الوقت- بوضوح، ذكرت وسائل إعلام صهيونية، أن المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين قلقون من استعادة حماس السيطرة الكاملة على غزة، وأن عدم القدرة على اتخاذ الإجراءات اللازمة للمرحلة المقبلة من الحرب سيدفع حركة حماس إلى استعادة السيطرة على قطاع غزة، وإن المعلومات التي تلقاها الجيش الإسرائيلي تظهر أن حماس استأنفت تقديم الخدمات للفلسطينيين في المناطق التي انخفض فيها وجود الجيش، وفي 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أطلقت فصائل المقاومة الفلسطينية عملية مباغتة أطلق عليها اسم "طوفان الأقصى" من غزة (جنوب فلسطين) ضد مواقع النظام الإسرائيلي، وانتهت أخيرا في 3 ديسمبر/كانون الأول 1402، بعد 45 يوما من القتال بين الطرفين، "إسرائيل" وحماس، واستمر هذا التوقف في الحرب لمدة 7 أيام، وأخيراً في 10 ديسمبر 2023، انتهى وقف إطلاق النار المؤقت واستأنف النظام الإسرائيلي هجماته على غزة، ورداً على هجمات "طوفان الأقصى" المفاجئة وتعويضاً عن فشله ووقف عمليات المقاومة، قام الكيان بإغلاق جميع معابر قطاع غزة وقصف هذه المنطقة بشتى الأسلحة وما زال يفعل، دون تحقيق أي من أهدافه، في ظل الملاحقة الدولية لإرهابه.
قلق إسرائيلي عارم
بالتزامن مع القلق الإسرائيلي العارم من قوة حماس وسيطرتها على كامل غزة من جديد، أعلن قائد الكتيبة 7107 في جيش الاحتلال الإسرائيلي سحب وحدته من قطاع غزة بعد مرور أشهر على مشاركتها في الاقتتال هناك، وذلك في إطار سلسلة من عمليات الانسحاب التي نفذها الجيش وتركزت قواته في منطقة خان يونس جنوب القطاع، وتتبع الكتيبة 7107 للقوات الهندسية القتالية التابعة للقوات الاحتياطية، وشاركت في القتال شمال قطاع غزة، وجاء الإعلان عن الانسحاب في ظل تقارير إعلامية إسرائيلية تفيد بخطط الجيش لتقليل عدد قواته في شمال القطاع، وكان وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، قد أعلن قبل نحو أسبوعين عن نهاية العمليات العسكرية الكبرى في شمال القطاع.
وفي هذا السياق، معلومات جيش الاحتلال تشير إلى عودة حركة حماس لتقديم الخدمات في المناطق التي شهدت تقليصاً في حضور القوات الإسرائيلية، ونقلت الهيئة العبرية عن مسؤولين أمنيين تأكيدهم أن "فشل اتخاذ إجراءات لليوم التالي يساهم في عودة حماس للسيطرة في غزة"، فيما يُركز جيش الاحتلال حالياً جهوده في منطقة خان يونس جنوب قطاع غزة، حيث نشر 7 إلى 8 ألوية لمواجهة معارك شرسة مع المقاومة الفلسطينية، وفي منتصف الشهر الجاري، تم سحب الفرقة 36، وهي إحدى الفرق العسكرية الأربع التي شاركت في الحرب على غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وقبل ذلك، في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، تم سحب الكتيبة 13 في لواء غولاني بعد تكبدها خسائر كبيرة في المعارك مع المقاومة في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وأعربت "إسرائيل"عن قلقها إزاء ما وصفته بمحاولات حركة "حماس" لاستعادة سيطرتها على شمال قطاع غزة، بعد إعلان الجيش الإسرائيلي استكمال عملياته البرية في المنطقة والتحول إلى مرحلة جديدة، كما أن هناك انتباهًا متزايدًا في الجهاز الأمني الإسرائيلي بشأن محاولات حماس استعادة السيطرة المدنية في شمال قطاع غزة، والأجهزة الأمنية الإسرائيلية تعترف بمحاولات حماس استعادة سيطرتها على المنطقة وإعادة السلطة الشرطية المحلية لها بعد انتهاء المناورات البرية شمال قطاع غزة.
وتنفذ القوات الإسرائيلية توغلات جديدة في عدة محاور بمحافظتي غزة والشمال، وذلك في ظل اشتباكات مع فصائل المقاومة الفلسطينية، بعد ساعات من إعلان وزير الدفاع يوآف غالانت نهاية "العملية البرية المكثفة في الشمال"، في إشارة إلى تطورات المرحلة البرية للحرب التي بدأت في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فإن "المرحلة في المنطقة الشمالية من قطاع غزة ستنتهي، وسيتم التقدم بنجاح في جنوب غزة وستنتهي هناك قريبًا"، ولم يكشف غالانت عما إذا كانت العملية البرية في شمال القطاع قد حققت أهدافها، بما في ذلك القضاء على حركة "حماس"، وعلى الرغم من ذلك، أشارت إذاعة جيش العدو إلى أن "جميع شاحنات المساعدات الإنسانية التي تصل شمال قطاع غزة تصل إلى أيدي حماس بالفعل"، مشيرةً إلى أن "حماس تسعى لاستعادة السيطرة على المنطقة في ظل الفراغ الحاصل هناك".
"القلق الرئيسي في الجهاز الأمني هو احتمال نجاح حماس في استعادة قدراتها العسكرية في المنطقة أيضًا"، عبارة تلخص القلق الإسرائيليّ، وقد أثارت الأحداث الأخيرة في شمال قطاع غزة اهتمامًا كبيرًا، حيث أعلنت قوات الجيش الإسرائيلي عن ضبط 60 صاروخًا جاهزًا للإطلاق في بيت لاهيا، وعن قتل 9 مسلحين في مخيم الشاطئ، كما تم إطلاق وابل من حوالي 10 صواريخ من بيت حانون باتجاه سديروت في غلاف قطاع غزة، وفي هذا السياق، طرح المراسل العسكري لإذاعة الجيش دورون كادوش تساؤلات حول مدى جدوى توقيت قرار التحول إلى الغارات الاستهدافية في شمال قطاع غزة، واستفسر عما إذا كان من الأفضل ترك فرقة بأكملها لتنفيذ مناورة واسعة النطاق داخل المنطقة بدلاً من تقليص القوات، وأضاف كادوش: "لماذا نتحدث عن اليوم التالي في حين أن هذا اليوم موجود بالفعل في شمال قطاع غزة؟".
فشل أهداف الكيان بالمطلق
في الوقت الذي يبدي كثيرون شكوكهم في الكيان في قدرة الجيش الإسرائيلي على القضاء على حركة "حماس"، إنّ الوضع الراهن لحركة "حماس" في غزة واستمرارها يشيران إلى أنه "لا بديل" لحكمها في القطاع، ونحن بعيدون جدًا عن انهيار حماس، وإذا كان هناك من يعتقد أن هناك بديلًا لحكم حماس في قطاع غزة، وهي لا تزال قوية، فإن ذلك ببساطة لن يحدث، ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يشن الجيش الإسرائيلي حربًا مدمرة على غزة، ما أسفر حتى الآن عن وفاة أكثر من 25 ألف شخص وإصابة نحو 75 ألفا، ونزوح أكثر من 85٪ من سكان القطاع (نحو 1،9 مليون شخص)، وفقًا للسلطات الفلسطينية والأمم المتحدة.
وكانت "إسرائيل" قد حددت 3 أهداف للحرب في غزة، وهي إسقاط حكم "حماس"، والقضاء على قدراتها العسكرية، وإعادة الأسرى الإسرائيليين من غزة، ولكن حتى الآن، لم تعلن تحقيق أي من هذه الأهداف، ويزداد القلق في "إسرائيل" مع جهود بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، لتقويض الديمقراطية في فلسطين، ويعاني المواطنون من فقدانات يومية في صفوف الجيش الإسرائيلي، ما يؤثر بشكل جذري على حياتهم اليومية، ويحذر من إمكانية نشوب حرب إقليمية بسبب تصاعد التوتر في الجبهة الشمالية مع حزب الله، ويرى البعض أن ذلك قد يتسع ليشمل مواجهات أكبر، ما يعني أن "إسرائيل" قد تدخل في "حرب استنزاف" حقيقية وقريبة.
وتجدر الإشارة إلى أن الحرب اندلعت بين "إسرائيل" وحركة حماس الفلسطينية في السابع من أكتوبر الماضي، بعد سلسلة من الهجمات التي نفذتها حماس على مناطق وبلدات في غلاف غزة رداً على التصعيد الإسرائيلي، وأسفرت تلك الهجمات عن وفاة حوالي 1200 شخص واختطاف نحو 240 آخرين من قبل حماس، وفقًا للسلطات الإسرائيلية، ردًا على ذلك، قادت تل أبيب حملة قصف متواصلة على القطاع، أسفرت عن جرائم حرب جماعية وفقًا لسلطات القطاع الصحية، كما تسببت الحملة في تدمير البنية التحتية للقطاع وفرض حصار كامل عليه.
وفيما يتعلق بالتقارير الصادرة عن قوات القسام، فإن المقاتلين دمروا بشكل كامل أو جزئي عشرات المدرعات التابعة للجيش الإسرائيلي في مناطق متفرقة من قطاع غزة، كما قتلوا أكثر من 100 جندي إسرائيلي وجرحوا عشرات آخرين، وقد نفذت الكتائب أكثر من 30 عملية أخرى استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي باستخدام الصواريخ المضادة للدروع والأفراد والتحصينات، ما يعني استمرار المقاتلين في التصدي للقوات الإسرائيلية، واستهداف مقر القيادة الميدانية للعدو وقواته وأدواته الحربية بوسائل متنوعة مثل قذائف الهاون والصواريخ قصيرة المدى، وهاجموا مدينة تل أبيب بالصواريخ.
وإذا أرادت حكومة نتنياهو تصعيد الأزمة، فإن القتال في قطاع غزة قد يستمر لمدة شهرين إضافيين، ومن المتوقع أن يستمر التموضع والوضع العسكري داخل القطاع بعد ذلك الحين، وعلى الرغم من المهلة التي حددها الرئيس الأمريكي جو بايدن لإنهاء الحرب بحلول يناير، فإن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى استمرار القتال وعدم وجود وقف لإطلاق النار في المستقبل القريب، وفي الوقت الحالي، يُصعب استنساخ العمليات العسكرية التي نفذتها القوات الإسرائيلية في شمال قطاع غزة على جنوبه، نظرًا لارتفاع كثافة السكان في هذه المنطقة بسبب حركة النزوح إليها، ويجدر بالذكر أن تمديد مدة الحرب لفترة طويلة قد يواجه رفضًا أمريكيًا.
وحلم القضاء على حركة حماس، يتطلب من جيش الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ استراتيجية مشابهة لتلك التي تم تنفيذها في الضفة الغربية خلال عملية "السور الواقي" في إبريل/نيسان 2002، ويجدر بالذكر أن المقاومة الفلسطينية قد فجّرت نحو 100 آلية للقوات الإسرائيلية، ويظهر صمود حركة حماس حتى الآن كرمز للصمود الذي يعتبر تحدياً لأي دولة، ويعكس استخدام تل أبيب للقوة الزائدة في مواجهة الشعب الفلسطيني الصامد، والتصاعد المستمر للهجمات الإسرائيلية، مأساة إنسانية تسببت في استشهاد أعداد كبيرة من المدنيين الأبرياء.
إذاً، بعد فشل الحملة البرية في تحقيق أهدافها المحددة، يبدو أن "إسرائيل" قد تستعد لاعتماد استراتيجيات أخرى في التعامل مع الوضع في قطاع غزة، ويظهر التحضير الضعيف والتخطيط غير الكافي للعمليات العسكرية، ما أدى إلى انتقادات داخلية وتغيّر في الدعم الأمريكي للسياسات الإسرائيلية التقليدية، وبالرغم من ذلك، فشلت "إسرائيل" في حربها على غزة، ما قد يؤدي إلى فقدان الدعم الدولي نتيجة لارتفاع عدد الضحايا والانتقادات المتزايدة، هذا يضع إدارة بايدن أمام تحديات خارجية، مع مواجهة العواقب المتوقعة لتوسع الحرب واستمرار التكلفة المالية وفقدان الدعم الدولي.
ومن المهم أيضًا أن نلاحظ الدعم المتزايد داخل "إسرائيل" لوقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح المحتجزين، وهذا يشير إلى اتجاه نحو حل سلمي للأزمة، وتظهر المعلومات أيضًا تغيّرًا محتملا في الحكومة الإسرائيلية، ما يعكس التوترات الداخلية المتزايدة، فيما تواجه "إسرائيل" تحديات كبيرة بسبب فشلها في الحرب على غزة، ولن تستطيع تفادي تصعيد الوضع وزيادة التكاليف البشرية والاقتصادية والسياسية، وخاصة بعد ما حدث في محكمة العدل.