الوقت - خسائر الفلسطينيين بعد مئة يوم من الحرب تجاوزت حدود المنطق، على مختلف المستويات البشرية، والاقتصادية، والبنية التحتية، وعلى مستوى إنسانية الإنسان بشكل عام والتي انتهكها كيان الاحتلال بإجرامه الذي لم يُسجَل له مثيل، ومن جهة ثانية لا يخفى على أحد حجم الخسائر التي مني بها كيان الاحتلال خلال عملية طوفان الأقصى، رغم التعتيم الشديد من جهته على تلك الخسائر.
الكيان الخاسر
إن الحرب التي يخوضها كيان الاحتلال على قطاع غزة هي الأعلى تكلفة وخسارة في تاريخه حتى الآن، وقد تصل تكلفتها في الربع الأول من 2024 فقط 37 مليار دولار، إذ إنه لا يفصح بشكل رسمي عن حجم الخسائر والمدفوعات.
فأول جوانب الخسائر كان العنصر البشري، فقد سُجلت خسائر في صفوف قوات الاحتلال، تقدر بنحو 500 عنصر، ولا يزال 132 أسيراً إسرائيلياً محتجزين في غزة.
ومن جهة ثانية كانت أهم خسائر الكيان وأكثرها وضوحاً في الجانب الاقتصادي، إذ رجح بنك "جي بي مورغان" الأمريكي، في آخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن ينكمش اقتصاد الكيان الإسرائيلي بنسبة 11% على أساس سنوي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2023.
وأكدت وزارة المالية في كيان الاحتلال مؤخرًا توقعات البنك الأمريكي، وقالت إن الكيان سجل عجزا في الميزانية بلغ 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي في 2023 مقارنة بفائض قدره 0.6% في عام 2022، عازية الأمر إلى زيادة الإنفاق الحكومي لتمويل الحرب، إذ بلغ العجز عن العام كاملا 18.5 مليار دولار.
وقدر محافظ بنك "إسرائيل" المركزي تكلفة الحرب على غزة بنحو 210 مليارات شيكل (56 مليار دولار) للدفاع والتعويضات للذين نزحوا من بيوتهم في الجنوب، بسبب عمليات المقاومة الفلسطينية أو الشمال بسبب الصواريخ التي تستهدفهم من لبنان.
وكذلك وصلت الخسائر إلى قطاع الزراعة، حيث يسمي كيان الاحتلال المنطقة المحيطة بقطاع غزة باسم "رقعة الخضار الإسرائيلية"، إذ يقول عنها رئيس اتحاد المزارعين في الكيان: "إن 75% من الخضراوات المستهلكة في إسرائيل تأتي من غلاف غزة، إضافة إلى 20% من الفاكهة، و6.5% من الحليب"، وتحوي مزارع للدواجن والماشية، إلى جانب مزارع للأسماك، ومع تعرض هذه المنطقة لهجمات المقاومة الفلسطينية، بدأ التهديد يطال الأمن الغذائي للكيان.
وانتشرت حالة البطالة في الكيان على نطاق واسع، فمنذ بداية الحرب وحتى ديسمبر/كانون الأول الماضي، قدم 191 ألفا و666 شخصًا في الكيان طلبات للحصول على إعانات بطالة، فيما استدعت المؤسسة العسكرية نحو 360 ألفا من جنود الاحتياط، وهو أكبر استدعاء منذ حرب عام 1973.
كما ارتفع معدل البطالة في الكيان إلى 9.6% في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعد نزوح عشرات آلاف الإسرائيليين ممن كانوا يعيشون بالقرب من الحدود مع غزة، وفق بيانات رسمية للكيان، وبلغ عدد العاطلين عن العمل 428 ألفا و400 شخص، كما أعلنت وزارة العمل في كيان الاحتلال أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أن نحو 46 ألف عامل إسرائيلي تم تسريحهم منذ اندلاع الحرب إلى ذلك الحين.
إضافة إلى أن مطار بن غوريون أعلن إخراج 600 موظف في إجازة غير مدفوعة، وتقليص مهام وظيفة ألف عامل آخر إلى 75% في 17 ديسمبر/كانون الأول الماضي جراء الأزمة المالية التي يتعرض لها الكيان.
وقد قدّرت سلطات كيان الاحتلال الإسرائيلي أن ثمة حاجة ماسة ومستعجلة لأكثر من 100 ألف عامل إثر منع أكثر من 140 ألف فلسطيني من دخول المناطق داخل الخط الأخضر وهروب العمال من جنسيات أخرى واستدعاء أكثر من 300 ألف جندي احتياط.
النصر الإسرائيلي لن يتحقق
تؤكد المصادر جميعها بما فيها المصادر التابعة لمحور المقاومة فداحة الخسائر الإسرائيلية، وبالتالي الفشل الذي مني به الكيان نتيجة اتساع الهوة بين المراد الصهيوني والنتائج، فأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، في كلمة له في ذكرى وفاة القيادي في الحزب وسام حسن طويل يقول: إن "إسرائيل غارقة في الفشل وهي في حفرة عميقة بتأكيد محلليها، ولم تصل إلى أي نصر، وهي لم تحقق أيا من أهدافها المعلنة وغير المعلنة وذلك بإجماع الإسرائيليين أنفسهم".
وأوضح السيد نصر الله أن "إسرائيل تُخفي عدد القتلى والمصابين جرّاء القصف الذي يشنّه حزب الله وفصائل فلسطينية على شمال "إسرائيل"، مشيراً إلى قصف شنّه حزب الله مؤخراً على قاعدة ميرون العسكرية الإسرائيلية قرب الحدود مع لبنان، وقال إن هناك "إصابات بشرية في القاعدة، لكن الجيش الإسرائيلي يتكتم على قتلاه وجرحاه وخسائره وهزائمه؛ لأن ذلك سيؤدي إلى إحباط معنوي كبير، باعتراف الإعلام الإسرائيلي"، ومضيفاً إن "خسائر الاحتلال تزيد من إرباكه، وآخرها الكشف عن 4000 معوق في صفوف جيشه خلال مئة يوم والعدد قد يصل إلى 30 ألفا".
الدكتور مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، يقول في لقاء مع "القدس العربي" : العدوان على قطاع غزة، فشل فشلاً ذريعاً، فالاحتلال فشل في تحقيق أربعة أهداف رئيسية، وهي، الأول: التطهير العرقي لكل قطاع غزة، وهذا هو العمود الفقري للهدف الرئيسي للعدوان، والهدف الثاني: وهو اقتلاع المقاومة، وأيضاً فشل فشلاً ذريعاً، والهدف الثالث: كان فرض هيمنة واحتلال الجيش، والسيطرة على المناطق التي دخلتها الدبابات، والهدف الرابع: هو استرداد الأسرى، وأيضاً عجزوا في ذلك.
نائب رئيس حركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، قال أمام مؤتمر "الحرية لفلسطين"، الذي يقام بتنظيم من مؤسسة القدس الدولية، والمنتدى العالمي للوسطية، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والمركز العربي الدولي للتواصل والتضامن، ومنتدى كوالالمبور للفكر والحضارة: "ما يؤثر في الحرب هو الموقف الأمريكي الذي بدوره يسعى لعدم تمدد الحرب في المنطقة، والموقف الإسرائيلي يتأثر بالخسائر في الميدان والأسرى، وإذا توصّلنا لوقف إطلاق النار والسلاح بيد المقاومة فهو نصر استراتيجي للمنطقة كلها وهزيمة غير مسبوقة لإسرائيل".
ويبدو أن هذا مآل الأحداث في قادم الأيام، فلا استسلام فلسطينياً، ولا نصر إسرائيلياً منجزاً، وربما تطول هذه الحرب الإجرامية، لكنها ستزيد حجم الخسائر الإسرائيلية لتصل إلى حدود غير مسبوقة، ولا عهد للاحتلال بها، وبالتالي نحن أمام اختلال لموازين القوى في الصراع، وفرض معادلات جديدة، وأنماط اشتباك مناسبة للوضع الذي استجد، وهو وجود المقاومة وجوداً فاعلا في الساحة الفلسطينية، رغم أنف الاحتلال الذي سيفشل حتماً في القضاء على المد الفلسطيني المقاوم.