الوقت - سافر الإثنين الماضي، المبعوث الأمريكي المثير للجدل عاموس هوكشتاين، والذي سبق له أن لعب دور ما يسمى "الوسيط" في ترسيم الحدود البحرية للبنان وفلسطين المحتلة، إلى بيروت للمرة الثالثة منذ بداية حرب غزة، في إطار جهود بلاده لتهدئة الجبهة الجنوبية في لبنان، وضمان أمن الصهاينة في شمال فلسطين المحتلة.
مساعٍ أمريكية للحصول على ضمانات من لبنان للکيان الإسرائيلي
من الواضح أن زيارة هوكشتاين لا يمكن فصلها عن المفاوضات التي جرت مؤخراً في باريس والدوحة والقاهرة، من أجل وقف إطلاق النار في غزة، ويحاول الأمريكيون إعداد مشروع اتفاق لوقف إطلاق النار على حدود لبنان وفلسطين المحتلة، قبل الموافقة على وقف إطلاق النار في غزة.
ومن اللقاءات التي أجراها هوكشتاين مع السلطات اللبنانية، يمكن أن نفهم أنه جاء إلى بيروت للحصول على ضمانات من لبنان للکيان الإسرائيلي، وبالطبع كان هذا الأمر متوقعاً تماماً، وكل الرحلات التي قامت بها الوفود الأمريكية والغربية إلى لبنان منذ بداية حرب غزة، كانت متوافقةً مع هذا الهدف.
لكن حسب ما تقول مصادر لبنانية، فإن أهم ما جلبه هوكشتاين إلى بيروت خلف الكواليس هذه المرة، هو البيان المكتوب الذي قدّمه من مبنى البرلمان اللبناني، والذي تضمن تهديداً واضحاً.
وتجدر الإشارة إلى أن زيارة هوكشتاين إلى لبنان، تزامنت مع تصاعد التوتر على حدود لبنان وفلسطين المحتلة، ومحاولة لواء جولاني التابع لجيش الاحتلال التسلل إلى الأراضي اللبنانية، وهو ما أحبطه حزب الله بالفخاخ المتفجرة والمدافع.
وفي وقت سابق، زعم الأمريكيون أنه إذا فشلت الجهود الدبلوماسية لسحب حزب الله من الحدود، فإن الکيان الإسرائيلي سيشن هجوماً برياً على لبنان، وبالطبع، نفى لبنان بشكل عام كل الأخبار والادعاءات بهذا الخصوص.
وأفادت صحيفة الأخبار نقلاً عن مصادر مطلعة، بأن هوكشتاين يسعى على المستوى الشخصي إلى صياغة اتفاق على غرار اتفاق ترسيم الحدود البحرية للبنان وفلسطين المحتلة، والذي لعب دوره سابقاً ما يسمى "الوسيط" في هذه الاتفاقية.
والحقيقة أن جزءاً من رسالة زيارة هوكشتاين الجديدة إلى بيروت، هو أنه يريد القول إنه لا دور للأطراف الأخرى، بما فيها فرنسا، في اتفاق محتمل لتهدئة حدود لبنان وفلسطين المحتلة.
خطة واشنطن التآمرية لجنوب لبنان
حسب هذه المصادر، فإن هوكشتاين لا يزال يعمل على إعداد ورقة، تتضمن أفكاراً للترتيبات الأمنية على جانبي الحدود بموجب القرار 1701؛ بما يضمن الانتشار الواسع لقوات الجيش اللبناني على الحدود إلى جانب قوات اليونيفيل (ما تسمى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة المتمركزة في لبنان)، وإنهاء أي وجود عسكري لحزب الله في المنطقة الحدودية، وفي المقابل يجب على الجيش الإسرائيلي الانسحاب من النقاط البرية في المنطقة المتنازع عليها.
وبناءً علی هذا التقرير، ترافقت أفكار هوكشتاين في هذا المجال مع تقديم برنامج دعم اقتصادي لمناطق الجنوب اللبناني، وتعهد باستئناف الشركات العالمية التنقيب عن النفط والغاز في لبنان.
وحسب بعض من التقاهم هوكشتاين، فإن هذا المبعوث الأمريكي لم يحمل أي جديد من الجانب الصهيوني، وتحدث عن النقاط الإيجابية والسلبية لمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، وأكد على وجوب منع اتساع نطاق الحرب بين لبنان والکيان الإسرائيلي.
وقال المبعوث الأمريكي المثير للجدل في لقاء مع مسؤولين لبنانيين: "نريد التوصل إلى آلية بأي ثمن لمنع تحول الأمور إلى مواجهة كبيرة على الجبهة اللبنانية؛ لأنه إذا حدثت هذه الحرب لاحقًا، فلن يتمكن أحد من السيطرة عليها"، وأضاف: "لدي أفكار ستمكن من التوصل إلى اتفاق أمني يخلق حالةً من الطمأنينة على جانبي الحدود، بحيث تكون لبنان وإسرائيل راضيتين".
الرسالة التهديدية للمبعوث الأمريكي إلى بيروت
هناك تحليلات وتفسيرات متناقضة حول نوايا هوكشتاين وأهدافه في جنوب لبنان، ويعتقد البعض أن هوكشتاين كان يعني أن وقف إطلاق النار في غزة، لا يعني بالضرورة وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، وأنه إذا اندلعت حرب على حدود لبنان وفلسطين المحتلة، فلن يتمكن أحد، حتى الولايات المتحدة، من إيقافها، والحقيقة أن هذا المبعوث الأمريكي وجّه تهديداً ضمنياً للبنان.
ونقلت مصادر مطلعة على أجواء لقاء هوكشتاين مع المسؤولين اللبنانيين، قوله إن "إسرائيل" تواصل إثارة التوتر، وترى أن عودة سكان المناطق الشمالية من فلسطين المحتلة غير ممكنة دون عملية عسكرية واسعة النطاق في لبنان، لكن أمريكا تريد منع هذه العملية، وتحاول التوصل إلى حل سياسي وفق القرار 1701.
وحسب المصادر المذكورة، فإن الجانب اللبناني أبلغ هوكشتاين أيضاً بأن لبنان ملتزم بالقرار 1701، وعلى أمريكا الضغط على "إسرائيل" للالتزام بهذا القرار.
بدأ المبعوث الأمريكي رحلته إلى بيروت بلقاء "نبيه بري" رئيس مجلس النواب اللبناني، وركّز في محادثاته على ضرورة منع تصاعد التوترات وجهود عودة اللاجئين من الجانبين (جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة).
إلا أن هوكشتاين لم يحمل أي التزام من الکيان الإسرائيلي فيما يتعلق بوقف إطلاق النار في جنوب لبنان، ولم يذكر أنه بعد وقف إطلاق النار في غزة، سيتم وقف إطلاق النار أيضًا على حدود لبنان وفلسطين المحتلة.
وفي الواقع، كان هوكشتاين يسعى للحصول على ضمانات من لبنان بأنه سواء تم وقف إطلاق النار عاجلاً أم آجلاً، فإن حزب الله يجب أن يوقف عملياته ضد الکيان الإسرائيلي.
كما يسعى للحصول أولاً على رد إيجابي من لبنان للتوصل إلى اتفاق لوقف العمليات العسكرية وعرضه على "إسرائيل"، وبعد ذلك يبدأ الحديث عن الترتيبات المتعلقة بانتشار الجيش اللبناني واليونيفيل والوضع العسكري لحزب الله في المناطق الحدودية، والتوصل إلى حل شامل.
واللافت أنه رغم كل ذلك، لا يوجد ضمان لالتزام الکيان الإسرائيلي بما يثيره هوكشتاين بشأن الاتفاق المذكور، ولا بد من الإشارة هنا إلى كلام المبعوث الأمريكي في مبنى البرلمان اللبناني، الذي قال: أي وقف لإطلاق النار في غزة، لا يعني بالضرورة وقفاً تلقائياً لإطلاق النار في جنوب لبنان، ولذلك، علينا أن نعمل على إيجاد حل للوصول إلى حل في كل من غزة ولبنان، إن تصعيد الوضع خطير للغاية ولا يوجد ما تسمى حرباً محدودة، وإذا اندلعت حرب عبر الحدود الجنوبية للبنان، فلن يكون من الممكن وقفها.
وأعلن هذا المبعوث الأمريكي المثير للجدل في بيان مكتوب: ينبغي دعم الحلول الدبلوماسية لإنهاء تصاعد التوترات الحدودية، حتى يتمكن اللبنانيون في الجنوب من العودة إلى ديارهم، والأمر نفسه ينطبق على الإسرائيليين في المنطقة الشمالية (فلسطين المحتلة).