الوقت - في الأشهر الثلاثة الماضية، حيث تأثرت الحرب في أوكرانيا بأحداث غزة، وتحوّل تركيز وسائل الإعلام الدولية من أوروبا الشرقية إلى قطاع غزة، لم تشهد ساحة المعركة تغييرًا كبيرًا، وفي ضوء عجز کييف في الحصول على إنجاز يذکر في الهجوم المضاد المزعوم، فإن الجمود ساد ميادین القتال.
شتاء الحرب الساخن
ومع ذلك، فإن الهجمات الروسية الواسعة والمفاجئة بالصواريخ والطائرات دون طيار في عمق أراضي أوكرانيا، والتي رافقتها خسائر، جذبت الانتباه مرةً أخرى إلى الحرب في شتاء شرق أوكرانيا البارد، حيث تعطي الأحداث علامات تراجع کييف في المناطق المستردة خلال الهجوم المضاد الصيفي، بعد تباطؤ المساعدات العسكرية لحلف الناتو.
ويبدو أن الروس الذين يعتبرون البرد تاريخياً الحليف الرئيسي للانتصارات العظيمة على الأعداء العنيدين مثل نابليون والجيش الألماني النازي، مع بدء الضربات الجوية في الأيام الأولى من الشتاء، أرادوا الرد بقوة على تهديدات زيلينسكي، الذي قال يوم الاثنين الماضي بعد إعلان نجاح إسقاط ثلاث طائرات مقاتلة وسفينة روسية تدعى "نوفوتشركاسك"، إن "عيد الميلاد هذا العام يهيئ المزاج المناسب للعام المقبل بأكمله".
ويقال إن الضربات الأخيرة، التي وصفتها وسائل الإعلام بأنها الضربات الجوية الروسية الأكثر كثافةً في عمق أوكرانيا خلال 22 شهرًا منذ الحرب، أدت إلى مقتل وإصابة حوالي 200 شخص، وهو عدد غير مسبوق من الضحايا في يوم واحد من الحرب في الأشهر الأخيرة.
وأعلنت القوات الجوية الأوكرانية أن الجيش أسقط 21 طائرة من أصل 49 طائرة دون طيار أطلقتها روسيا، وقال البيان إن معظمها استهدف الخطوط الأمامية، وأجزاء من مناطق خاركيف وخيرسون وميكوليف وزابوريزهيا.
في المقابل، هاجمت القوات الأوكرانية، السبت الماضي، مدينة بيلغورود بعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي الروسية، بالقذائف الصاروخية، وحسب السلطات الروسية، فقد أسفرت هذه الهجمات عن مقتل ما لا يقل عن 22 مدنياً، بينهم طفلان، وإصابة 100 آخرين، بينهم 15 طفلاً.
وأعلن مسؤولون في الاتحاد الروسي أيضًا عن هجمات منفصلة شنتها طائرات دون طيار أوكرانية في عدة مناطق من الاتحاد الروسي، و في غضون ذلك، أعلنت السلطات الأوكرانية عن هجمات جديدة بطائرات مسيرة روسية في منطقة خيرسون ليلاً، وهي أحداث تعد بأسابيع ساخنة.
تزايد الضحايا المدنيين
في غضون ذلك، أدى مقتل وإصابة مدنيين في الهجمات المضادة في الأيام الأخيرة، إلى تبادل الاتهامات بين الجانبين بارتكاب أعمال إرهابية.
حيث وصف مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، الهجمات بأنها "عمل إرهابي مخطط له مسبقاً ضد المدنيين" في كلمة له، وقال إن الداعمين الغربيين لكييف مسؤولون أيضًا عن هذه المذبحة، وطلب عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن.
وقال هذا الدبلوماسي الروسي: "الغرب متواطئ في جرائم هذه العصابة التي تسيطر على السلطة في كييف، ونحن نعلم أن المستشارين البريطانيين والأمريكيين كانوا متورطين بشكل مباشر في تنظيم هذا العمل الإرهابي"، وحذّر من معاقبة "منظمي ومنفذي" هذه الهجمات.
وأوضح نيبينزيا في اجتماع مجلس الأمن يوم الجمعة الماضي أن الناس يقتلون في كييف والمدن الأوكرانية الأخرى بسبب عدم فعالية الدفاعات الجوية الأوكرانية، كما اتهم أوكرانيا بتركيب صواريخ مضادة للطائرات في المناطق السكنية.
هذه الاتهامات رفضها الجانب الأوكراني والغربيون، واتهموا روسيا بتنفيذ هجمات عمياء على المدن، ووصف ممثل الولايات المتحدة في مجلس الأمن بوتين بأنه "المسؤول الوحيد عن هذه الخسائر التي لا معنى لها"، وشدد قائلاً: "هذه حرب من اختياره، وطالما ظلت موسكو موجودةً، فإن واشنطن ستدعم جهود أوكرانيا للدفاع عن نفسها".
منذ بداية الحرب، قدمت الدول الغربية وحلف شمال الأطلسي مليارات الدولارات على شكل أسلحة ومعدات ومساعدات أخرى لكييف، وفي وقت سابق من هذا الشهر، خلال زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للولايات المتحدة، قال إن "واشنطن قدمت لكييف ما مجموعه 34 حزمة مساعدات عسكرية، تبلغ قيمتها أكثر من 24 مليار دولار في عام 2023".
وبالإضافة إلى مليارات الدولارات من المساعدات التي أرسلتها واشنطن في العامين الماضيين، ضمن الميزانية العسكرية المذهلة وغير المسبوقة البالغة 886 مليار دولار في العام المقبل، خصّص البيت الأبيض مساهمةً خاصةً لإرسال أسلحة إلى أوكرانيا.
وفي هذا الإطار، أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، صباح الخميس الماضي وفي الأيام الأخيرة من عام 2023، عن حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 250 مليون دولار لأوكرانيا.
وفي إشارة إلی أن هذه هي الحزمة الأخيرة من المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا لهذا العام، قال بلينكن إنها تشمل ذخائر دفاع جوي وقذائف مدفعية وذخيرة من نظام "هيمارس".
حاليًا، تتضمن الميزانية العسكرية الأمريكية 300 مليون دولار للبنتاغون لمواصلة تسليح الجيش الأوكراني، وهو أقل بكثير من مبلغ 61 مليار دولار الذي طلبه بايدن من الكونغرس.
وقال الجمهوريون في الكونغرس إنهم سيوافقون على مساعدة أوكرانيا، إذا أعطى الديمقراطيون الضوء الأخضر لتشديد قوانين الهجرة.
بايدن يذرف دموع التماسيح.. تفضيل الأوكرانيين ذوي العيون الزرقاء على أطفال غزة
قوبلت الضربات الجوية الروسية الأخيرة على أوكرانيا، برد سريع من مسؤولي البيت الأبيض، ليظهر أن القادة الأمريكيين، رغم تركيزهم على الوضع الفوضوي الذي يعيشه الکيان الصهيوني هذه الأيام في حرب غزة، لا يفوتون أي فرصة لتشويه صورة موسكو؛ وهي القضية التي کشفت أن المفاهيم الإنسانية هي لعبة بيد قادة الولايات المتحدة، الأمر الذي فضح بايدن في مواجهة الانتقادات العالمية.
ففي بيان صدر الجمعة الماضي، زعم بايدن أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "يسعى إلى تدمير أوكرانيا وإخضاع شعبها، ويجب إيقافه".
مع أن قتل المدنيين في أي حرب يتعارض مع المعايير الدولية فيما يتعلق بمراعاة الحقوق الإنسانية في الحروب، وبالتالي فهو أمر غير أخلاقي ومدان من قبل أي جماعة أو حكومة، ومع ذلك فإن دموع التماسيح التي يذرفها الرئيس الأمريكي لشعب أوكرانيا، تشكل مفارقةً مريرةً في خضم المذبحة الوحشية والإبادة الجماعية التي يقوم بها الصهاينة أمام العالم أجمع في الأشهر الثلاثة الماضية، وهو ما يجعل من السخرية التفكير للحظة في وجود ذرة من القيمة والاهتمام بحياة الأبرياء في تصريحات بايدن.
لقد قُتل أكثر من 21 ألف شخص، معظمهم من الأطفال والنساء، في أقل من ثلاثة أشهر في منطقة صغيرة ومحاصرة، وأصيب مئات الآلاف من الأشخاص بإصابات وإعاقة، وكل يوم يتزايد عدد هذه الإحصائيات الرهيبة.
کذلك، تم تهجير معظم سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة من منازلهم بسبب برد الشتاء، ودُمرت البنية التحتية الصحية بالكامل، وتم إطلاق الإنذار الأحمر بحدوث كارثة غذائية وصحية.
أيضًا، تم تدمير 85% من المباني السكنية، والصهاينة يمنعون بقسوة المساعدات الإنسانية الدولية من الوصول إلى السكان المدنيين المحتاجين لهذه المساعدات، وكل هذه الجرائم تحدث بدعم كامل من البيت الأبيض، وبايدن نفسه.
وبالإضافة إلى المساعدات العسكرية والتواطؤ الكامل في الحرب من قبل الصهاينة ضد المدنيين في غزة، فإن واشنطن، باستخدام أو التهديد باستخدام حق النقض، منعت مراراً وتكراراً الموافقة على القرارات التي اقترحها أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لوقف الحرب.
وفي الحالة الأخيرة، عارضت الولايات المتحدة مشروع قرار يدعو إلى "وقف فوري ودائم للأعمال العدائية"، ولم تستخدم حق النقض ضده إلا عندما تأكدت أن القرار لن يوقف آلة القتل للکيان الصهيوني، ويدعو فقط إلى اقتراح بسيط لتعزيز المساعدات لسكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.
وتأتي هذه النزعة الأحادية الأمريكية، على الرغم من أن الجمعية العامة للأمم المتحدة دعت في منتصف الشهر الماضي (ديسمبر)، إلى وقف إطلاق نار "إنساني" بأغلبية 153 صوتاً من أصل 193 دولة.
وبطبيعة الحال، فإن هذه المعايير المزدوجة فيما يتعلق بحقوق الإنسان وأهمية حياة المدنيين، لا تقتصر على الوقت الحالي، ولا تشمل فقط بايدن أو السياسيين الأمريكيين والغربيين.
ففي بداية الحرب الأوكرانية، كشفت التقارير حول كيفية تغطية وسائل الإعلام الأمريكية لموجة اللاجئين الأوكرانيين، عن العنصرية التي تغلغلت في قلب النظام الحاكم في الولايات المتحدة، حيث قال مراسلو وسائل إعلام غربية بارزة "هؤلاء ليسوا لاجئين سوريين؛ وهم نصارى، زرق العيون، شقر الشعر، بيض الوجوه، وأمثالنا".
تأتي هذه العنصرية الممنهجة والمعايير المزدوجة لحقوق الإنسان، التي انكشفت أمام العالم بالكامل، بينما أعلن الرأي العام وعدد كبير من الشعب الأمريكي في الأشهر الثلاثة الماضية، من خلال تنظيم مظاهرات في الشوارع لدعم الشعب الفلسطيني، معارضتهم الكاملة لدعم حكومتهم لوحشية الصهاينة في غزة.
واليوم أيضًا، تظهر استطلاعات الرأي أن الدعم الشعبي للاستمرار في إنفاق أموال دافعي الضرائب الأمريكيين على الدعم المالي والعسكري لأوكرانيا أو الکيان الصهيوني، قد تضاءل إلى حد كبير.