الوقت- على الرغم من أن جرائم الكيان الصهيوني في فلسطين لها أبعاد وزوايا مختلفة، إلا أنها كان لها تأثير خاص ودائم في مجال العلاقات الدولية، التي كانت محط اهتمام مختلف الخبراء ومراكز الفكر، ومن أهم هذه المحاور السلوك الجديد للصين كإحدى القوى الاقتصادية والسياسية الرئيسية في العالم، وهو ما يعيد تحديد ومأسسة موقعها ودورها في المعادلات الدولية، ولكن ما هو التغيير الذي حدث والذي أثار الكثير من الاهتمام.
إننا نشهد هذه الأيام تغيراً في خطاب الصين واستراتيجياتها في التعامل مع النزاعات الدولية، وهو سلوك غير مسبوق، إن لم يكن جديداً، وقد دفع هذا العدد مجلة فورين أفيرز إلى مقارنة الحكومة الصينية بالذكاء الاصطناعي، وهم يعتقدون أن حكومة بكين، في مواجهة الصراع الدولي، تتصرف مثل الذكاء الاصطناعي الذي يقوم بتحديث استجابته وتحسين أدائه ببيانات جديدة، وقد أدت كل أزمة جديدة إلى تطور سلوكهم في التعامل مع العالم الغربي ونهجهم في التفاعل مع البلدان النامية (يشير هذا المنشور إليه بالعالم الجنوب)، ويمكن رؤية مثال واضح والتحقيق فيه بوضوح في الحرب في أوكرانيا والجرائم في غزة.
عندما بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022، استغرقت الحكومة الصينية وقتًا طويلاً لتجد نفسها، إذا جاز التعبير، وهم، الذين بدا أنهم ينتقدون سياسات الناتو وأمريكا، وراء كل ردود أفعالهم، وأشاروا أيضاً إلى المخاوف الأمنية المعقولة للروس لإظهار تضامنهم مع موسكو، لكن التقييمات استندت إلى حقيقة مفادها بأن الصين لم تتمكن من تحقيق ما كانت تعتزم تحقيقه، وتصرفت، إذا جاز التعبير، "بشكل غير معقول"، وربما سلبي بعض الشيء، والحقيقة أن حرب أوكرانيا كانت بمثابة اختبار لبكين، ولم تتمكن من استغلالها كما أرادت، ولم تعتبر تجربة ناجحة، لكنها أظهرت سلوكاً مبتكراً وتقدمياً في الجرائم الصهيونية في غزة.
هذه المرة، كان رد فعل الصين سريعا، وكما أظهرت التقييمات المبكرة، تمكنت بكين من الاستفادة من الضغوط الشديدة التي يمارسها الرأي العام العالمي ضد جرائم تل أبيب، من أجل مهاجمة المعايير المزدوجة للغرب، وخاصة الولايات المتحدة، وكان رد فعل بكين الفوري في الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) (اليوم التالي لعملية حماس في الأراضي المحتلة) بإصدار بيان يؤكد على وقف إطلاق النار والموافقة على حل الدولتين، مفاجأة للكثيرين، ولكن الأمر اللافت للنظر هو أنه لم تتم إدانة هجوم حماس فحسب؛ ولم يكن هناك حتى انتقاد لذلك، على الرغم من أن هناك أربعة مواطنين صينيين من بين القتلى في السابع من أكتوبر!
أظهرت حرب غزة أن مقارنة مجلة فورين بوليسي للصين بالذكاء الاصطناعي كانت دقيقة وصحيحة وأن بكين تنوي لعب دور جدي في العالم.
لكن هذه كانت بداية عملية متعددة الأوجه في الصين، وفي هذا السياق، قام باحث يدعى توفيا جيرينج بتوثيق سلوك الصين في وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية تجاه هذه الحادثة، التي اعتبرها معادية ل"إسرائيل"، بل معادية للبوذية في بعض الأحيان، ووصل الأمر إلى حد أن صحيفة تشاينا ديلي، الصحيفة الحكومية الرسمية، أعلنت رسمياً أن "أمريكا تقف على الجانب الخطأ من التاريخ في غزة"، وحتى التلفزيون الرسمي الصيني بث فيلماً وثائقياً يوضح كيف أن اليهود يشكلون ثلاثة في المئة فقط من سكان أمريكا، ولكنهم يسيطرون على أكثر من 70 في المئة من ثروة البلاد!
الأحداث التي وقعت في صراعين دوليين مهمين تظهر المقارنة بين الصين والذكاء الاصطناعي بدقة وذكاء، ومن خلال التعلم من قصة أوكرانيا، تمكنت بكين من الدخول في حرب غزة في الوقت المناسب وبشكل استباقي حتى تتمكن من خلال التأثير على الرأي العام في العالم، وخاصة البلدان النامية، من إظهار نفسها كبديل موثوق لأمريكا الداعية إلى الحرب والمهيمنة والمنافقة، لذا فإن أحداث 7 أكتوبر، هي حادثة يتابعها الصينيون بكل جدية واجتهاد، ويتعلمون من الماضي، وهي مستمرة بالطبع.