الوقت- وكأن حال الفلسطينيين يهمه، رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، تحدث أنه يجب على الجميع الإسراع في إنجاز صفقة لتبادل المحتجزين لمنع التهجير وحدوث "نكبة أخرى"، حيث طالب عباس بضرورة تسريع وتيرة عملية تبادل الأسرى، نظرًا للحرب الشاملة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وقال إنه من الضروري على حركة حماس الإسراع في هذه الصفقة لحماية الشعب الفلسطيني من ويلات حدوث كارثة جديدة لا يُمكن تصور مخاطرها وخطورتها، على غرار ما حدث في عام 1948، في وقت لم يُقدم الرئيس عباس على أي خطوة في مسار إنقاذ الفلسطينيين وبالأخص في غزة.
شعارات لا أكثر
تعود العالم من السلطة الفلسطينية على إلقاء الشعارات لا أكثر، فالرئيس عباس شدد على أن الإسراع في إتمام صفقة تبادل المحتجزين سيسهم في تجنب هجوم إسرائيلي على مدينة رفح، ما يعني وقف "مأساة آلاف الضحايا والمعاناة والتشرد لأبناء شعبنا"، وقد دعا عباس الإدارة الأمريكية والدول العربية أيضًا إلى بذل الجهود بجدية لتسريع إتمام صفقة الأسرى، وقد حمل عباس الجميع مسؤولية عدم وقوع أي عراقيل تعيق تحقيق الصفقة، مهما كانت مصدرها، مؤكدًا أن "الأمور لم تعد تحتمل، وحان الوقت لتحمل الجميع المسؤولية"، فيما قرر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في الأسابيع الفائتة دعم أي مشروع وطني ينحو نحو "المقاومة السلمية"، وذلك بعد أن أبلغ قيادات اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومن في حركة فتح بقراره هذا، وشدد عباس على ضرورة توفير مقترحات محددة في هذا السياق للأطراف المهتمة داخل حركة فتح.
وفي ظل التصاعد المتكرر للهجمات الإسرائيلية على المدن الفلسطينية، بدأ الرئيس عباس في الفترة الأخيرة يظهر "أكثر ليونة" تجاه الأنشطة السلمية للمواطنين والجمعيات المدنية، وقد أكدت شخصيات داخل حركة فتح أن هذا يعكس استعداد الشعب الفلسطيني وحركة فتح لمواجهة التهديدات الإسرائيلية والتأكيد على رفضها للعنف، دون حدوث تصعيد مدني سلمي في الشوارع، كجزء من خطة مدروسة لإيصال صوت الشعب وحركة فتح إلى العدو والمجتمع الدولي، وهذا لم يحدث، فيما تشير مصادر داخلية إلى أن الحراك التنظيمي داخل حركة فتح يواجه تحديات كبيرة في ظل عدم وجود إستراتيجية فعالة للتعامل مع التصاعد العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وبعكس ما تحدثت به وسائل الإعلام التابعة للسلطة، لم يتجه محمود عباس نحو الموافقة على نشاطات عامة ذات طابع مدني ومكثف، متجنبًا اللجوء إلى مسار انتفاضة ثالثة، كما أن هذه النشاطات لم تحدث ولم تشمل التفاعل بأساليب "المقاومة الشعبية"، التي لم يتم تحديدها بدقة، والتي يفضلها الرئيس عباس ويعتزم دعمها، وتأتي هذه الخطوة الفاشلة من السلطة في سياق ضعف الاستجابة للتطورات الراهنة، حيث تشهد الأراضي الفلسطينية نشاطات تظاهرات وتجمعات تخلو من دعم فتح، حيث يتم رفع يافطات تندد بممارسات الاحتلال وتأسيسه، وترفع هتافات تدعم حرية الأسرى، ومن المفترض أن تقوم أجهزة السلطة الرسمية بمهامها لإنقاذ هذا الشعب بعيدا عن الشعارات.
وتشهد هذه السلطة عقد اجتماعات طارئة لمناقشة "كيفية حماية الشعب الفلسطيني"، ويرى بعض المخضرمين في السياسة أن هذه الشعارات قد تكون محاولة لتهدئة حالة الاحتقان والغليان التي يشهدها القطاع الفلسطيني، وخاصة بعد تزايد حالات الاستهداف وسقوط الشهداء في مدن جنين ونابلس والخليل وطولكرم، بالإضافة إلى الهجمات المتكررة من قبل المستوطنين، وتفسيرًا للخطابات الأخيرة التي قالها الرئيس محمود عباس، يعزى ذلك إلى تحليلات سياسية تظهر تجاوبًا مدروسًا مع اتصالات أمريكية، حيث طالبت الولايات المتحدة عباس بـ"السيطرة والهدوء" قدر الإمكان، يُفسر هذا التحرك الإعلامي على أنه محاولة لتجنب تقديم خدمة غير مرغوب فيها للطاقم اليميني في حكومة تل أبيب، ويتفق المقربون من المقاطعة في رام الله على أن مركزية حركة فتح لا تتفق مع هذه الخطوة.
فشل حكومة رام الله
على الرغم من التصاعد العدائي للحكومة الإسرائيلية المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو، فإن حكومة رام الله لا تزال تفتح أبواب التعاون مع تل أبيب التي تستخدم جميع الأساليب الإجرامية ضد شعبها، رغم اعتبارها للمقاومة "أمراً خاطئًا"، تستند الحكومة على العديد من الأوراق السياسية والأمنية لمواجهة التصعيد الإسرائيلي، إلا أنها لم تتخذ أي رد فعل يذكر، وفي حين يتعرض الفلسطينيون للإذلال والاستعباد من قبل الإسرائيليين، تؤكد الحكومة على استمرار التنسيق الأمني مع الكيان ومواصلة مطاردة المقاومين في الضفة، على الرغم من ذلك، تستمر في اتباع سياسة الخنوع التي لم تؤد إلى نتائج إيجابية، ما يثير انتقادات واستحقارًا من قبل الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.
تجذب رام الله الأنظار بتصريحاتها حول وقف التنسيق الأمني وسحب الاعتراف وإلغاء الاتفاقيات مع تل أبيب، إلا أن ردود الفعل المحدودة تجاه جرائم العدو تثير الدهشة، وعلى الرغم من التصريحات الرنانة، تظهر السلطة الفلسطينية بتعاون متزايد مع "إسرائيل"، وتسهم في تنفيذ مشاريع الكيان الغاصب التي تستهدف إلغاء القضية الفلسطينية، في الوقت الذي يتسارع فيه سقوط الضحايا الفلسطينيين، حيث تظهر السلطة كأداة ذات قيمة زهيدة تستخدم ضد إرادة وتطلعات الشعب، ما يؤكد عدم قدرتها على تمثيل مطالب الفلسطينيين الذين يعيشون ويلات جرائم الاحتلال.
وبهذا السياق، تشارك السلطة في معركة ضد الفلسطينيين، ما يشجع الكيان والمستوطنين على التصعيد واستغلال الأراضي الفلسطينية، يبدو أن المتحكم الوحيد بالسلطة هو العدو القاتل، وأن السلطة الفلسطينية لا تمثل سوى "حجر شطرنج" على طاولة السياسة الإسرائيلية الخبيثة، وإذا كانت الضفة الغربية لا تزال مرهونة بقرارات السلطة، التي تتعاون مع العدو العنصري، فإن الجرائم والاستخفاف الصهيوني بأرواح الفلسطينيين لن يصل بها إلى هذا الحد، وغزة تشهد، وتُعتبر أفكار حركة "فتح" خاطئة تاريخية، وفقًا للغالبية الفلسطينية، بسبب اعتقادها بأن وجود علاقة مع الكيان الإسرائيلي قد يكون في مصلحتها، ويثبت التاريخ والواقع الحالي أن الصهاينة يتمادون في عدوانهم، وأنهم لا يمكن أن يتوقفوا إلا بوجود القوة والوحدة والمقاومة.
وقد شهدت العلاقات بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني تحولًا إلى معضلة تعكس حالة عدم الإجماع الوطني المتعلقة بالتسوية والمفاوضات مع الاحتلال، وإن سعي تل أبيب لترسيخ واقع جديد على الأرض من خلال تدمير غزة فوق رؤوس شعبها وإقامة الدولة العنصرية على أراضي الفلسطينيين يزيد من التوتر، ويعيش السكان في مناطق تخضع نيابة عنهم لإدارة السلطة، وهو سياق يشهد اتساعا مستمرا للاعتداءات الإسرائيلية الممنهجة، وزيادة التوتر بسبب استمرار جرائم العدو تظهر تورط السلطة في العنف والإرهاب الصهيوني، وتصديقها للعدو الصهيوني القاتل وتنسيقها الأمني معه.
وتظهر تل أبيب استمرارها في التصعيد والتجبر، ما يشير إلى أنها تواصل انتهاك حقوق الفلسطينيين وتعطيل الجهود الوطنية، وهذا التطور يُظهر أن السلطة لا تلعب دورًا فعّالًا في تحقيق حقوق الفلسطينيين، بل تؤدي دورًا يتناقض مع التضحيات وتطلعات الشعب، ومحمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، يعترف بأن الكيان الصهيوني قد "دمر ما تبقى من عملية السلام"، ولكنه يجد نفسه معتمدًا على التنسيق الأمني وتدفق الأموال من تل أبيب ومن يدعمها، وإن بقاء السلطة يعتمد أساسًا على هذا التنسيق، ووقفه يعني تحمل تبعات كبيرة، وتعزز العلاقات مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وأجهزة المخابرات العربية والإقليمية استمرار التنسيق، ولا تسمح بحل السلطة أو انهيارها.
الخلاصة، ليت السلطة صمتت ولم تتكلم في ظل زيف دماء غزة، حيث لم يذكر التاريخ وطنا تحرر بالشعارات وما يسميها عباس "المقاومة الشعبية السلمية"، فعباس يظهر بانتظام وهو يبعث برسائل إلى العدو ويلتقي بالمسؤولين الإسرائيليين لإجراء محادثات، ما يبرز تناقضات سياسته، كذلك، هناك علاقة "حب من طرف واحد" بين السلطة و"إسرائيل"، فيما تظهر الفصائل الفلسطينية تمسكًا شديدًا بموقفها المقاوم والتحرري، في المقابل، تتمسك السلطة بالتنسيق الأمني مع تل أبيب حتى بعد فرض حرب همجية راح ضحيتها عشرات الآلاف، في خطوة تعتبر ركيزة للرضوخ المستمر.