الوقت - لقد مر أكثر من 5 سنوات على تدمير الخلافة الجهنمية لتنظيم "داعش"، إلا أن الكثير من المعاناة والمشاكل منذ ذلك الوقت لا يزال تعاني منه سوريا والعراق؛ وأحدها هو قضية "زوجات داعش" التي أصبحت الآن أزمةً في سوريا والعراق.
مع انهيار إمبراطورية "داعش" العنيفة، قُتل معظم مقاتلي هذه المجموعة أو أُسروا أو فروا، لكن عائلات "داعش"، ومن بينها عدد كبير من النساء والأطفال المنتمين إلى مسلحي هذه الجماعة التكفيرية، باتت تحت السيطرة والرعاية في معسكرات خاصة في وضع غير مؤكد، وأشهرها وأكثرها اكتظاظاً بالسكان هو مخيم الهول في محافظة دير الزور السورية.
في السنوات والأشهر الأخيرة، تم تقرير مصير مواطني سوريا والعراق وإجلاؤهم من المخيمات، إلا أن عدداً كبيراً من مواطني الدول الأخرى ما زالوا في مخيم الهول، لأن الدول الأصلية لهؤلاء النساء ترفض استقبالهن.
بريطانيا وأستراليا وبلجيكا وألمانيا وهولندا، من الدول الأوروبية التي تسحب جنسية هؤلاء النساء، وترفض قبولهن رغم الطلبات المتكررة، ومؤخراً، سلطت قصة إسقاط جنسية امرأة داعشية بريطانية الجنسية، الضوء على قصة هؤلاء النساء من جديد.
شميم بيغوم الملقبة بـ "عروس داعش"، وهي امرأة بنغلادشية من أصل بريطاني وتتواجد حالياً في معسكر بسوريا، حُكم عليها مرةً أخرى الأسبوع الماضي في محكمة الاستئناف البريطانية بإلغاء جنسيتها، وعدم قدرتها على العودة إلى هذا البلد.
كانت شميم بيغوم تبلغ من العمر 15 عامًا فقط عندما فرت من لندن مع فتاتين أخريين في فبراير 2015، للذهاب إلى سوريا عبر تركيا والانضمام إلى "داعش".
التقت شميم بأعضاء "داعش" من خلال أحد التطبيقات، وتزوجت أحد أعضاء "داعش" في سوريا، بيغوم آسفة الآن وتقول إنها خُدعت، ورفضت محكمة لندن، الجمعة 23 فبراير/شباط الماضي، الاستئناف الذي قدمته الشابة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
إن العشرات من زوجات "داعش" المحتجزات في معسكرين بسوريا، واللاتي يعتبرن ظروفهن لا تطاق حتى بالنسبة لـ"الحيوانات"، في عملية مماثلة، يطالبن الحكومات الغربية بالعودة إلى بلدانهن؛ وهو الطلب الذي رفضته وتجاهلته الحكومات الغربية.
وذكرت قناة "سكاي نيوز" الإنجليزية في تقرير لها بعنوان "عرائس داعش"، أن عشرات النساء من دول أجنبية ما زلن في مخيمات "الهول" و"الروج" شمالي سوريا، و تم إنشاء هذين المخيمين تحت إشراف قوات سوريا الديمقراطية، لإيواء عشرات الآلاف من النساء وأطفالهن المتزوجات أو المنتسبات إلى "داعش".
وقد أصرت العديد من هؤلاء النساء على أنهن وأطفالهن يعاقَبون على خطايا أزواجهن، وتزعم الكثيرات أيضاً أنهن تعرضن للاعتداء الجنسي أو للخداع للذهاب إلى سوريا، وفي بعض الحالات تم الاتجار بهن.
وتقول سكاي نيوز إن من بين النساء الأجنبيات أيضاً مواطنات دول غربية يتواجدن غالباً مع أطفالهن في مخيم "الروج"، حيث يعيشون ظروفاً صعبةً للغاية ودون كهرباء طوال الشهر الماضي.
وقالت أم أسترالية لثلاثة أطفال لا تزال تستكمل الإجراءات القانونية للعودة إلى وطنها، اشترطت عدم الكشف عن هويتها: "نحن بشر ولسنا حيوانات".
وتتابع هذه المرأة: "حتى الحيوان لا يستطيع تحمل هذه الظروف، لقد كاد ابني أن يموت العام الماضي، وحكومتي على علم بذلك، ليس الأطفال فقط، بل معظم النساء هنا يعاقَبن بسبب قرارات اتخذت نيابةً عنهن، قرارات لم نتخذها بأنفسنا، وعلى الرغم من تواصلنا المستمر مع حكومتنا، إلا أن الحكومة ترفض قبول كونهم مواطنيها، وما زالوا محاصرين في المخيمات".
وروت امرأة بريطانية من ليدز كيف أقنعها زوجها، وهو من برمنغهام، بالذهاب إلى سوريا، لكنه قُتل هناك.
هذه المرأة تتوسل وتقول: "دعوني أعود، عائلتي وأمي وأبي وإخوتي يعيشون في إنجلترا، وأريد العودة والمحاكمة هناك، لقد كنت هنا لمدة خمس سنوات، أنا متعبة جداً ومريضة".
وقال خبراء الأمم المتحدة في تقرير لهم العام الماضي، إن الاعتقال الجماعي للأطفال في شمال شرق سوريا بسبب ما قد يفعله آباؤهم، يعدّ انتهاكاً واضحاً لاتفاقية حقوق الطفل، التي تحظر أي تمييز ومعاقبة الأطفال على أساس وضع والديهم أو أنشطتهم أو آرائهم أو معتقداتهم".
زكية كاجار هي امرأة أخرى تعيش في ألمانيا منذ 29 عاماً، وتعمل هناك وأنجبت طفلين هناك، تقول إن زوجها خانها وأرسلها إلى الرقة في سوريا، وأوضحت أنها أجبرت على الزواج من رجل آخر لا تعرفه ولا تحبه، وأنجبت طفلين آخرين، وأكدت أن ابنتها الصغيرة التي تبلغ من العمر خمس سنوات، لا تعرف الحياة خارج أسوار المخيم.
وعلى الرغم من أن هؤلاء النساء يشعرن بالخداع ويعبرن عن أسفهن، إلا أن فكرة اعتبارهن تهديدًا أمنيًا لا تزال شائعةً في الحكومات الأوروبية، على سبيل المثال، أفاد تقرير سابق لمنظمة "غلوبسك" غير الحكومية، ومقرها سلوفاكيا، بأن نساء "داعش" يشكلن تهديداً خطيراً، ومستعدات لتنفيذ هجمات في أي وقت.
وفي الوقت نفسه، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة والحكومتين السورية والعراقية، إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة، فإن مخيم الهول والمخيمات المماثلة الأخرى ستكون بمثابة أرض خصبة لمقاتلي "داعش" في المستقبل، ويمكن أن تصبح تهديداً أمنياً خطيراً ضد استقرار هذه الدول والمنطقة.
وعلى الرغم من أن "زوجات داعش" ما زلن يعتبرن مواطنات في الدول الأوروبية، إلا أن سياسيي ومسؤولي هذه الدول ما زالوا يصنفونهن كإرهابيات، ويتجنبون أي ضمان لحقوق الإنسان والمواطنة لهؤلاء النساء وأطفالهن.
وتعتقد الدول الأوروبية، بناءً على تاريخ وجود هؤلاء النساء في "داعش"، أن أي اتصال بين الحكومة وهؤلاء الأشخاص قد انقطع، وتجاهلت هذه السلطات الحق في الحياة، ورفضت دعم حظر تعذيبهن إلى حد أنها لا تعترف بحقوق أطفالهن الصغار.
إن سلطات الدول الأوروبية لا تقدر إنسانية هؤلاء النساء فحسب، بل إنها تسمح، بهذا السلوك، بأي معاملة وحشية وغير إنسانية لهؤلاء النساء المخدوعات.