الوقت- في قرار يكشف حجم الحقد الإسرائيلي على من يفضح جرائمه الشنيعة المتكررة، أعلنت حكومة الاحتلال إغلاق مكاتب قناة الجزيرة الفضائية القطرية، ما أثار انتقادات واسعة وأثبت استمرارية التصعيد في الصراع الإعلامي والسياسي بين الطرفين، ويعتبر هذا الإجراء خطوة جديدة في سلسلة التحريض والتصعيد التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية تجاه وسائل الإعلام التي تنقل القضايا الفلسطينية بموضوعية، ومن الواضح أن هذا القرار لا يمثل مجرد إجراء إداري، بل يحمل في طياته أبعادا سياسية وإعلامية وحتى حقوقية، فحرية الصحافة والتعبير تعتبر أساساً لأي مجتمع ديمقراطي، وتقييد هذه الحرية يعتبر خرقاً للقيم الديمقراطية التي يدعي نظام الاحتلال الإسرائيلي الحفاظ عليها.
عدوان على الصحافة
تبرز أهمية قناة الجزيرة كوسيلة لإيصال الأخبار والتقارير من منطقة النزاع إلى العالم، وخاصة منطقة الشرق الأوسط، حيث تعتبر مصدرا مهما للمعلومات المتوازنة والتحليلات العميقة، وإن إغلاق مكاتبها في كيان الاحتلال يعترض طريق الجمهور للوصول إلى وجهات نظر مختلفة ويقيد حرية الاطلاع والتعبير، وعلاوة على ذلك، يتنافى هذا الإجراء مع القوانين الدولية التي تحمي حرية الصحافة وحقوق الإنسان، ويشكل انتهاكاً صريحاً للقوانين الدولية المتعلقة بحرية التعبير والوصول إلى المعلومات.
ولا يمكن تجاهل أن هذا الإجراء يأتي في سياق أوسع لقمع الحريات الإعلامية في المنطقة، وهو ما يفتح الباب أمام مزيد من التساؤلات حول كذبة التزام الحكومة الإسرائيلية بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وخاصة بعد حرب غزة التي نزعت قناع الاحتلال وكشفت إرهابه، وعلى الرغم من مبررات الحكومة الإسرائيلية بشأن تصنيف قناة الجزيرة على أنها "آلة تحريض"، إلا أن هذه التصريحات تظل مجرد ادعاءات دون دليل ملموس، وتبدو واضحة الانحياز، فالدعوات إلى وقف هذه التحركات التي تقيد حرية الصحافة وحق الجمهور في المعرفة تصدر من منظمات حقوقية دولية ومحلية، مؤكدة على أهمية حماية الصحافة والصحفيين في أي مكان وزمان.
وعلى الجانب الآخر، تعكس ردود الفعل الدولية والإقليمية على هذا القرار تضامنا ودعما لحرية الصحافة والإعلام، وتعكس أيضا عدم الرضا عن التدابير التي تقيد حرية التعبير، وباختصار، يثير إغلاق مكاتب قناة الجزيرة في "إسرائيل" مخاوف بشأن استمرار تصاعد التوترات في المنطقة وتقييد حرية الصحافة والتعبير، وفي الوقت الذي يبدو فيه الصراع الإعلامي متصاعدا، يبقى التزام المجتمع الدولي بحماية حرية الصحافة والتعبير ضرورة ملحة للحفاظ على الديمقراطية وحقوق الإنسان في كل مكان.
ولا شك أن إغلاق مكاتب قناة الجزيرة في كيان الاحتلال يفتح بابًا للتأمل في مستقبل حرية الصحافة وحقوق الإعلام في المنطقة، يظهر هذا الإجراء أن الصراع الإعلامي لا يقتصر فقط على المواجهات الميدانية، بل يشمل أيضًا محاولات قمع الأصوات المعارضة وتقييد حرية التعبير، وتكمن أهمية قناة الجزيرة في دورها كوسيلة لتوفير منصة متوازنة للتغطية الإخبارية، وهذا الدور يأتي بالتزامن مع تزايد التحديات التي تواجهها وسائل الإعلام التقليدية والجديدة في مواجهة التحريض والتضليل.
ما الهدف الإسرائيلي الحقيقيّ؟
في ظل الظروف الراهنة، يجب على المجتمع الدولي أن يتحد ويعبر عن رفضه القاطع لمثل هذه الإجراءات التي تهدد حرية الصحافة وتعيق وصول المعلومات بحرية ونزاهة، ولذلك، ينبغي على المنظمات الدولية والحقوقية والصحفية العمل معاً لضمان حماية حرية الصحافة وحق الجمهور في الوصول إلى المعلومات، ومن الضروري أن يكون لدى الصحفيين ووسائل الإعلام المستقلة القدرة على العمل بحرية ودون خوف من التهديدات أو التضييق، لأن دورهم أساسي في كشف الحقائق ورصد الظلم والفساد، وهذا يعزز الديمقراطية ويحفظ الحقوق الإنسانية.
وبالنظر إلى التطورات الأخيرة، يبقى الأمل في أن يؤدي الضغط الدولي والشعبي إلى فضح أهداف هذا القرار، وأن تتم إعادة فتح مكاتب قناة الجزيرة في كيان الاحتلال وضمان حرية عمل الصحفيين ووسائل الإعلام في المنطقة دون تعريضهم للتهديد أو التضييق، وإن توثيق جرائم الكيان الإسرائيلي ضد الصحفيين ووسائل الإعلام يكشف نمطاً من الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان وحرية الصحافة في المناطق المتضررة من النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، بما في ذلك محاولة التغطية على الجرائم في غزة أو رغبة الهجوم على رفح دون أصوات وعدسات تفضح الإسرائيليين، وقد عملت الجزيرة بكامل طاقتها الإعلامية لكشف الجرائم التي يرتكبها بحق الأبرياء.
وفي الأعوام الأخيرة، شهدنا تزايدًا في عمليات الاعتداء والاستهداف المباشر للصحفيين الذين يعملون في غزة والمناطق المحيطة بها، وذلك من قبل القوات الإسرائيلية أثناء تغطية الأحداث الجارية، وتشمل هذه الاعتداءات إطلاق النار عليهم، واعتقالهم التعسفي، وتدمير الممتلكات الصحفية، وإضافةً إلى ذلك، فإن قرار إغلاق مكاتب قناة الجزيرة في كيان الاحتلال يمكن فهمه في سياق أوسع لمحاولة التضييق على حرية الصحافة والتعبير في المنطقة، والتي تمثل تهديدًا مباشرًا للتوثيق المستقل للاعتداءات والانتهاكات التي ترتكب بحق الفلسطينيين.
ومن الواضح أن الهدف من هذا القرار ومثيله هو إخفاء الحقائق وتشويه الصورة الحقيقية للأحداث في غزة ورفح، بما في ذلك الهجمات العسكرية واسعة النطاق التي تشنها قوات الاحتلال ضد المدنيين الفلسطينيين، وبالتالي، يمكن اعتبار هذا القرار جزءًا من محاولات الكيان الإسرائيلي للتغطية على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والجرائم التي ترتكب بحق الفلسطينيين، وإذا نظرنا إلى الحدث الأخير لهجوم رفح، فإنه يكمن في السياق نفسه للجهود الإسرائيلية المتزايدة للتحكم في سرد الأحداث وإعطاء نسخة واحدة من القصة، الهجوم على رفح له علاقة مباشرة بالسعي إلى تقويض الجهود الإعلامية التي تسلط الضوء على الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية في المنطقة.
وبالتالي، يمكن القول بأن القرار بإغلاق مكاتب قناة الجزيرة في كيان الاحتلال يعكس جزءًا من سياسة أوسع لقمع حرية الصحافة وتحكم الكيان الإسرائيلي في السرد الإعلامي، وربما يهدف إلى تغطية الانتهاكات الجسيمة والجرائم التي ترتكب بحق الفلسطينيين في غزة ورفح، بما في ذلك الإبادة الجماعية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتتزايد الشكوك حول مصداقية الكيان الإسرائيلي وتتزايد الاتهامات الموجهة إليه بالفشل في الجوانب العسكرية والاستخباراتية، إذ تشير الحقائق والفضائح الحديثة إلى تدهور سمعته بشكل متزايد، وفي سياق ذلك، لم تخلو الأحداث الأخيرة من قتل عشرات الصحفيين وأفراد عائلاتهم خلال تغطيتهم للجرائم الصهيونية، ما يظهر أن الإسرائيليين يسعون إلى منع جميع وسائل الإعلام من إظهار الحقائق بهدف منع نقل الأخبار والفيديوهات والوقائع إلى العالم الخارجي، بهدف ارتكاب جرائم أكبر في ضد المدنيين.
وتظهر الجرائم اليومية التي ترتكبها قوات كيان الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني من خلال تقارير ووسائل الإعلام العربية والعالمية وعلى رأسها الجزيرة، وهذا ما يدفع الكيان لمحاولة لتمويه الجرائم ومنع الرأي العام العالمي من رؤيتها، وهذا يعزز من تكرار هذه الجرائم والانتهاكات، لذا يجب ملاحقة المرتكبين وتقديمهم للعدالة وخاصة نتنياهو وزمرته الحاكمة، حيث تشجع هذه الجرائم على استمرار الاحتلال في ارتكابها، وخاصة أن استهداف الصحفيين ووسائل الإعلام في فلسطين هو جزء من إستراتيجية الاحتلال الإسرائيلي لتكميم الأفواه ومنع نقل الحقائق والأحداث إلى العالم، ويظهر بوضوح في تصريحات الحكومة الإسرائيلية التي تدعم قصف وإطلاق النار على الصحفيين وتعتبرهم عوامل عائقة في الكشف عن الجرائم والانتهاكات التي ترتكب بحق الفلسطينيين.