الوقت- مع كل صراع أو حرب تحدث في غرب آسيا والمنطقة العربية، تصبح فكرة "الدفاع العربي المشترك" وتعزيز القوة الدفاعية، الشغل الشاغل للدول الأعضاء في مجلس التعاون.
والحرب الأخيرة في غزة بين الکيان الصهيوني وحماس، والتي أدت إلى دخول أطراف أخرى من محور المقاومة والحكومات الغربية إلى الصراع، دفعت الدول العربية الغنية بالنفط في الخليج الفارسي مرةً أخرى إلی مراجعة عقيدتها الدفاعية، حتى تتمكن من التكيف بشكل أفضل مع التغيرات في أساليب الحرب وأدواتها.
کذلك، أدى تطور التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي إلى تغيير مفهوم الصراع والحرب بشكل كبير، وقد أثبت ذلك قدراته في الحروب الأخيرة.
ورغم أن الدول الخليجية أنفقت عشرات المليارات من الدولارات لشراء أسلحة من الولايات المتحدة والأوروبيين في العقود الماضية، وتمتلك ترسانات مليئة بالأسلحة الغربية، ولكن يبدو أن الحروب الجديدة أدت إلى ضرورة إعادة النظر في العقيدة الدفاعية-التسليحية في هذه البلدان.
الأموال الباهظة التي ينفقها العرب لشراء الأسلحة
بسبب الصراع المستمر، أصبح الشرق الأوسط أحد أكثر مناطق العالم جشعًا لشراء الأسلحة، وحسب تقرير معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام(سيبري)، فإن الدول الخليجية تخصص أكثر من 4% من ناتجها المحلي الإجمالي لشراء الأسلحة، وهو أعلى رقم في العالم.
ففي عام 2033، وبتخصيص 75.8 مليار دولار للقطاع العسكري، تأتي السعودية في المركز الأول في منطقة الشرق الأوسط، وفي المركز الخامس في العالم بعد الولايات المتحدة والصين وروسيا والهند، ورغم أن السعودية تشتري معظم أسلحتها من الولايات المتحدة، إلا أنها وقعت قبل عامين اتفاقاً مع تركيا، لشراء عدد من طائرات بيرقدار دون طيار بقيمة 7 مليارات دولار.
وحسب البيانات الجديدة لموقع "غلوبال فاير باور" المتخصص في المجال العسكري، خصصت الإمارات نحو 15.5 مليار دولار للميزانية العسكرية لعام 2024، وتستورد هذه الدولة 35% من أسلحتها من أمريكا، و28% من فرنسا.
کما تعدّ قطر، مع 13.1 مليار دولار، ثالث أكبر منفق عسكري في الشرق الأوسط، بعد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وتحتل الكويت المركز الرابع في هذه القائمة، حيث بلغ إنفاقها العسكري في عام 2023 نحو 12.6 مليار دولار، وهو ما يمثّل زيادةً بنسبة 4.1% مقارنةً بعام 2022.
سلطنة عمان أيضًا، التي لم تهتم كثيرًا بالجوانب العسكرية مقارنةً بغيرها من مشيخات الخليج الفارسي، لكن هذه الدولة المحبة للسلام في المنطقة طورت مؤخرًا خططها الدفاعية تحت تأثير التطورات الإقليمية.
وحسب هذا التقرير، فإن سلطنة عمان خصصت نحو 8 مليارات دولار لشراء الأسلحة، وهذا المبلغ يعادل 15% من ميزانية البلاد، وتستورد هذه الدولة 37% من أسلحتها من بريطانيا، و16% من أمريكا.
کما أبرمت سلطنة عمان مؤخرًا اتفاقيةً مع فرنسا لشراء مقاتلات رافال، والتي بموجبها ستشتري هذه الدولة الخليجية أحدث نسخة متقدمة من مقاتلات رافال، وترغب سلطنة عمان في تعزيز قوتها الجوية بسبب حالة عدم الاستقرار التي تمر بها المنطقة، رغم أن علاقاتها مع جميع الدول مستقرة.
وأخيراً تبلغ ميزانية البحرين العسكرية لهذا العام نحو 1.5 مليار دولار، أي ما يعادل 13% من إجمالي ميزانيتها.
إن الزيادة في الميزانية العسكرية لم تكن لمشيخات الخليج الفارسي فحسب، حيث إن الأردن، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة، رفع بشكل كبير حجم نفقات الدفاع في الموازنة الجديدة إلى نحو 2 مليار دولار، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ هذا البلد.
خلق الردع ضد الأعداء
تهتم الحكومات دائمًا بالبقاء والأمن، والظروف الأمنية تدفع الحكومات إلى الردع من خلال اكتساب وتعزيز القدرات العسكرية والتسليحية.
وفي الواقع، تقوم الحكومات بتسليح نفسها للحصول على المزيد من الأمن، وفي هذه الحالة، فإن عدم الاستقرار والشعور بعدم الأمان يساوي شراء المزيد من الأسلحة، ولمشيخات الخليج الفارسي باع طويل في هذا المجال.
ولكن إذا كانت القوة الجوية صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في الحروب في زمن ما، فقد فقدت الطائرات المقاتلة دورها الحاسم إلى حد كبير الآن، مع إنتاج أنظمة دفاعية متقدمة وطائرات دون طيار وصواريخ طويلة المدى.
لقد كشفت عملية "الوعد الصادق" الدور الفعال للطائرات دون طيار والصواريخ، وأظهرت أنه من الممكن تماماً تحسين الردع وإمكانية الانتصار من خلال الاعتماد على عقيدة دفاعية مستقبلية ومحلية، وحتى منخفضة التكلفة، كما أن تجربة أداء المقاومة في اليمن والعراق ولبنان، أسفرت أيضاً عن نتائج مماثلة في الحرب نفسها.
في الوضع الحالي، فإن خلق الردع ضد الأعداء أمر حيوي بالنسبة للعرب بعد عملية الوعد الصادق، وبعد 45 عاماً من التوتر مع الكيان الصهيوني، أثبتت إيران قدرتها على الردع، وحسب الخبراء فإن هذا الکيان سيكون حذراً للغاية في اتخاذ أي إجراء ضد إيران في المستقبل.
هذا في حين أن الإنفاق العسكري الإيراني أقل بكثير من مشتريات الأسلحة السنوية الضخمة للدول الأعضاء في مجلس التعاون، وحتى مشتريات الأسلحة هذه بمئات المليارات من الدولارات، على سبيل المثال، لم تؤد إلى انتصار السعودية في الحرب الكبرى الوحيدة في تاريخ هذا البلد الحديث في اليمن، حيث إنه في مواجهة الهجوم الصاروخي والطائرات دون طيار للمقاومة اليمنية على منشآت أرامكو في عام 2019، تم تسجيل أكبر فشل عملياتي للسعوديين في هذه الحرب.
ومن الأسباب الأخری التي دفعت العرب إلى تغيير العقيدة الدفاعية، هو فشل الکيان الصهيوني في تحقيق أهدافه المعلنة ضد حماس، والذي لم يحقق أي نتائج رغم الأسلحة العسكرية واسعة النطاق.
وأظهرت إطالة أمد الحرب في غزة، أن الجهات الفاعلة المجهزة بأسلحة حديثة لا يمكنها الصمود لفترة طويلة عندما تتجه الحرب نحو مسار تآكلي، وقد تجلی ذلك بوضوح من خلال إرسال الولايات المتحدة وحلفائها آلاف الأطنان من الأسلحة إلى الأراضي المحتلة في الأشهر الأخيرة.
وتشعر الدول العربية أيضًا بالقلق من أنها لن تكون قادرةً على الدفاع عن أمنها في حال نشوب حرب، ولهذا السبب تحاول تطوير بنيتها التحتية الدفاعية قبل أي حادث يستدعي الدفاع عن النفس.
وفي السنوات الأخيرة، وتماشياً مع مشروع تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني، وقعت الدول العربية اتفاقيات لشراء أنظمة دفاعية من هذا الکيان، لكن عدم فعالية أنظمة الدفاع الإسرائيلية في اعتراض الصواريخ والطائرات دون طيار الإيرانية، أجبر العرب على إعادة النظر في سياساتهم العسكرية، والآن يتساءل الحكام العرب المطبّعون عما إذا كان شراء الأسلحة من الکيان الصهيوني، يمكن أن يحمي أمنهم في الأوقات المتأزمة أم لا.
لقد أظهرت حرب غزة كيف يمكن لصراع صغير الحجم أن تكون له آثار كبيرة في العالم، بل يمكن أن يؤدي إلى حرب إقليمية.
تعدّ الدول الخليجية من بين الدول الأكثر استخدامًا للمنتجات العسكرية والأمنية، وفي الوقت نفسه لديها موقع جيوستراتيجي حساس، حيث إنه بالإضافة إلى إنتاج النفط والغاز وقيمة ذلك في الاقتصاد العالمي، يجب عليهم الحفاظ على أمنهم أيضًا.
وكان تصاعد التوترات في البحر الأحمر بعد عمليات حرکة أنصار الله اليمنية، وإيقاف السفن الصهيونية في هذا الطريق البحري، وهو الطريق السريع لتصدير النفط والغاز في الخليج الفارسي، بمثابة تحذير خطير للشيوخ العرب من أن مثل هذا المصير قد يتكرر بالنسبة لهم في المستقبل.
وكانت الدول العربية تأمل أن تتمكن أمريكا وحلفاؤها من ضمان سلامة الملاحة في البحر الأحمر بأسلحتها المتطورة، لكن الغربيين لم يحققوا النجاح فحسب، بل أجّجوا أيضًا تصعيد التوترات في المنطقة.
وحسب نبيل الخوري، خبير الاقتصاد السياسي والأستاذ في الجامعة الأمريكية في بيروت، فإن "التهديدات دفعت في نهاية المطاف الدول الخليجية إلى محاولة حل مشاكلها مع العالم، وإقامة علاقات متوازنة مع كل القوى الإقليمية والعالمية المؤثرة من جهة، وتنويع مصادر أسلحتها من جهة أخرى".
هذا في حين أن الدول الخليجية، وخاصةً الإمارات والسعودية، وقعوا عقوداً مع الصين وروسيا لشراء الأسلحة في السنوات الأخيرة، من أجل تنويع ترسانتهم.
وحسب الخوري، فإنه "بسبب الاتجاه العالمي نحو العسكرة، ستسعى الدول الخليجية إلى تحسين قدراتها العسكرية والأمنية في المستقبل من خلال زيادة ميزانياتها الدفاعية، وتحديث الأسلحة، وتنويع مواردها، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي".
لقد أظهرت عملية "الوعد الصادق"، أن الردع لا يمكن تحقيقه من خلال إسناد الأمن إلى أمريكا والكيان الصهيوني، بل ضمان الأمن يتطلب قدرات محلية، لكن العرب، الذين لا يملكون التكنولوجيا، يملؤون ترساناتهم بالأسلحة الغربية عن طريق إنفاق أموال النفط، لتجنب الصراعات الإقليمية.