الوقت- رغم أنه لم تمض أسابيع قليلة على جر الصهاينة إلى محكمة لاهاي بسبب شكوى جنوب أفريقيا من الإبادة الجماعية التي يمارسها هذا الكيان في غزة، والآن مع انضمام دول أخرى إلى هذه الحملة القانونية، تتحول القصة إلى كابوس لقادة تل أبيب المجرمين، وبعد أن رفعت جنوب أفريقيا دعوى قضائية مطولة من 84 صفحة أمام أعلى محكمة في العالم، شجعت المزيد من الحكومات على الخوض في النزاع السياسي، حيث تقدمت جزر القمر بنجلاديش وجيبوتي بطلبات مماثلة إلى المحكمة، وقبل أيام أعلنت دولتا المكسيك وتشيلي أنهما أحالتا قضية التصرفات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية للتعامل مع تهمة "جرائم الحرب".
وفي هذا الصدد، دعمت منظمة التعاون الإسلامي، التي تضم 57 عضوا، فضلا عن دول مثل ماليزيا وتركيا والأردن وبوليفيا، مبادرة جنوب أفريقيا وأحالت القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية، وفي غضون ذلك، وافق البرلمان العربي، أمس، على اقتراح الكويت بتشكيل فريق من الخبراء القانونيين والأكاديميين والمحامين من المؤسسات والجمعيات العربية المعنية لدعم موقف حكومة جنوب أفريقيا ضد "إسرائيل" في محكمة العدل الدولية، وقال محمد الحويلة عضو البرلمان العربي في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية إنه قدم مقترحا لدعم جهود جنوب أفريقيا المشرفة في الدفاع عن القضية الفلسطينية ومواجهة جرائم نظام الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.
وأضاف الحويلة في ختام الاجتماع العام الثاني للبرلمان العربي: قرر البرلمان العربي تكريم عمل دولة جنوب أفريقيا ومنح رئيسها سيريل رامافوسا أعلى وسام شرف لهذا الاتحاد، لذلك، يبدو أنه مع إضافة الأشخاص الذين يشكون من الكيان الصهيوني في لاهاي، فإن هذه القضية تتكاثف الآن مثل كرة الثلج المتحركة وتتحول في النهاية إلى انهيار جليدي كبير له عواقب سياسية وقانونية على الصهاينة.
اتهام جنوب أفريقيا
وطلبت جنوب أفريقيا في شكواها من محكمة العدل الدولية إصدار 9 أوامر مؤقتة، بعضها: الوقف الفوري لهجمات الكيان الصهيوني على غزة، واتخاذ تدابير معقولة لمنع الإبادة الجماعية للفلسطينيين، وضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وحصولهم على المساعدات الإنسانية من الغذاء والماء والوقود والمعدات الطبية والمأوى والملبس، وأخيراً اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعاقبة مرتكبي جريمة الإبادة الجماعية والحفاظ على الأدلة المتعلقة بجريمة الإبادة الجماعية في غزة.
وبعد عقد جلسات استماع يومي 11 و12 يناير 2024، بدأت محكمة العدل الدولية المفاوضات بشأن هذه القضية، ومن المتوقع أن تحكم محكمة العدل الدولية في طلب جنوب أفريقيا باتخاذ إجراء مؤقت قبل نهاية يناير/كانون الثاني، وقد وقع كل من جنوب أفريقيا والكيان الصهيوني على "اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها"، التي تخول اختصاص محكمة العدل الدولية باعتبارها أعلى سلطة قانونية للأمم المتحدة للتعامل مع النزاعات.
ما هي نتائج الشكوى العالمية ضد الصهاينة؟
والحقيقة أنه ينبغي القول إن أهمية هذا الموضوع، أي إحالة القضية من قبل الدولة الإفريقية إلى محكمة لاهاي، تكمن في أن الشكوى لا تقتصر على دولة عربية ومسلمة، وهذا يدل على أن الكيان الصهيوني مكروه على نطاق دولي واسع، وبطبيعة الحال، فإن هذا الإجراء القانوني الذي اتخذته دولة أفريقية، ذاقت هي نفسها الأسر والتمييز، يمكن أن يخلق إمكانية التوصل إلى إجماع بين دول العالم ضد الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل"، حتى أن هذا الكيان الصهيوني واستناداً إلى الأدلة والوثائق، ومن وجهة نظر قانونية، ومن قبل سلطة قضائية موثوقة، مثل محكمة لاهاي، متهم بارتكاب جريمة إبادة جماعية.
وبطبيعة الحال، فإن الكيان الصهيوني، في محاولته اليائسة لمنع الحكم على نفسه، استعان بمالكولم شو، أحد أبرز المحامين الدوليين، إلى جانب فريق من ذوي الخبرة.
كانت "إسرائيل" تقوم بقصف عنيف على المدنيين في قطاع غزة، وظنت أنها ستقضي على "حماس" خلال فترة قصيرة، فقامت بمذبحة واسعة النطاق، غير مدركين استشهاد 10 آلاف طفل، إضافة إلى الوقوع في مستنقع غزة والإذلال في الاستراتيجية العسكرية، تغيرت موازين القوى أيضاً لصالح قوى المقاومة في فلسطين، وإن اختلال التوازن لصالح قوى المقاومة لم يكن في الإطار العسكري فحسب، بل تمكنت قوى المقاومة الفلسطينية "حماس" من اكتساب الشرعية في الأوساط السياسية وفي نظر الرأي العام العالمي.
وفي هذا الصدد، يمكن أيضاً أن تعزى النتائج إلى شعبية "أبو عبيدة" المتحدث باسم كتائب حماس العسكرية، وميل الشباب إلى الإسلام والفضول الغريب حول القرآن من شرق آسيا إلى قلب أوروبا، لمقاومة الشعبية في غزة والإجماع العالمي والتأييد واسع النطاق لوقف إطلاق النار في هذه المنطقة وفي الواقع يمكن اعتبار هذا التعاون دليلاً على صحة موقف إيران من القضية الفلسطينية.
بعد عملية 7 أكتوبر، قال نتنياهو إننا لن نوقف الحرب حتى يتم تدمير حماس، ولكن حماس لم يتم تدميرها فحسب، بل تمكنت من أن تظهر للعالم وجه مصاص دماء الكيان الصهيوني في إبادة الأطفال في غزة، وغير الدول الإسلامية، وشعوب اوروبا، وهو ما يدل على عقد تجمعات كبيرة لدعم أهل غزة في إنجلترا وألمانيا وإسبانيا ودول أوروبية أخرى لأسابيع متتالية، ومن رسائل الدعم العالمي لشكوى جنوب أفريقيا في لاهاي، سقوط قناع الصهاينة القمعي بعد عملية اقتحام الأقصى، وفي الواقع، مع انعقاد محكمة لاهاي، حُكم على الكيان الصهيوني، الذي كان يتظاهر بأنه ضحية للإبادة الجماعية، بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في غزة.
وفي هذا الصدد، يرى هيبة الله نجددي منيش، الأستاذ المساعد في جامعة العلامة والقانون الدولي، في حوار مع موقع "الوقت" التحليلي حول التبعات القانونية لشكوى أفريقيا أمام محكمة لاهاي، قال إن: "جنوب أفريقيا في شكواها بشأن اتفاقية الإبادة الجماعية ضد الكيان الصهيوني في البداية، دعا إلى إصدار أمر مؤقت لوقف الإبادة الجماعية في غزة، وإذا قبلت المحكمة هذا الطلب فمن المؤكد أن معظم الدول والرأي العام في العالم سيتخذ موقفا أكثر حسما ضد هذا الكيان، إن مجرد تقديم هذه الشكوى صدم الكيان الصهيوني لأنه ادعى أنه ضحية الإبادة الجماعية، في حين تم تصنيفه الآن على أنه مرتكب جريمة الإبادة الجماعية، ومن الطبيعي أن "إسرائيل" لا تريد أن يتم تعريفها على أنها ارتكبت جريمة الإبادة الجماعية، ولن يصدر قريباً حكم المحكمة فيما يتعلق بالاختصاص وخاصة طبيعة الدعوى".
وأشار أستاذ القانون الدولي إلى تصرفات المحامين الإسرائيليين الرامية إلى إيقاف عملية المحكمة، ويضيف: "لذلك، فإن الكيان الصهيوني لا يتدخل كثيراً في النتيجة الرئيسية للقرار الموضوعي في الوقت الحالي لأنه يأمل ذلك سواء في مرحلة الأمر المؤقت أو في مرحلة قبول صحة حججهم، لكن المهم والمقلق هو أنه بدعم من الدول الغربية وسلبية الدول الإسلامية وبأيدي الكيان الصهيوني يقتل أهل غزة".
وبطبيعة الحال، وبغض النظر عن اعتقاد بعض خبراء القانون الدولي أن الأحكام الصادرة عن محكمة العدل الدولية افتقرت إلى ضمانات التنفيذ، فلا بد من القول إن هذا كان الإجراء الأكثر أهمية ضد الكيان الصهيوني على المستوى الدولي، ومن المؤكد أنه واجه عواقب سياسية ودبلوماسية، وحتى الآن، تم تجاهل مسألة تطبيع العلاقات بين الدول العربية والكيان الصهيوني بشكل كامل بسبب الجرائم المرتكبة في غزة، كما أثرت الحرب على العلاقات بين تل أبيب والاتحاد الأوروبي، وكتبت صحيفة فايننشال تايمز الإنجليزية، مساء الأحد، أن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يبحثون العقوبة التي قد يواجهها الكيان الصهيوني إذا رفض حل الدولتين.
كما كتبت صحيفة "كاكاليست" الناطقة بالعبرية عن عواقب تماطل الكيان في محكمة لاهاي، فإذا حكمت محكمة لاهاي بالإبادة الجماعية التي ارتكبتها "إسرائيل" في غزة، فإن هذه القضية ستؤثر على التبادلات التجارية لتل أبيب مع العالم، ويمكن أيضًا اعتبار رفض الكيان الصهيوني في نظر الرأي العام أحد العواقب التي لا يمكن إصلاحها لهذا العمل، والحقيقة، على افتراض أن محكمة العدل الدولية لا تدين "إسرائيل"، في إشارة إلى الأحداث المذكورة في هذا التقرير وغيره الكثير، فإنها لن تؤثر على الرأي العام ورأي شعوب العالم مجتمعة ومؤيدة لحرية التعبير، وبطبيعة الحال، لا ينبغي أن ننسى أن وثائق صحيحة وموثوقة قدمت إلى المحكمة من قبل فريق المحامين القانونيين في أفريقيا.