الوقت - بعد مرور ثلاثة أيام على الهجوم الصاروخي التاريخي الذي شنه الحرس الثوري الإيراني في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما زالت هذه القضية تتصدر وسائل الإعلام الإقليمية والدولية، ووفقاً لاحتمالات رد الفعل المضاد من جانب الکيان الصهيوني، يواصل المحللون تقصّي أبعاد وزوايا هذا الإجراء التاريخي.
وفي هذا الصدد، أجری موقع "الوقت" التحليلي حواراً مع السيد "علي رضا تقوي نيا" الخبير في قضايا غرب آسيا، للوقوف على تأثيرات واحتمالات عملية "الوعد الصادق" ميدانياً وعسكرياً.
قوة الردع الإسرائيلية تآكلت لدی الرأي العام
اعتبر تقوي نيا أن أهم جوانب فشل الکيان الإسرائيلي في عملية "الوعد الصادق"، هو فقدان قدرة الردع لهذا الکيان لدی الرأي العام، وقال: زعمت "إسرائيل" أن لديها قوةً تجعل الآخرين لا يجرؤون على غزوها، لكن إيران هاجمت بشكل مباشر نظاماً يملك أسلحةً نوويةً، وهذا يدل على أن الکيان الصهيوني لم يتمكن من توفير الأمن للمستوطنين بكل قوته العسكرية وأسلحته النووية.
ويعطي مواطنو الاحتلال إمكانية حدوث ذلك مرةً أخرى، ويعتقدون أنه لن يكون لهم ولأطفالهم مستقبل في هذه الأرض، ويجب أن يعودوا من حيث أتوا.
تغيير معادلة ميزان الرعب لمصلحة إيران
كما تحدث تقوي نيا عن تداعيات عملية "الوعد الصادق" على التوازن الأمني والأمن الإقليمي، وقال: لقد نشأت في ذهن الكيان الصهيوني فكرة خاطئة، مفادها بأنه يستطيع مهاجمة أي مكان دون أن يدرك عواقب تصرفاته، على سبيل المثال، في العقود الماضية، هاجم محطة الطاقة النووية العراقية عام 1981، والمنشآت النووية السورية، وأهدافًا في السودان وتونس.
في الواقع، كان لدى الکيان الصهيوني هامش آمن لمهاجمة الدول الأخرى، لكن رد الفعل الإيراني كان سريعاً وحازماً وحاسماً، لدرجة أنه أيقظ "إسرائيل" من سباتها فأدركت أنها قد تعتدي على دول أخرى في المنطقة ولا يتم الرد عليها، لكن القصة مختلفة في حالة إيران، ولا ينبغي لها أن تخطئ في هذا الأمر، وبصفعة واحدة، أدرك هذا الکيان أنه لا يستطيع أن يتصرف كما يريد.
وأوضح هذا الخبير في قضايا غرب آسيا: کما أدرك الکيان الصهيوني أن أي هجوم من الآن فصاعداً ضد مستشارين إيرانيين في دولة ثالثة، سيتم الرد عليه بشكل مباشر وسيتم استهداف الأمن القومي للكيان الصهيوني، ويجب على هذا الکيان أن يراجع بشكل جذري تصرفاته تجاه الجمهورية الإسلامية، وألا يعتقد أنه يمکن أن يهاجم أهدافًا في أي مكان وزمان ولا ينتظر رد الفعل.
وأعتقد أن هذه العملية أدت إلى زيادة كبيرة في ميزان الرعب لمصلحة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لأن إيران أظهرت أسلحتها وقدراتها الهجومية، وأعطت مصداقية لتهديداتها، بمعنى أن إيران كانت تهدد ولم تكن في وضع يسمح لها بتنفيذه، لكن بعد هذا فإن تهديدات إيران لها مصداقية، والعالم يعرف أن إيران هاجمت أيضاً وردت على "إسرائيل" التي تمتلك السلاح النووي.
إنهاء الدعاية السامة ضد إيران في العالم العربي
رداً على سؤال حول ما هو تأثير عملية "الوعد الصادق" على الرأي العام في الوطن العربي، قال تقوي نيا: أدى الهجوم الأخير الذي شنته إيران، إلى تحسين مكانة الجمهورية الإسلامية بشكل كبير في الرأي العام في العالم الغربي، لأن دعايةً مسمومةً للغاية کانت تتم بأن إيران ليست في الحقيقة عدواً لـ "إسرائيل"، وبدلاً من التعبير عن عداوتها للکيان الإسرائيلي، فإنها تنوي المضي قدماً في خططها للتوسع الشيعي، وتوجيه سکان المنطقة نحو المذهب الشيعي، ومثل هذه الآراء الضعيفة لا أساس لها من الصحة.
أما بعد طوفان الأقصى، فقد كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية إحدى الحكومات القليلة التي دعمت بشكل جدي وعملي فصائل المقاومة الفلسطينية.
وأشار إلى أن العملية الصاروخية الأخيرة للحرس الثوري الإيراني، أكدت استراتيجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتدمير الکيان الصهيوني، وأضاف: لقد شهد الرأي العام العربي أن إيران جادة في عدائها لـ "إسرائيل"، وأن أداء إيران الأخير تجاوز الشعار، ورأوا أن إيران تمتلك أسلحةً متقدمةً، ونفذوا بجدية نيتهم لمعاقبة الصهاينة.
وهذا الموقف رفع من ثقل ومكانة إيران وزاد من شعبيتها، وبالمناسبة، أوضح مکانة الزعماء العرب الذين صمتوا أمام جرائم الصهاينة، وتجاهلوا تدنيس المسجد الأقصى.
وأضاف الخبير في القضايا الإقليمية أيضًا: بعد دعم الأردن الأخير للكيان الصهيوني، لاحظت في رد فعل الرأي العام والمستخدمين العرب للفضاء الافتراضي أن ملك الأردن تعرض لانتقاد قوي، وشكروا إيران، وأعتقد أن هذه العملية الصاروخية، بالإضافة إلى الردع الذي جلبته للجمهورية الإسلامية، حسّنت بشكل كبير موقف إيران في العالم العربي من حيث الدبلوماسية العامة.
وقال تقوي نيا: في جلسة مجلس الأمن، شهدتم أن قوتين تتمتعان بحق النقض دافعتا عن موقف إيران، وهذه مسألة مهمة جداً، وفي الواقع يمكن القول إن هذا يشير إلى أن العالم يتجه نحو الاستقطاب، ويمكننا أن نقول بوضوح إن جبهةً جديدةً قد تشكلت أمام الغرب.
تتكون هذه الجبهة الجديدة من ثلاث قوى: إيران والصين وروسيا، إنهم يتطلعون إلى تحدي هيمنة الغرب، وتدمير النظام الذي أسّسه الغرب بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، وأعتقد أن دبلوماسية جمهورية إيران الإسلامية كان لها تأثير إيجابي للغاية في مجلس الأمن، وفي آراء الدول.
رسالة الغرب ذات المغزى إلى الکيان الإسرائيلي
في إشارة إلى تعرض المصالح الغربية للخطر في حال نشوب حرب في المنطقة، قال تقوي نيا: من المؤكد أن الغرب لا يريد صراعاً واسع النطاق مع إيران لعدة أسباب، لأن أي صراع على أي نطاق مع إيران، سيعني الحرمان المطلق من الوصول إلى النفط في الخليج الفارسي، وهذا ليس شعاراً، بل أظهرت إيران في عملية احتجاز السفينة الصهيونية أنها ستغلق مضيق هرمز في أي لحظة.
وعلى الغربيين أن يتعلموا الدروس من أحداث باب المندب، فأمريكا غير قادرة على فتح باب المندب أمام السفن الإسرائيلية، بل وتوفير الأمن هناك بعد عدة أشهر، فهل تملك القدرة على الدخول في حرب واسعة النطاق مع إيران، وتكون قادرةً على ضمان أمن صادرات النفط العالمية؟
ولا بد من القول إن دول المنطقة والغرب لا تريد صراعاً واسع النطاق بين إيران والكيان الصهيوني، وستجبر "إسرائيل" بالتأكيد على ممارسة ضبط النفس، لأنهم يعلمون أن أي صراع في المنطقة، قد تكون له عواقب لا يمكن إصلاحها على المعادلات الإقليمية وتبادلات الطاقة.
وبالنظر إلى الحرب التي يخوضونها في أوكرانيا، وفي حين أن إمدادات الطاقة من روسيا محدودة، فمن غير المرجح أن يقدّم الغربيون دعماً عملياً وعلنياً للکيان الصهيوني في أي حرب كبيرة.