الوقت - في خطوة الهدف الأساسي منها الإشارة إلى كذب وادعاءات أردوغان والتشكيك بقراراته وكلامه تعالت الأصوات المطالبة للرئيس التركي رجب طيب آردوغان بتحديد المواصفات والمقاييس الإجرائية التي اعتمد عليها الرئيس سواء في إعلان تجميد تصدير 54 سلعة إلى "إسرائيل" أو في الاعلان لاحقا عن نية تركيا مقاطعة "إسرائيل" تماما إلى أن تعلن وقف حربها على غزة.
وكان الرئيس التركي قد خطب في مؤتمر بإسطنبول خلال افتتاحه الجمعة الماضية بأن بلاده ستعاقب "إسرائيل" بسبب جرائمها ضد أهل غزة وستقطع التجارة معها.
لكن هذا القرار لم يُناقش أصلا في مجلس الوزراء التركي خلافا لأن مجلس إدارة الهيئة العليا للتجارة والاستيراد والتصدير لم تصلها مراسلات من الحكومة بشأن قطع العلاقات التجارية مع "إسرائيل".
حيث يربط مراقبون أتراك من المعارضة ومن الموالاة أيضا تصريحات أردوغان في السياق بمناسبتين بمحاولات وصفت سابقا بأنها تصويب لأخطاء ارتُكبت خلال الحملة الانتخابية في الانتخابات البلدية، وأدت إلى تراجع كبير لفرص ونفوذ الحزب الحاكم “العدالة والتنمية” الذي يتراسه أردوغان.
ويُحاجج مختصون وخبراء أتراك بأن الإعلان عن وقف الصادرات إلى "إسرائيل" خطوة دعائية وإعلامية فقط لأن قرارا اتخذ في مجلس الوزراء بالخصوص وتضمن قائمة سلع لكن القرار نفسه لم يتضمن الرمز أو الكود التجاري لتلك المنتجات التي أمرت الحكومة بمنع تصديرها ولو مؤقتا.
وغياب الكود هنا في مسألة التصدير يجعل القرار عميقا جدا لا بل غير قابل للتنفيذ بالنسبة لأطقم سلطة الموانئ البحرية التي ينبغي أن يصلها كتاب رسمي بالرمز والكود لمنع تصدير أي سلعة حيث يحظر القانون التركي أي إجراءات لوقف ومنع التصدير لدول أخرى وحيث التبادل التجاري مع "إسرائيل" ارتفع بمعدلات ملحوظة بعد يوم الـ7 من أكتوبر.
ووفقا لسياسيين أتراك فإن كميات من النفط تأتي من منطقتين على الأقل لا تزال تصل الكيان الإسرائيلي عبر صهاريج بحرية تركية وإن مستلزمات إنتاج الطاقة البديلة التي تتفوق تركيا في صناعتها أيضا متواصلة كصادرات أساسية وإن خفت الكميات التصديرية في بند الغذاء الذي لم يعد الكيان يعاني من نقصه أصلا.
ولا تمل الدوائر الخصمة للرئيس التركي تحاول التشكيك بالقرارات في جذرها الإداري واعتبرت أن الاعلانات أقرب إلى وصلة دعائية للاستهلاك هدفها إعادة تجميع شتات الحزب الحاكم الذي تلقى ضربة موجعة في الانتخابات البلدية الأخيرة وقد يتلقى المزيد من الضربات مستقبلا وخصوصا في انتخابات البرلمان أو الرئاسة المقبلة.
وكان أردوغان وعندما استقبل وفدا من قيادة المقاومة الفلسطينية قبل 10 أيام قد أعلن صُدور القرار بحجب عدد كبير من الصادرات عن "إسرائيل" حيث انفتحت تركيا على نحوٍ مُفاجئ على المقاومة الفلسطينية مجددا ووعد رئيسها بأن تتولى بلاده مهمة المُتابعة لرفع الظلم عن أهل غزة والشعب الفلسطيني.
وذكرت مصادر في المقاومة بأنها طالبت الرئيس التركي بأن تُساهم وزارة الخارجية التركية في تخفيف الضغط عن المقاومة في المجتمع الدولي ووعد الرئيس أردوغان بتلبية الطلب ثم اتخذت خطوات لتنسيق الأمر مع طاقم وزير الخارجية التركي هاكان فيدان.
وضعت حرب غزة حدا للتحسن التدريجي للعلاقات التركية الإسرائيلية الذي بلغ ذروته مع إعادة تعيين سفراء في 2022.
وفي سياق التصعيد التركي على حكومة الاحتلال فقد استدعى أردوغان سفير أنقرة لدى "إسرائيل" وطالب بمحاكمة شخصيات قيادية في الجيش الإسرائيلي ومسؤولين أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
وبلغت قيمة صادرات تركيا إلى "إسرائيل" 5,43 مليارات دولار العام الماضي، مقارنة مع 7,03 مليارات دولار في 2022، وفق ما أفاد "اتحاد المصدرين الأتراك" ووكالة "توركستات" للإحصاءات.
وهاجم الرئيس التركي "إسرائيل" مرارا خلال الحملات الانتخابية التي سبقت الانتخابات البلدية التي جرت في الـ 31 من آذار.
لكن حزبه مُني بهزيمة تاريخية إذ فقد السيطرة على الكثير من المدن، ولا سيما لمصلحة حزب "ينيدن رفاه" (الرفاه الجديد) الإسلامي.
وعلى المقلب الآخر، وفي رده على إعلان وزارة التجارة التركية فرض قيود على تصدير 54 منتجا إلى "إسرائيل"، قال وزير الخارجية في حكومة الاحتلال يسرائيل كاتس: إن "الرئيس التركي يضحي بالمصالح الاقتصادية للشعب التركي من أجل دعم حماس".
وأوضح كاتس أن "إسرائيل" سترد على ما وصفها بالخطوة التركية أحادية الجانب، بإعداد قائمة أوسع من المنتجات التي لن تستورد من تركيا.
وأضاف: إن بلاده ستتوجه إلى الكونغرس الأمريكي، لفحص انتهاك قوانين المقاطعة وإمكانية فرض عقوبات على تركيا بناء على ذلك مدعيا -في بيان- أن القرار التركي انتهاك أحادي للاتفاقيات التجارية.
من جانبها، نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن رئيس اتحاد المصنعين الإسرائيليين قوله: إن على "إسرائيل" ضمان استقلالها التجاري، ووقف اعتمادها على تركيا.
تقييد تركيا وصول المنتجات إلى الأراضي المُحتلة في القرار الأخير، لم يتضمّن حظر التعامل التجاري مع الكيان، ما يعني استمرار التحويل المالي بين الجانبين، وسريعًا، ابتكر التجار الأتراك والإسرائيليون «طريقة التفافية» للتواصل، وهي تصدير البضائع إلى سلوفينيا أو قبرص أو اليونان، ومنها إلى كيان الاحتلال.
وبالتالي فإنّ التجارة لم تتوقّف، وتركيا لم ترد معاقبة كيان الاحتلال أو الضغط عليه، إنما الغرض من اتخاذ أردوغان هذا القرار في هذا الوقت تحديدًا يصب في مصلحته الشخصية.
أعلنت تركيا في الـ25 من أكتوبر/تشرين الأول تعليق خطط للتعاون مع "إسرائيل" في مجال الطاقة، كما ألغى وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار زيارة كانت مقررة لـ"إسرائيل".
كانت أنقرة قبلها تعتزم مناقشة خطط للتعاون مع "إسرائيل" للتنقيب المشترك عن الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط وإمكانية وضع خطط لتصدير الغاز إلى أوروبا عبر تركيا.