنواع الضغوطات على المحكمة الجنائية الدولية فالتهديدات الأمريكية على قدم وساق بهدف إضفاء الحصانة على جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي يقترفها المسؤولون والقادة العسكريون للكيان الصهيوني لكن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية رفض التهديدات بهذا الشأن وقالها بالفم الملآن "لن أرضخ لنفوذ أقوياء العالم"، فهل تستطيع المحكمة الجائية العليا فعلاً الوقوف في وجه إعصار الضغوطات هذا؟.
نضال من أجل العدالة
في تأكيد أنه سيقوم بمهمته بكل نزاهة واستقلالية قال كريم خان خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي بشأن تحقيقه في جرائم الحرب في ليبيا أن عليه واجب النضال من أجل العدالة، ومن أجل الضحايا، وقال: “أنا أعلم أن هناك أقوياء في هذه القاعة يتمتعون بالسلطة والنفوذ، لكن القانون معنا”.
وأضاف خان ردا على تشكيكات سفير روسيا في نزاهة تحقيقات المحكمة بشأن الحرب في أوكرانيا: “أود أن أطمئن، لن نرضخ لتأثير مذكرات الاعتقال الصادرة عن روسيا ضدي أو ضد أي أعضاء منتخبين في المحكمة أو من أي مشرع في أي هيئة أخرى تتمتع بسلطات”، مشيرا إلى تلقيه ”تهديدات” شخصية وضد موظفي مكتبه لإجبارهم على “التوقف”.
يأتي ذلك في ظل تقارير إعلامية عن مساعٍ أمريكية كبيرة لإقرار مشروع قانون في الكونغرس يهدف لمعاقبة المشاركين في التحقيقات ضد الولايات المتحدة وحلفائها بهدف إسقاط أي إجراء يتم اتخاذه ضد كيان الاحتلال الصهيوني ومسؤوليه كما هدد أعضاء جمهوريون في مجلس الشيوخ الأمريكي المدعي العام كريم خان بالعقوبات الثقيلة في حال إصدار مذكرات اعتقال بحقه، فيما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية، في بداية مايو، تحذيراً إلى "الأفراد الذين يهدّدون بالانتقام" منها أو من موظفيها، مؤكدة أنّ مثل هذه الإجراءات يمكن أن تشكّل "اعتداء على مجرى العدالة".
خوف كبير
بغض النظر عن مذكرات الاعتقال المتوقع إصدارها بين الحين والآخر ينبع التخوف الكبير الذي يعيشه الكيان الغاصب وداعموه من أن كيان الاحتلال ولسنوات طويلة -أي حتى البت في الدعوى- سيبقى موضع اتهام دولي بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وقد أشارت المحكمة إلى اقتناعها بأنه "من المعقول" أن حكومة الاحتلال ارتكبت أفعالا تنتهك اتفاقية الإبادة الجماعية في غزة.
وعلى الرغم من حجم الغضب الإسرائيلي الناجم عن مقاضاتها أمام محكمة العدل الدولية التي وجدت أساسا لارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة فإن المعطيات الميدانية تشير إلى أن تغييرا كبيرا لم يطرأ على سلوك قوات جيش الاحتلال على الأرض، فيما توثق التقارير الدولية وصول المأساة الإنسانية في غزة ورفح إلى مستويات غير مسبوقة.
هل تصمد في وجه إعصار الاعتبارات السياسية
تتمثل الاعتبارات السياسية التي تؤثر على المحكمة من خلال طبيعة انتخاب أعضائها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن -وهما هيئتان سياسيتان- عدا عن ارتباط بعض القضاة بشكل وثيق مع حكومات بلادهم، وبالتالي لا تخرج قراراتهم عن التوجهات السياسية لبلدانهم.
على الرغم من أن الكارثة في قطاع غزة كانت قد أطلت منذ الأسابيع الأولى للحرب، وقد كانت المشاهد الصعبة القادمة من هناك كفيلة بأن تأمر المحكمة بالفعل كيان الاحتلال وداعميه بوقف فوري للحرب على غزة، وبينما يفترض أن جميع طلبات جنوب إفريقيا قد خضعت للتشاور بين القضاة فإن الاستنتاج الواضح أن المطلب الأول بوقف العمليات العسكرية تم إسقاطه لأنه لم يحز على إجماع بين القضاة.
وربما كانت الاعتبارات السياسية حاضرة بالفعل في حسبان القضاة من خلال إدراكهم أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي لن تمتثل لأي أمر بوقف عملياتها العسكرية في غزة، ففضلوا تقويض نطاق وقوة تلك العمليات.
وعلى أي حال، فقد شهدت قاعات قصر السلام في قلب مدينة لاهاي الهولندية واحدة من أهم المعارك القضائية في تاريخ محكمة العدل الدولية عندما وثق العالم جرائم حكومة الاحتلال ومن يقدم لها الدعم والتي كانت مضطرة للوقوف وللمرة الأولى وهي تدافع بيأس عن نفسها من اتهامات الإبادة الجماعية.