الوقت - فشلت حكومة الاحتلال بعد مرور أكثر من مئة يوم على حربها الإجرامية على قطاع غزة في أن تحقق أياً من أهدافها الاستراتيجية أو المرحلية، والتي كان أهمها استعادة الأسرى، والقضاء على حماس، ونزع السلاح من غزة، والترتيبات الأمنية في القطاع، إضافة إلى فرض حالة سلم بشروط إسرائيلية خاصة.
استعادة الأسرى
رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وعد في خطاب ألقاه مؤخراً بتحقيق "النصر الكامل على حماس"، وكذلك إنقاذ الرهائن، مؤكداً أنه لا يزال من الممكن تحقيق جميع أهداف "إسرائيل"، رافضاً فكرة وقف الحرب، إذ قال: إن "وقف الحرب قبل تحقيق الأهداف سيرسل رسالة ضعف".
خطاب نتنياهو هذا جاء وسط حالة من العجز باتت تصيب الكيان الذي ما ترك وسيلة تدمير إلا واستخدمها، في حالة إبادة جماعية يمارسها ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، إضافة إلى الضغوط التي تُمارس عليه داخليا وخارجيا، ومحاكمة الكيان أمام محكمة العدل الدولية، والضغط الذي يشكله موضوع استعادة الرهائن، وعدم القدرة على حسم المعركة لصالحه مع الصمود الأسطوري الذي أبدته المقاومة الفلسطينية.
إن كيان الاحتلال يوشك على الاعتراف بانتهاء هذه الحرب وخسارة الجانب الإسرائيلي، تلك الخسارة التي تمثلت بعدم تحقيق أي من أهدافها، فالرئيس الأسبق لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشاباك" كرمي غيلون قال: أجزم أنّ الحرب على غزّة انتهت، والهدف الوحيد الذي من أجله يجِب إبقاء قوّاتٍ من الجيش في قطاع غزّة هو ضمان تحرير الرهائن الإسرائيليين، الذين وقعوا في أسر (حماس)".
إن موضوع الرهائن أصبح يثار في الأوساط الإسرائيلية في مسارات انتقاد ومطالبة بتغيير النهج المتبع في محاولة استعادتهم، فقد أصبحت عائلات الرهائن أكثر وضوحا بشأن الحاجة إلى تحرير أقاربهم من خلال العمل الدبلوماسي وليس باستعمال القوة.
أما الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الموساد) يوسي كوهين فقد قال "سيتعين على إسرائيل دفع ثمن باهظ لاستعادة الرهائن، وإن إسرائيل ستحتاج 5 سنوات بعد الحرب لاستعادة عافيتها" وفق ما نقلت هيئة البث الإسرائيلية.
المحلل العسكري الإسرائيلي عاموس هارئيل، اعتبر في مقال بصحيفة "هآرتس" التابعة للكيان أن ثمن إطلاق الأسرى الإسرائيليين لدى الفصائل الفلسطينية هو اعتراف حكومة تل أبيب بالفشل في حربها على قطاع غزة.
أما عامي أيالون أحد رؤساء الشاباك السابقين فقد أكد أن "إسرائيل لن تخرج بصورة للنصر من هذه الحرب، حتى لو تمكنت من اغتيال يحيى السنوار"، مضيفا : "كجزء من صفقة تتضمن عودة جميع الرهائن، يجب علينا إطلاق مروان البرغوثي، وهذه خطوة صحيحة من جانبين، أولا لأن عودة الرهائن الإسرائيليين هي الأقرب إلى صورة النصر بالحملة العسكرية الحالية في غزة، وثانيا لأن البرغوثي هو الزعيم الفلسطيني الوحيد الذي يمكن انتخابه ضمن قيادة فلسطينية موحدة وشرعية في الطريق إلى حل سلمي".
أهداف غير واقعية
أول هدف لكيان الاحتلال في هذه الحرب كان القضاء على حركة "حماس"، وعلى سلاحها، وتدمير معاملها الدفاعية، وقطع سلاسل إمدادها، ومع مرور قرابة أربعة أشهر على هذه الحرب، ما زالت حماس تبدي القوة القتالية نفسها، والاستعداد العسكري ذاته، في دلالة واضحة على أن الهدف الرئيس لهذه الحرب لم يتحقق، ولا ترجح مصادر تابعة لكيان الاحتلال بأنه قد يتحقق يوما.
الوزير بحكومة الحرب، بيني غانتس، دعا إلى إعادة النظر بأهداف الحرب، منتقدا عدم تحقيق إنجازات ملموسة يمكن البناء عليها لوضع تصور لما تريده القيادة الإسرائيلية بعد انتهاء الأعمال العسكرية، وكذلك حليفه رئيس الأركان السابق لجيش الاحتلال غادي آيزنكوت، وجه انتقادات لإدارة نتنياهو للحرب المستمرة مع حماس في غزة، مشيرا إلى أن الحديث عن النصر الكامل على حماس غير واقعي، وأن من يتحدث عن الهزيمة المطلقة لحماس لا يقول الحقيقة، ومؤكداً أن "الوضع الفعلي في قطاع غزة هو أن أهداف الحرب لم تتحقق بعد، والمهمة هي إنقاذ المدنيين قبل قتل العدو".
إذاً انتهاء الحرب بهذا الشكل ما هو إلا فشل صهيوني وانتصار استراتيجي للفلسطينيين، فـ "المقاومة الفلسطينية تفوقت على جيش الاحتلال الإسرائيلي في القطاع" كما قال يوسي كوهين، الذي أوضح أنه "إذا أرادت إسرائيل مواصلة الحرب في غزة، فعليها الاستماع إلى الولايات المتحدة ومواصلة المساعدات الإنسانية لمواطني القطاع، حتى لا تخسر الدعم الدولي بسبب وقوع كارثة إنسانية في غزة".
لكن قادة الاحتلال يصرون على هدف القضاء على حماس والذي تشير مصادر عديدة منها مصادر من داخل الكيان إلى أنه هدف مستحيل لأسباب عديدة، فنتنياهو يقول: "سنستمر في الحرب حتى النهاية وتحقيق النصر الكامل"، ووزير دفاعه يوآف غالانت يقول: إنه "لا نية لديهم لوقف القتال في غزة، وإن الاعتقاد بأن إسرائيل في طريقها لوقف القتال غير صحيح"، مضيفاً إنه "إذا لم نحقق انتصارا في حرب غزة فلن نتمكن من العيش في الشرق الأوسط".
فالقضاء على حماس بات مطلباً غير منطقي، ولا يتحقق بعمل عسكري، وباستخدام العنف، وهو كما قال السياسي الأمريكي دينيس روس في مقابلة مع صحيفة لاريبوبليكا الإيطالية: "لا يمكن القضاء على حماس، لأنك لا تستطيع القضاء على فكرة"، وهذا ما أشار إليه عامي أيالون في مقابلة مع صحيفة هآرتس التابعة لكيان الاحتلال، بقوله: "نحن نسير بأعين مفتوحة نحو غروب مستقبلي في رمال غزة".
وكذلك صحيفة نيويورك تايمز، بعد أكثر من مئة يوم من الحرب، تحدثت عن محدودية التقدم الذي أحرزته "إسرائيل" في تفكيك قدرات حماس، والذي أصبح سببا يثير الشكوك داخل القيادة العسكرية العليا بشأن إمكانية تحقيق الأهداف الرئيسية للحرب في الأمد القريب.
هذا التباطؤ دفع بعض قادة الاحتلال إلى التعبير عن الإحباط إزاء استراتيجية الحكومة المدنية في غزة، ودفعهم إلى الاستنتاج بأن حرية أكثر من 100 رهينة إسرائيلي ما زالوا في غزة لا يمكن تأمينها إلا من خلال الوسائل الدبلوماسية وليس العسكرية.
ووفقا لمقابلات أجرتها نيويورك تايمز مع أربعة من كبار القادة العسكريين في جيش الاحتلال، الذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم لأنه لم يُسمح لهم بالتحدث علنا عن آرائهم الشخصية، فإن الهدفين المزدوجين المتمثلين في تحرير الرهائن وتدمير حماس "أصبحا الآن غير متوافقين"، إضافة إلى التعارض بين المدة التي ستحتاجها إسرائيل للقضاء على حماس بشكل كامل، وهي عملية شاقة، والضغط الذي يمارسه حلفاء "إسرائيل" لإنهاء الحرب بسرعة وسط تصاعد الضحايا بين المدنيين.
التخبط والفوضى المرافقان للعدوان الإسرائيلي الإجرامي على قطاع غزة، يظهران بشكل واضح من خلال ردود الفعل تجاه ضياع الأهداف الموضوعة للحرب وعدم تحقق أي منها، وليس ذلك فحسب، بل استحالة تحقيق تلك الأهداف باستثناء تحرير الرهائن الذي سيخضع حتما لشروط خاضعة لحماس ومناسبة لوضعها.