الوقت - في الساعات الأخيرة من مساء الثلاثاء الماضي، اقتحمت القوات الخاصة التابعة لشرطة نيويورك في الولايات المتحدة جامعة كولومبيا، واعتقلت طلاباً محتجين مؤيدين للفلسطينيين.
قبل ساعات قليلة من مداهمة الشرطة، طلب مسؤولو جامعة كولومبيا في بيان من الطلاب الذهاب إلى أماكن آمنة، وبعد هجوم الشرطة وعنف قوات الأمن ضد الطلاب المتظاهرين، أصدرت جامعة كولومبيا بياناً وتحملت مسؤولية استدعاء الشرطة، وطلبت من الشرطة البقاء في الجامعة في الوقت الحالي.
ويستمر أيضًا قمع الطلاب المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين في جامعات أمريكية أخرى، وقد وصل عدد الاعتقالات حتى الآن إلى أكثر من 1300 شخص، ورغم أنها ليست المرة الأولى التي تحدث فيها احتجاجات طلابية في أمريكا، إلا أن استخدام هذا المستوى من العنف ضد الطلاب المحتجين في الجامعات الأمريكية، يكاد يكون غير مسبوق.
وبالإضافة إلى مسؤولي الجامعات، برّر مسؤولون أمريكيون آخرون، بمن فيهم الرئيس جو بايدن، وكذلك أعضاء في الكونغرس، معاملة الشرطة العنيفة للطلاب المتظاهرين في الجامعات، ودعوا إلى إنهاء اعتصامات واحتجاجات الطلاب المؤيدين للفلسطينيين.
الاحتجاجات اشتدت منذ أسبوعين، وامتدت إلى أكثر من 80 جامعة أمريكية حتى الآن، وحتى المدعي العام الأمريكي دعم شرطة هذا البلد في التعامل مع الطلاب المحتجين، ودعا إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد احتجاجات أنصار فلسطين في الجامعات.
ماذا يريد الطلاب؟
الطلاب المحتجون الذين تظاهروا في جامعة كولومبيا ونحو 80 جامعة أخرى، لديهم مطلب مشترك وهو إنهاء الحرب على غزة.
لقد خلّفت الحرب على غزة أكثر من 110 آلاف قتيل وجريح خلال المئتي يوم الماضية، وتحوّل قطاع غزة الذي يسكنه أكثر من مليوني نسمة إلى كومة من الأنقاض، ووقعت أكبر كارثة إنسانية في هذه المنطقة.
والرأي العام العالمي الآن ضد الحرب، ويريد وقف الحرب، وفي هذا الوضع، تشكّل الجامعات جزءاً من رد الفعل الاحتجاجي العالمي ضد حرب غزة، ولا تقتصر الاحتجاجات الداعمة لفلسطين على الجامعات الأمريكية فقط، بل حدثت احتجاجات مماثلة أيضًا في الجامعات الفرنسية والبريطانية، لكن المعاملة الأشد قسوةً للطلاب حدثت في أمريكا.
ولا يطالب الطلاب في بعض الجامعات الأمريكية بوقف الحرب فحسب، بل يطالبون أبعد من ذلك بإنهاء العلاقات المالية والعلمية بين الجامعات الأمريكية والکيان الإسرائيلي، وهي قضية تم التركيز عليها كثيرًا في احتجاجات جامعة كولومبيا، وبالتالي فإن شدة الإجراءات البوليسية ضد المتظاهرين، تظهر في جامعة كولومبيا أكثر من الجامعات الأخرى.
من الحركة الطلابية ضد حرب فيتنام إلى الحركة الطلابية ضد حرب غزة
إن توسع وشمول الحركة الطلابية التي تجري اليوم لدعم فلسطين في الجامعات الأمريكية، جعل الكثيرين يقارنون هذه الحركة الطلابية بالحركة الطلابية المناهضة لحرب فيتنام عام 1968.
هناك العديد من أوجه التشابه بين حركة الاحتجاج عام 1968 ضد حرب فيتنام، والاحتجاج العالمي الذي يجري اليوم ضد حرب غزة، حيث إنه بالإضافة إلى أن الحركتين الاحتجاجيتين المناهضتين للحرب (حرب فيتنام وحرب غزة)، لهما نطاق واسع في أمريكا وحتى خارج أمريكا، فإن الحركتين الاحتجاجيتين أيضاً حدثتا في وقت يدعم فيه رئيس أمريكي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي الحرب.
كما أن كلا الحركتين الاحتجاجيتين تحدثان في عام الانتخابات الرئاسية، والشيء المثير للاهتمام أيضًا هو أنه خلال الحركة الطلابية ضد حرب فيتنام والآن في الحركة الطلابية ضد حرب غزة، فإن طلاب جامعة كولومبيا في نيويورك هم رواد، ولديهم نوع من الدور القيادي في الاحتجاجات المناهضة للحرب في الجامعات الأمريكية.
في الاحتجاجات الأكاديمية عام 1968، أصبحت جامعة كولومبيا واحدةً من المراكز الرئيسية للاحتجاجات المناهضة للحرب، بسبب العلاقة بين هذه الجامعة والصناعة العسكرية، واحتل الطلاب خمسة مبانٍ، ثم احتجزوا الرئيس هنري كولمان كرهينة لمدة ستة وثلاثين ساعة، وهناك صورة شهيرة لطالب يدخّن داخل مكتب رئيس الجامعة.
في ذلك الوقت، تم استدعاء الشرطة إلى الحرم الجامعي، وتم اعتقال أو إصابة مئات الطلاب، وقام الطلاب بالإضراب، ما أدى في النهاية إلى استقالة رئيس الجامعة غرايسون كيرك، وحالياً، هناك الجو الاحتجاجي نفسه في جامعة كولومبيا ضد الحرب في غزة، ورئيس الجامعة استدعی قوات الشرطة.
الکيان الصهيوني، الهدف المشترك لاحتجاجات الجامعات الأمريكية
لعل النقطة المشتركة التي تربط أعمال الاحتجاج الطلابية في جامعات كولومبيا وييل وهارفارد في أمريكا، هي العلاقة بين جامعاتهم والکيان الإسرائيلي.
في جامعة كولومبيا، وبسبب عقد مع الکيان الإسرائيلي بقيمة 1.2 مليار دولار، يطالب الطلاب إدارة الجامعة بسحب استثماراتها من عملاقي التكنولوجيا أمازون وجوجل، المرتبطين بمستثمرين صهاينة.
وفي جامعة ييل أيضاً، يطالب الطلاب الجامعة بقطع العلاقات مع "جميع مصنعي الأسلحة الذين تستخدم أسلحتهم في العدوان على فلسطين"، ولدى جامعة ييل أيضًا برامج تبادل طلابي مع سبع جامعات إسرائيلية.
کما أن جامعة هارفارد لديها برنامج مع ثلاث من هذه الجامعات، وجامعة كولومبيا لديها علاقة مع أربع جامعات إسرائيلية، بالإضافة إلى ذلك، تم استدعاء الشرطة إلى خمسة عشر حرمًا جامعيًا في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وانتشرت المظاهرات في اثنتين وعشرين جامعة وكلية أخرى على نطاق واسع.
وفي الواقع، إذا كان هدف الحركة الاحتجاجية المناهضة لحرب فيتنام عام 1968 هو البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية)، فإن هدف الحركة الطلابية في أمريكا اليوم، هو الصهيونية ومن يسلحون "إسرائيل" في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا.
إن هدف الاحتجاجات الطلابية الحالية هو اللوبي المؤيد لـ "إسرائيل"، الذي يقوم نشطاؤه بتشويه سمعة السياسيين المؤيدين للفلسطينيين، ويتهمونهم بمعاداة السامية، ويقوم المقربون من الصهيونية في الجامعات الأمريكية، بنبذ وإيقاف الطلاب والأساتذة المؤيدين للفلسطينيين، ولا يسمحون بتوسيع الدعم لفلسطين، لأنهم يخشون فقدان رعاتهم الإسرائيليين.
تداعيات الاحتجاجات المناهضة للحرب
لقد أظهرت حرب غزة لأول مرة في تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، أن الفلسطينيين يقفون خلف جبهة غير مستعدة للتنازل عن مطالبهم الأساسية، وأن قيادة الحرب في يد المقاومة الفلسطينية؛ مقاومةٌ نالت بالفعل المزيد من الاحترام في العالم العربي، وحتى في الغرب.
في الجامعات الأمريكية، يظهر المتظاهرون وهم يرتدون الکوفية، وعليها صور منفذي العمليات المسلحة الفلسطينية، ويمكن رؤية صور قادة المقاومة مثل يحيى السنوار على جدران جامعة كولومبيا.
في الواقع، يتم تشكيل جيل جديد في أمريكا، جيل يعرف أن أمريكا هي الدولة الوحيدة القادرة على وقف الصراع والحرب على غزة، من خلال سحب دعمها العسكري والسياسي والاقتصادي من الکيان الإسرائيلي.