الوقت- استخدمت الولايات المتحدة، الخميس، حق النقض (الفيتو) ضد القرار الذي اقترحته الجزائر على مجلس الأمن بشأن العضوية الكاملة للدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، وفي هذا التصويت، صوت 12 من أصل 15 عضوا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بما في ذلك روسيا والصين وفرنسا، لمصلحة هذا الإجراء، وامتنعت بريطانيا وسويسرا عن التصويت وصوتت أمريكا ضده.
منحت الجمعية العامة الفلسطينيين وضع مراقب غير عضو في عام 2012، لكن يجب على مجلس الأمن وثلثي الجمعية العامة على الأقل الموافقة على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
إن هذا الإجراء الأحادي من جانب الولايات المتحدة، التي لعبت دور الوسيط فيما تسمى محادثات السلام بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية منذ عقود، ومن جهة أخرى حكومة جو بايدن، التي في سياساتها المعلنة، وصفت نفسها بأنها مؤيدة لخطة الدولتين لحل هذا الصراع التاريخي، وبالإضافة إلى ردود الفعل واسعة النطاق، فقد أوضحت مرة أخرى العديد من القضايا، وبالتالي من المتوقع أن يزيد هذا الفيتو بشكل كبير من تحديات السياسة الإقليمية لإدارة بايدن بعد طوفان الأقصى.
الفلسطينيون غاضبون والصهاينة راضون
وقد قوبل الإجراء أحادي الجانب من جانب الولايات المتحدة بمعارضة إقليمية ودولية، وفي الوقت نفسه كانت الفصائل الفلسطينية هي الأكثر غضبا من العرقلة التي تمارسها واشنطن.
ووصف مكتب محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، الفيتو الأمريكي بأنه "عدوان سافر... يدفع المنطقة إلى حافة الهاوية".
ووصف عباس في بيان الفيتو الأمريكي بأنه "غير عادل وغير أخلاقي وغير مبرر".
وقال رياض منصور السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة بعد التصويت: "حقيقة عدم الموافقة على هذا القرار لا تنتهك إرادتنا ولا تهزم تصميمنا، ولن تتوقف جهودنا، الدولة الفلسطينية أمر لا مفر منه، انه حقيقي".
وأضاف: "أرجو أن تتذكروا أنه بعد انتهاء هذا اللقاء، هناك في فلسطين أناس أبرياء يدفعون بأرواحهم ثمن تأخير العدالة والحرية والسلام".
كما اتهمت حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) الولايات المتحدة بالوقوف "ضد الإرادة الدولية" من خلال ممارسة حق النقض ومنع العضوية الكاملة للفلسطينيين في الأمم المتحدة.
وأعلنت هذه الحركة في بيان لها أنها تدين بشدة موقف الولايات المتحدة، وتطلب من المجتمع الدولي الضغط عليها لتجاوز إرادة الولايات المتحدة ودعم نضال الشعب الفلسطيني وحقه المشروع في تقرير مصيره.
ويواصل هذا البيان: نؤكد للعالم أن شعبنا الفلسطيني سيواصل نضاله ومقاومته حتى يهزم الاحتلال ويستعيد حقوقه ويشكل الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
روسيا التي عززت علاقاتها مع الأطراف الفلسطينية في السنوات الأخيرة، بل أرادت أن تلعب دور الوسيط في المفاوضات بين الفصائل الفلسطينية، زادت من حدة انتقاداتها للفيتو الأمريكي، واندفعت إلى مقاربة واشنطن.
وقال سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا: إن الولايات المتحدة أظهرت "ما تعتقده حقا بشأن الفلسطينيين" من خلال استخدام حق النقض (الفيتو).
وأضاف: إن واشنطن تعتقد "أنهم لا يستحقون أن تكون لهم دولة خاصة بهم، ولا تفهم سوى مصالح إسرائيل".
وقال نيبينزيا: إن الولايات المتحدة تغض الطرف عن "الجريمة الإسرائيلية" ضد المدنيين في غزة، فضلا عن استمرار البناء غير القانوني للمستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، الهدف هو كسر إرادة الفلسطينيين، وإجبارهم على الخضوع نهائيا لسلطة الاحتلال، وتحويلهم إلى خدم وشعب من الدرجة الثانية، وربما طردهم من وطنهم نهائيا"، لكنه قال: إن "هذه السياسة ليس لها إلا تأثيراً عكسياً".
لكن في خضم المعارضة الدولية للتصرف الأمريكي، لم يخف قادة الكيان الصهيوني رضاهم التام وسعادتهم بالفيتو الجديد للبيت الأبيض.
وأشاد يسرائيل كاتس، وزير خارجية الكيان، بالولايات المتحدة لاستخدامها حق النقض ضد القرار، الذي وصفه بـ "الاقتراح المخزي" في منشور على شبكة X الاجتماعية.
وقال جلعاد إردان، سفير كيان تل أبيب لدى الأمم المتحدة: إن العضوية الكاملة للفلسطينيين ستكون "مكافأة للإرهابيين" وستجعل أي مفاوضات مستقبلية شبه مستحيلة.
ودون أن يذكر مقتل نحو 34 ألف فلسطيني، بينهم نساء وأطفال، وموجة الإدانة العالمية لهذه الجرائم، كتب: "من المخزي أنه حتى بعد مرور نصف عام على مجزرة الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول، لم يتمكن مجلس الأمن الدولي من إدانة هذه الجرائم، جرائم حماس الفظيعة".
وفقًا لتحليل بلو ماربل، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد القرارات التي تدين الكيان الصهيوني أكثر من أي دولة عضو أخرى، بإجمالي 48 حق النقض حتى الـ18 من ديسمبر 2023، واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد 89 قرارا لمجلس الأمن منذ عام 1945، ما يشير إلى أن أكثر من نصف حق النقض تم استخدامه لمصلحة الكيان الصهيوني، ومن بين القرارات التي تم رفضها، كان هناك 33 قرارا تتعلق باحتلال "إسرائيل" للأراضي الفلسطينية أو سلوك هذا الكيان تجاه الشعب الفلسطيني.
المرة الأولى التي استخدمت فيها الولايات المتحدة حق النقض لدعم "إسرائيل" كانت في سبتمبر/أيلول 1972، عندما أصدر مجلس الأمن قراراً يطلب من "إسرائيل" وقف عدوانها على لبنان، وهذه هي المرة الثانية التي تستخدم فيها الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، وحسب الإحصائيات، فإن العدد الأكبر من مرات الفيتو الأمريكي كان لمصلحة الكيان الصهيوني بين عامي 1982 و1990، حيث استخدمت واشنطن الفيتو الداعم لـ"إسرائيل" 21 مرة، وفي القرن الجديد، ومنذ عام 2001، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) 14 مرة لدعم الصهاينة.
وفي حين أن واشنطن لم تغير سياستها المتمثلة في دعم الكيان الصهيوني بلا شك في مجلس الأمن لأكثر من 50 عامًا، فإن هذه القضية لم تؤد إلا إلى زيادة في الضحايا الفلسطينيين، والمزيد من النزوح وتحويل غزة إلى مكان غير صالح للسكن لملايين الأشخاص.
الجمود الدبلوماسي في البيت الأبيض
إن الإجراء الذي اتخذته واشنطن يوم الخميس، والذي من خلال إحباط الانتفاضة الدولية الجديدة لإنهاء الأزمة التاريخية والكارثة الحالية في المناطق، تسبب في موجة جديدة من عدم الثقة والانتقادات الدولية تجاه سياسات البيت الأبيض الأحادية وصانعة الأزمات في غرب آسيا، كعائق أمام السياسات الإقليمية لحكومة جو بايدن، وخاصة في مسألة التوصل إلى اختتام مفاوضات وقف إطلاق النار في القاهرة، وتشكيل جولة جديدة من مفاوضات المصالحة، وأخيراً تطبيع العلاقات بين الدول العربية والكيان الصهيوني.
إن نهج واشنطن الداعم واللامحدود للكيان الصهيوني، بحيث يرى هذا الكيان نفسه متفوقاً على كل المعاهدات والمواثيق الدولية، ويمارس أعمالاً إجرامية ضد الفلسطينيين وعدواناً على دول المنطقة، لا يقبله أي قانون دولي أو إنساني، وليس هناك خط أحمر غير كلمة القوة، ما يزيد من عدم الثقة الدولية والإقليمية، وخاصة الفلسطينية، في جدوى أي حل تفاوضي بوساطة الولايات المتحدة، والحقيقة أنه مع هذا الفيتو يصبح السؤال أقوى من ذي قبل، ما إذا كانت واشنطن صادقة في ادعائها بمحاولة دفع حل الدولتين وتشكيل دولة فلسطينية مستقلة؟ ومن المؤكد أن هذا السؤال يشكل تحديا كبيرا للدول العربية، وخاصة المملكة العربية السعودية، التي تسعى إلى إيجاد طريق أكثر سلاسة للتطبيع بحجة الحصول على حقوق الفلسطينيين.
ولا شك أنه من أجل الخروج من هذا المأزق، بعد استخدام حق النقض على القرار، حاول المسؤولون الأمريكيون مرة أخرى إظهار التزامهم بحل الدولتين، وفي هذا الصدد، قال روبرت وود، نائب السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة: إن بلاده "ستعمل بهمة وإصرار على دعم إقامة دولة فلسطينية في إطار اتفاق سلام شامل يحل بشكل دائم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني".
وبعد أن رفع يده للتصويت ضد القرار واستخدام حق النقض، قال: "منذ هجمات الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول، صرح الرئيس بايدن بوضوح أن السلام المستدام في المنطقة لا يمكن تحقيقه إلا من خلال حل الدولتين مع ضمان أمن إسرائيل".
وتابع وود: "لا يوجد طريق آخر يضمن أمن إسرائيل ومستقبلها كدولة يهودية ديمقراطية".
وأضاف: "لقد طالبنا السلطة الفلسطينية منذ فترة طويلة بإجراء الإصلاحات اللازمة للمساعدة في خلق ملامح التحضير لتشكيل الحكومة، مشيرا إلى أن حماس، وهي منظمة إرهابية، موجودة حاليا في غزة، هي جزء لا يتجزأ من الحكومة المنصوص عليها في هذا القرار والتي تمارس السلطة والنفوذ".
ومن خلال هذه المواقف الرسمية للحكومة الأمريكية، فمن الواضح أنه بغض النظر عن صدق الوعد بدعم حل الدولتين، فإن ما تطرحه واشنطن كدولة فلسطينية لا يتوافق بأي حال من الأحوال مع خصائص الدولة المستقلة ذات السيادة، سيادة مقبولة دوليا وعضو في الأمم المتحدة ولا يضاهي درجات الأعضاء الآخرين.
وفي الواقع، إذا أصبحت فلسطين عضواً في الأمم المتحدة كدولة مستقلة ذات سيادة على أراضيها، فإن الكيان الصهيوني، بالإضافة إلى مواجهة قيود خطيرة على استمرار اعتداءاته على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، على مدى السنوات الماضية والاحتلال الحالي، بما في ذلك المستوطنات غير القانونية التي تتم ضد قرارات الأمم المتحدة، فضلاً عن الجرائم التاريخية والإبادة الجماعية المرتكبة ضد المدنيين، يمكن أن يتعرض لضغوط دولية من الحكومة الفلسطينية.