الوقت - منذ بداية حرب غزة في الـ 7 من تشرين الأول/أكتوبر، حشد الکيان الصهيوني قواته الاحتياطية البالغ عددها 350 ألف جندي لتحقيق أهدافه المعلنة، وأهمها القضاء على حركة حماس وإقامة ترتيبات أمنية جديدة في قطاع غزة، ولكن بسبب عدم امتلاکها خبرةً كافيةً في الحرب، فإن تجنيد هذا العدد من القوات قد فرض تكاليف باهظة على هذا الکيان، بدلاً من إزالة العبء عن كاهل الصهاينة، وسوف يستغرق الخروج من تحت أنقاض هذه التکاليف عقودًا.
وعلى عكس المسؤولين في تل أبيب، الذين اعتقدوا أنه بمساعدة قوات الاحتياط يمكنهم القضاء على التهديدات القادمة من غزة وضمان أمن المستوطنين، لكن بعض الجنرالات الصهاينة حذروا قبل الهجوم البري على غزة، من أن العمليات البرية ستكون بمثابة الجحيم بالنسبة لقوات الاحتياط التي لم تتلق التدريب الكافي.
إن قلة خبرة قوات الاحتياط، التي لم تتدرب على حرب العصابات وحرب المدن، وأيضاً بسبب افتقارها إلى الحافز وانخفاض الروح المعنوية، تكبدت هذه القوات خسائر فادحة أمام مجموعات المقاومة.
ورغم أن حكومة نتنياهو أعلنت أن عدد القتلى يبلغ نحو 600 شخص مع الرقابة الإخبارية، إلا أن وسائل الإعلام العبرية أعلنت أن عدد الضحايا لا يقل عن 1500 قتيل وأكثر من 5000 جريح، منهم 2000 شخص يعانون من إعاقات شديدة، ومعظم هؤلاء الجنود هم من قوات الاحتياط.
جنود الاحتياط الذين أجبروا على الذهاب إلى غزة، عصوا أوامر قادتهم وفرّ الآلاف منهم من ساحات القتال، أو تم إرسالهم إلى إجازة قسرية، وأظهرت اعترافات جنود الاحتياط أنهم خائفون للغاية من مواجهة المقاتلين الفلسطينيين، وغير مستعدين للعودة إلى غزة مرةً أخرى.
وتنتقد قوات الاحتياط القيادة وسلطات الجيش الإسرائيلي بشدة، وترى أن قوات الاحتياط يتم التعامل معها وكأنها غير موجودة على الإطلاق، وتشعر هذه القوات أن الحكومة تستخدمها "كوقود للمدافع" للحفاظ على الجسم الرئيسي للجيش، وهي غاضبة للغاية من ذلك.
وحسب صحيفة هآرتس، فإن "هناك أجواء محبطة في هيئة الأركان العامة المشتركة للجيش الإسرائيلي، ويدرك رئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي وغيره من الجنرالات، حجم الضرر المتزايد الذي لحق بقدرة الوحدات وقادة العمليات العسكرية والضغط على قوات الاحتياط. لكنهم لن ينشروا أبدا التفاصيل الكاملة لعدد القوات التي تمردت، بحجة أنهم لا يريدون أن يستغل أعداء إسرائيل هذه المعلومات".
ومن ناحية أخرى، فإن الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي يعاني منها الکيان الإسرائيلي نتيجة حرب غزة، أثرت بشكل مباشر على وضع قوات الاحتياط الذين اضطروا إلى ترك وظائفهم، کما أدت الخسائر الناجمة عن غياب مئات الآلاف من جنود الاحتياط عن أماكن العمل إلى انخفاض بعض الإنتاجات بنسبة 50%.
وحسب صحيفة "ماركر"، فإنه منذ الـ 7 من تشرين الأول/أكتوبر يتم إنفاق نحو 20 مليار شيكل، أي 2 مليار دولار، كل أسبوع على قوات الاحتياط في الجيش، وفي الوضع الحرج الحالي لهذا الکيان بعد حرب غزة، فقد خلق ذلك العديد من التحديات المالية والاقتصادية للإسرائيليين، ويشهد اقتصاد الکيان الصهيوني الآن واحدةً من أسوأ فتراته، ومع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 10%، فقد أكثر من 750 ألف شخص وظائفهم في الأشهر الستة الماضية.
اليد العليا لحماس
كان الصهاينة قد استهانوا بقوة حماس، لكن كتائب القسام دمرت مئات الدبابات وناقلات الجند الصهيونية، باستخدام التكتيكات العسكرية وأساليب التمويه والكمائن، وكانت العمليات الفردية والجماعية، وكذلك عمليات الاستطلاع والحصول على معلومات من العدو لتنفيذ العمليات، أكبر من مبادرات حماس الأخرى في الحرب الأخيرة.
إن استخدام أسلوب الخداع، وجرّ القوات الصهيونية إلى الأنفاق والمباني التي أخلتها حماس وقتل جنود الکيان بهدف خلق البلبلة والحيرة بين جنود العدو، كان من حيل القسام في حرب غزة، وقد تم توثيق الصور والفيديوهات الخاصة بهذه العمليات، والتي تظهر أن المقاومين تمكنوا من تنفيذ هذه الهجمات بهدوء تام.
وفي شمال غزة، حيث زعم الصهاينة أنهم سيطروا عليها بالكامل ودمروا العديد من البنى التحتية لحماس، خرجت قوات المقاومة مراراً وتكراراً من الأنفاق تحت أقدام المحتلين وتمكنت من مفاجأتهم، لدرجة أن وسائل الإعلام الصهيونية اعترفت، خلافاً لادعاء تل أبيب، بأن حركة حماس لا تزال تسيطر على نصف شمال قطاع غزة، وإطلاق الصواريخ باتجاه الأراضي المحتلة يؤكد ذلك.
كما أكدت أجهزة المخابرات الأمريكية أن "إسرائيل" اكتشفت 20% فقط من الأنفاق في غزة و80% منها في أيدي حركة حماس، التي تمتلك ترسانة أسلحة قوية وتستطيع مقاومة الجيش الصهيوني لأشهر.
لقد فشل الجيش الصهيوني المدجج بالتكنولوجيا في اكتشاف مكان اختباء الأسرى الصهاينة، وخسر بذلك عدداً من كبار الضباط والقادة النخبة، واضطر إلى الانسحاب من قطاع غزة.