الوقت - في تقرير نشره موقع معاريف، تناول الخبير الصهيوني ايدو ديسينشيك أداء الکيان الصهيوني في حرب غزة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، ويحاول تحليل وضع هذه الحرب من خلال نظرة واقعية لمشهد المعركة في غزة، فيما يلي نقدم لکم مقتطفات من هذا التقرير.
لقد قرأت تحقيق صحيفة نيويورك تايمز في أحداث وكارثة السابع من أكتوبر، وقرأت أيضًا بحثًا حول العمل العسكري الذي قام به الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة اعتبارًا من 8 أكتوبر.
إن التحيز ضد "إسرائيل" في هذه التقارير، وحقيقة أن معظم المؤلفين، باستثناء اثنين، قد استخفوا بها، هو ما يلاحظه القراء، وقرأت أيضًا الاعتذارات والتصحيحات السخيفة التي يقدمونها بعد الكشف عن الفشل.
لكن التحقيق الذي أجرته صحيفة نيويورك تايمز مليء بالحقائق والأرقام التي لم ولن نجمعها - وإذا فعلوا ذلك، فمن المؤكد أنهم لم ينشروا، وإذا فعلوا ذلك، فقد حاولوا التستر عليه قليلاً.
حيث أعلن الجيش الإسرائيلي هذا الأسبوع أن سدس (16 بالمئة) من الذين قتلوا في المعركة ضد غزة منذ الـ 8 من تشرين الأول/أكتوبر، قتلوا على يد قواتنا أو في حوادث عرضية، وهو رقم مرتفع بشكل مؤلم، ومشكلة خطيرة.
وتشير الأرقام الصادرة عن الجيش الإسرائيلي، إلى مقتل شخصين على الأقل يومياً خلال الحرب، وهذا أكثر من الاستنزاف الذي حدث في حروبنا الدموية السابقة، وفي هذه الحرب، الظروف جعلتنا نعاني من مثل هذه الخسائر، التي کنا نعاني منها يومياً خلال ثلاث سنوات في المتوسط، حيث إنه لمدة ثلاث سنوات، قُتل شخص واحد كل يوم في المتوسط.
وجاء في التحقيق الدفاعي أن الجنود الذين أطلقوا النار على الأسرى والقادة الميدانيين، لم يروا أو يسمعوا أو يفهموا العلامات الواضحة في المكان، ويتضح من التحقيق، أن إطلاق النار على السجناء كان إطلاق نار غير ضروري.
ومن أطلقوا النار كانوا على بعد مئات الأمتار ولم يتعرضوا لأي تهديد، ولم يكن هناك أي تهديد لأحد من السجناء نصف العراة، الرافعين لأيديهم والأعلام البيضاء.
إن الحجة القائلة بأن حماس تمارس عمليات خداع خطيرة، وأن أفرادها يتنكرون في هيئة إسرائيليين مختطفين لإيذاء الجنود، هي حجة مقنعة وصحيحة، لكن أن نعتقد تلقائيًا أن كل موقف هو هكذا، حتى عندما نرى بالعين المجردة أنه لم يكن هناك تهديد فوري من هؤلاء الأسرى الثلاثة، فإنه مثل فقدان الوعي فجر يوم الـ 7 من أكتوبر؛ وهذا في حد ذاته مشكلة حقيقية أخرى.
إن سلوك "إسرائيل" منذ الـ 7 من أكتوبر، يظهر تقارباً بطيئاً نحو نتيجة مؤلمة جداً، ولن يكون هناك تفكك لحماس، ولن يكون هناك انتصار، وبالتأكيد لن ننتصر معًا، لأنه لا توجد وحدة هنا على الإطلاق.
وقد يكون الأمر أسوأ، فهناك هزيمة أخرى ستضاف إلى هزيمة الـ7 من أکتوبر في نهاية المعركة، لأن الأهداف التي حددها رئيس الوزراء بعيدة المنال، وهي وصفات للفشل، وإن السبب الرئيسي لعدم تحقيق النصر، هو عدم قدرة الجيش على تحقيق أهدافه، حيث إننا نقاتل في غزة منذ أكثر من 100 يوم، ولم ننته بعد من احتلال النصف الشمالي من غزة وتطهيره، حسب وصف رئيس الوزراء.
هل اعتقد أحد أن الأمر سيستغرق كل هذا الوقت؟ وهل هناك من لا يستغرب عدم توافر معلومات لدى "إسرائيل" عما يجري في غزة؟ إذا لم يقبل المرء هذا الکلام - مع العلم أنه في عام 2017 وصف رئيس الوزراء الحالي بدقة شديدة ما تعده حماس لنا - فإن فشله العسكري والاستخباراتي سيكون أكثر خطورةً.
ومن الواضح الآن أننا لا نستطيع أن نفعل الشيء نفسه في جنوب قطاع غزة، كما فعلنا في الشمال، هناك الكثير من الناس هناك، ولا يوجد مكان لإرسالهم، لن يتم احتلال خان يونس، ولن يتم احتلال رفح بالتأكيد، ولن يصل الجيش الإسرائيلي إلى محور فيلادلفيا أيضًا، وإن القوة العسكرية لحماس تفوق ما يمكن أن نتصوره.
لقد كان تنفيذ حماس لعملية الـ 7 من تشرين الأول مبهراً للغاية، كما أن القتال العنيد من جانب الفصائل الفلسطينية داخل القطاع، يؤدي إلى إبطاء تقدم الجيش، والإنجاز المهم الوحيد الذي حقّقه الجيش ضد الفلسطينيين، هو تدمير وقتل الفلسطينيين.
يقول الفلسطينيون إنه قُتل منهم 30 ألف شخص حتى الآن، ويدعي الجيش الإسرائيلي أنه قتل أكثر من 9000 مقاتل فلسطيني، إذن ربما 30 ألف قتيل ليس رقماً مبالغاً فيه.
هناك الكثير من الناس في العالم يشعرون بالرعب من هذا العدد من الوفيات، وأنا أتفق مع كلام حاييم نحمان بياليك، الشاعر العبري الذي يقول: "إن الشعور بالانتقام لدماء صبي صغير عظيم جدًا، لدرجة أنه حتى الشيطان لم يخلق مثل هذا الشعور بالكراهية"، وأعتقد أننا خلقنا مثل هذه الكراهية في غزة، لذا يجب علينا أن نوقف هذا القتل.
لن يكون هناك انهيار
لقد تم تحديد أهداف الحرب والنصر النهائي على النحو التالي: الانهيار العسکري والقضاء علی حکم حماس، وتصفية قادتها جسدياً، وتجريد قطاع غزة من السلاح، وإعادة جميع المختطفين، وخلق الشعور بالأمان الشخصي الذي يسمح لسكان غلاف قطاع غزة ومنطقة الجليل في الشمال بالعودة إلى منازلهم (وهذا يعني التعامل مع حزب الله ودفعه إلى شمال الليطاني).
وأضاف رئيس الوزراء في مؤتمراته الصحفية هدفين آخرين: بعد النصر، لن يُسمح للسلطة الفلسطينية بدخول غزة، وستسيطر "إسرائيل" على محور فيلادلفيا.
يجب أن أقول إن كل هذه الأهداف لن تتحقق، لن يكون هناك انهيار، والحد الأقصى هو أن حماس ستصبح أضعف، وكان ينبغي استبعاد الإبعاد الجسدي للعاروري قبل نهاية الحرب طالما أن حماس تحتجز الأسرى، حتى لا تعرضهم للإعدام انتقاماً.
سيكون الاغتيال الأخير في بيروت، عقبةً أخرى أمام وقف هزيمة فصائل المقاومة، ولم تعد عودة الأسرى هي الهدف الأساسي، بل أصبحت جزءاً من تكلفة تدمير حماس، وإلى أن يحرق أقاربهم أنفسهم في ساحة المدينة (كما حدث في فيتنام أو جمهورية التشيك)، فمن المحتمل ألا يحاولوا إطلاق سراحهم.
أما مسألة استعادة الأمن في الشمال فهي موضع شك كبير، لأن المواجهة العسكرية مع حزب الله ستكون أكثر صعوبةً، والمسألة المتعلقة بالسلطة الفلسطينية ومحور فيلادلفيا، لن تكون موجودةً إلا في حالة النصر، وإذا لم يتحقق النصر فلن يتحقق ذلك أيضاً.
وبدلاً من أن نفهم وضعنا، نعلن أننا انتصرنا ونبدأ بالحديث مع الأطراف المجاورة حول كيفية ترجمة النصر المعلن إلى عمل على الأرض، وما زلنا نعتقد أننا معاً سننتصر مرةً أخرى، نحن لا نزال نعتبر المساعدة الأمريكية أمراً مفروغاً منه، وأنهم سيستمرون دائماً في دعمنا وتمويلنا وتسليحنا، لكن حاملة الطائرات الوحيدة ومجموعتها القتالية بأكملها، تغادر البحر الأبيض المتوسط.
إن السبب الرئيسي لعدم انتصارنا، هو أننا خسرنا كل شيء تقريبًا في اليوم الأول، لم نكن مستعدين لهذا، حتى بعد الخسارة في اليوم الأول، نحن لسنا مستعدين للانتصار.
لدينا آلة تدمير متطورة - وهو أمر مهم للغاية، والأهم من ذلك أن لدينا محاربين رائعين مستعدين للموت من أجل تحقيق النصر، كان هذا وسيكون استعدادنا الوحيد، ولكن هذا يكفي لعدم الانتصار أو عدم الخسارة فقط.
ولكن بعيداً عن السبب الرئيسي ـ عجز المؤسسة العسكرية عن تحقيق النصر والقيادة السياسية الغبية والفاسدة التي تقود الجيش ـ هناك سبب آخر، في مرحلة ما من الحرب، كانت دوافع قيادة الحرب مختلفةً، وأضيفت دوافع جديدة إلى قضايا الأمن والانتقام والوجود الوطني، وهي:
البقاء السياسي لرئيس الوزراء، وحزب الليكود كحزب حاكم، والائتلاف كمصدر مالي مستقر لتمويل المؤسسات الدينية، وتعميق الاستيطان وضم الضفة الغربية، ويفضَّل طرد مئات الآلاف من الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية، وقد تجلى ذلك بوضوح في اليوم الذي تخلت فيه "إسرائيل" عن إطلاق سراح عشرات المختطفين الآخرين بحجج واهية، حتى تتمكن من استئناف الحرب على الفور.
فعندما تكون وراء أهداف الحرب المعلنة أهداف فرعية غير حكومية تماماً، توضع إلى جانب الإدارة العسكرية والسياسية غير الفعالة، علينا أن ننتظر نتائجها، إذا لم نوقف هذه العملية فوراً ونغير الاتجاه سريعاً، فإن طريق الغباء والفشل هذا نحو اللانصر سيكسرنا جميعاً.
يجب على شخص ما أن ينهض نتنياهو ويوآف غالانت من أوهامهما، ويسأل بيني غانتس وغادي آيزنكوت عن سبب وجودهما هناك.