الوقت - قبل حرب غزة وانهيار المصداقية العسكرية والأمنية والاستخباراتية والسياسية الكاذبة للکيان الصهيوني بعد هزيمته أمام طوفان الأقصى ومجاهدي حماس، كان بنيامين "بيبي" نتنياهو، رئيس وزراء الکيان الصهيوني، يُعرف دائمًا باسم "سيد الاقتصاد" و"سيد الأمن".
ولكن قبل بدء حرب غزة، بسبب السياسات والقرارات المتطرفة التي اتخذتها حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، لممارسة نفوذها على البنية القضائية في الأراضي المحتلة تحت عنوان الإصلاحات القضائية، ومن أجل تجنب محاكمة نتنياهو أمام النظام القضائي بتهم الفساد وغسل الأموال والفساد الأخلاقي وجرائم عديدة، كانت الظروف الداخلية للكيان الصهيوني تتعامل مع أزمة اجتماعية، وأصبحت كل المدن الإسرائيلية ساحةً لاحتجاجات حاشدة ضد نتنياهو وحكومته العنصرية، ولم تساعد هزيمته في حرب غزة على إنقاذ مصداقيته.
ووفقاً لخبير مجلة فورين بوليسي ديفيد روزنبرغ، فإن سمعة نتنياهو كـ "سيد الأمن" هي واحدة من أولى ضحايا الحرب، ومن المتوقع أن تؤدي الخلافات التي تتشكل داخل الأراضي المحتلة، إلى تدمير المجتمع الصهيوني من الداخل في السنوات المقبلة.
خلال فترة حكم نتنياهو كرئيس وزراء للكيان الصهيوني وأحد كبار مسؤولي هذا الکيان خلال الخمسة عشر عامًا الماضية، ومع مرور الوقت، عُرف الکيان الصهيوني باعتباره القوة العسكرية والسياسية والتكنولوجية الرائدة في العالم.
وكانت الصناعات التكنولوجية المتقدمة في الأراضي المحتلة، هي الداعم الرئيسي لنمو اقتصاد الکيان الإسرائيلي، وأدى هذا الموضوع إلى توسيع القدرات العسكرية والاستخباراتية للکيان.
ولكن كما كتب روزنبرغ في مقالته بعنوان "نتنياهو لم يفقد مصداقيته الأمنية فحسب"، مع النجاح المفاجئ الذي حقّقه مقاتلو كتائب القسام في هجومهم على الأراضي المحتلة، انهارت الهيمنة العسكرية والاستخباراتية للکيان الصهيوني، وبعد ذلك، بعد نشر العديد من التقارير حول تجاهل نتنياهو للمعلومات المتوافرة حول طوفان الأقصى، انهارت أيضاً مصداقيته لدى الصهاينة.
لكن رئيس وزراء الكيان الصهيوني اليميني المتطرف، بدلاً من الاعتراف بأخطائه، بدأ بإلقاء اللوم على الجيش الإسرائيلي، باعتباره المسؤول عن "أكبر فشل لإسرائيل في تاريخها" والتنصل من مسؤولياته، وأدى هذا الإجراء إلى زيادة الخلافات بين العسكريين والسياسيين المؤيدين والمعارضين لنتنياهو، منذ بداية حرب غزة.
ولكن كما قال ايهود باراك، رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبق؛ فإن نتنياهو، بصفته رئيس وزراء الکيان الصهيوني والمتهم الأول بجرائم الكيان في حرب غزة، لا يستطيع الهروب من الظروف التي خلقها، ووفقاً لاستطلاعات الرأي التي أجريت في الأيام الأولى من حرب غزة، فإن 21% فقط من الإسرائيليين يريدون بقاء نتنياهو في السلطة بعد انتهاء الحرب.
ولكن الآن، بعد مرور ما يقرب من 6 أشهر منذ بدء حرب غزة، وعدم قدرة الکيان الصهيوني على تحقيق أهدافه المحددة سلفاً في الحرب، والآثار واسعة النطاق لدعوة نتنياهو للحرب على اقتصاد الکيان الصهيوني المنهار، عاد معارضو رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بالإضافة إلى عائلات الأسرى الإسرائيليين الذين أسرتهم حماس إلى شوارع تل أبيب أكثر غضباً من ذي قبل، وطالبوا بإقالة نتنياهو فوراً وإجراء انتخابات مبكرة في الأراضي المحتلة.
الاقتصاد المتدهور للکيان الإسرائيلي وعزلته المتزايدة؛ الأسباب الرئيسية لرغبة الصهاينة في الإطاحة بنتنياهو
حسب وسائل الإعلام الصهيونية، فإن اقتصاد الکيان الإسرائيلي يتعرض للتدمير، ووفقاً لتقديرات خبير صحيفة تايمز أوف إسرائيل الصهيونية في تشرين الثاني/نوفمبر، تم إنفاق 600 مليون دولار على نفقات الکيان الصهيوني في حرب غزة، ومنذ ذلك الحين مضى ما يقرب من 20 أسبوعاً.
في المقابل، وحسب تقارير نشرتها صحيفة فايننشال تايمز، انكمش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 19.4% في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2023، ومنذ بداية حرب غزة، ارتفعت نفقات حكومة الاحتلال بنسبة 88%، كما انخفضت كمية واردات "إسرائيل" بنسبة 42% وصادراتها بنسبة 18%.
لقد تم إنفاق كل هذه النفقات على حربٍ، حتى وفقاً لمسؤولين كبار مثل يائير لابيد، زعيم المعارضة في الکيان الصهيوني، فإن هذا الکيان قد خسرها ولا يستطيع إعادة رهائنه.
کذلك، تفاقمت الأزمة الاقتصادية في "إسرائيل" والهجرة العكسية من الأراضي المحتلة إلى درجة أنه بالإضافة إلى طرد نصف عمال ميناء إيلات، الميناء الوحيد للکيان الصهيوني في البحر الأحمر، يطالب رجال الأعمال الإسرائيليون الآن بعودة العمال الفلسطينيين إلى الأراضي المحتلة.
وحسب تقرير قناة العربية الإنجليزية، نقلته وكالة أسوشيتد برس، فإنه بعد بدء حرب غزة، تم طرد 120 ألف عامل فلسطيني من الأراضي المحتلة من قبل وزارة الدفاع في الکيان الصهيوني، والآن، بعد الأزمة الاجتماعية والاقتصادية غير المسبوقة في الأراضي المحتلة، يطالب رجال الأعمال والمديرون الصهاينة بعودة الفلسطينيين إلى الأراضي المحتلة.
وقال دان كاتاريفاس، رئيس نقابة العمال في تل أبيب، في بيانه الأخير: "اليوم، توقفت نصف صناعة البناء في "إسرائيل" عن العمل، لكن الأزمة الاجتماعية الحالية لا تقتصر على صناعة البناء والتشييد، كما أن العديد من الشركات الأساسية مثل الصناعات الغذائية والأدوية والصحة تغلق أبوابها أيضًا".
وأضاف: إن السبب الرئيسي لإغلاق الصناعات الأساسية في "إسرائيل"، هو خروج العمال المهرة من "إسرائيل" وعدم استبدال هؤلاء بالعمال الأجانب، وحسب كاتاريفاس، فإن الحل الأفضل لأزمة "إسرائيل" الحالية هو وقف الحرب، واستعادة الثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وعدم استخدام قوات أجنبية وإعادة القوات الفلسطينية إلى الأراضي المحتلة، لكنه أوضح: بالنظر إلى الدمار الذي خلفته الحرب، فإن التعايش بين الإسرائيليين والفلسطينيين مستحيل.
الصهاينة يفضلون أيضًا غانتس على نتنياهو
لكن تحريض نتنياهو على الحرب وجرائم الکيان الصهيوني، عزلت تل أبيب على الساحتين الدولية والمحلية لدرجة أن العديد من حلفاء الکيان الصهيوني المخلصين، دعوا علناً وسراً إلى استبدال نتنياهو من خلال دعوة أشخاص مثل بيني غانتس، المنافس القوي لنتنياهو لزيارة بلدانهم.
وحسب وكالة أكسيوس للأنباء، وفقاً لاستطلاعات الرأي التي أجرتها القنوات الإسرائيلية الرئيسية، فإن 70% من الإسرائيليين يريدون إجراء انتخابات مبكرة وإطاحة نتنياهو، وإذا أجريت انتخابات مبكرة، فإن غانتس سيهزم نتنياهو.
لكن نتنياهو، كما حدث أثناء مقاومته لمطلب الإسرائيليين بمنع إقرار خطة الإصلاح في البنية القضائية في الأراضي المحتلة، من خلال تجاهله المتكرر لطلب الإسرائيليين، طلب من حلفائه مثل الولايات المتحدة عدم التدخل في شؤون "إسرائيل" الداخلية.
نتنياهو وصل إلى طريق مسدود
من ناحية أخرى، رغم إصرار نتنياهو على البقاء على رأس السلطة، والكشف عن البنية السياسية للکيان الصهيوني باعتباره نظاماً دكتاتورياً وفصلاً عنصرياً، وانکشاف أكاذيب الغرب عن "إسرائيل" باعتبارها "الديمقراطية الوحيدة" في الشرق الأوسط، حسب محللة صحيفة معاريف فإن نتنياهو قد وصل إلى طريق مسدود.
حيث كتبت آنا براسكي، مراسلة ومحللة الشؤون السياسية في هذه الصحيفة العبرية، في تقرير لها: لقد وصل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى طريق مسدود تماماً، وليس أمامه إلا خيارات صعبة، وأي خطأ يرتكبه سيؤدي إلى انهيار الائتلاف وإجراء انتخابات مبكرة.
وفي جزء آخر من هذا التقرير يتم التأكيد على أن الخطر الحقيقي الذي يهدد بنيامين نتنياهو، ليس من غانتس أو حتى من خصومه، بل إن التهديد الرئيسي الذي يهدد بقاء نتنياهو هو سياساته الشخصية، وبن غفير وسموتريتش، الحليفين الرئيسيين لائتلافه، ونظراً للانقسامات المتزايدة داخل الليكود، وصعود قوة غانتس، فقد بدأ العد التنازلي لانهيار الائتلاف وإجراء انتخابات مبكرة.
الكراهية العامة للإسرائيليين
في المقال الأخير للتايمز أوف إسرائيل، تمت الإشارة إلی الكراهية المتزايدة للإسرائيليين من قبل المجتمع الدولي.
وكتبت هذه الصحيفة الصهيونية في تقريرها: كلما طال أمد الحرب (في غزة)، كلما زادت كراهية المجتمع الدولي للإسرائيليين، واعتبر الجميع "إسرائيل" مسؤولةً عن قتل المدنيين الفلسطينيين.
ووفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة غالوب مؤخراً، وصل حجم الدعم لـ "إسرائيل" بين المواطنين الأمريكيين إلى أدنى مستوى له وهو 40%، والأهم من ذلك، أن 42% قالوا إنهم يتعاطفون مع فلسطين.
الکيان الصهيوني ونتنياهو وضع خاسر – خاسر
بالنظر إلى استمرار الاحتجاجات الصهيونية ضد نتنياهو، وتزايد مطالبة سكان الأراضي المحتلة بإزالته بسبب الهزيمة في حرب غزة، والفشل في إطلاق سراح الأسرى الصهاينة، وتجاهل إرادة الإسرائيليين من قبل نتنياهو، وتزايد عزلة تل أبيب على الساحة الدولية، وفرض حظر الأسلحة على الکيان الصهيوني من قبل حلفائه، والضرر الذي لا يمكن إصلاحه الذي سببته الحرب على اقتصاد وسمعة الکيان الصهيوني حتى لو حدثت معجزة وانتهت الحرب، خسر بنيامين نتنياهو و"إسرائيل" الحرب مهما کانت نتائجها.
لكن حتى في مثل هذا الوضع، فإن رئيس وزراء الكيان الصهيوني ما زال مصراً على مواقفه في تصريحاته الأخيرة، وقال: إذا أوقفنا الحرب الآن قبل أن تتحقق جميع أهدافها، فهذا يعني أن إسرائيل خسرت الحرب، ولن نسمح بحدوث ذلك، وأضاف أيضاً: هناك ضغوط دولية لوقف الحرب من خلال إجراء الانتخابات، لكننا لن نستسلم لهذه الضغوط.
السبب الوحيد لإصرار نتنياهو على مواصلة حرب غزة، هو البقاء في السلطة وتعزيز أهدافه العنصرية والمتطرفة المتمثلة في الإبادة الجماعية للفلسطينيين، لأنه يعلم أنه إذا توقفت الحرب في غزة، فلن يكون له أي عذر لمنع إجراء انتخابات مبكرة.
وفي حال إجراء مثل هذه الانتخابات، فسيتم عزل نتنياهو من منصبه وسيحاكم أمام المحاكم الدولية على جرائمه في حرب غزة، وداخل الأراضي المحتلة كسبب لهزيمة الکيان الإسرائيلي في حرب غزة، حسب الصهاينة، ولن يعود إلى السياسة أبدًا.
حالياً رئيس وزراء الکيان الصهيوني، مثل الشخص الذي ليس لديه ما يخسره، لن يدخر أي جهد، حتى التدمير الكامل للکيان الصهيوني من الداخل، من أجل البقاء في السلطة. لأن نتنياهو يعرف أيضاً أنه في وضع خاسر-خاسر، ولا سبيل أمامه للخلاص إلا مواجهة عواقب جرائمه.
وهکذا، فإن بنيامين "بيبي" نتنياهو، سيد الأمن ومنقذ الکيان الصهيوني، أصبح جزار الإسرائيليين، وبسبب إصرار نتنياهو على مواصلة حرب غزة بأي ثمن، فإن الصهاينة في وضع مماثل له.
وحتى لو انتهت الحرب في غزة، بسبب الثمن الاقتصادي والسياسي الباهظ الذي دفع في هذه الحرب، فإن الکيان الصهيوني والصهاينة قد خسروا الحرب ومستقبلهم.