الوقت- على الرغم من أن الحرب التي تشنها "إسرائيل" على قطاع غزة تدخل شهرها الثالث، إلا أن تأثيراتها تمتد أيضًا إلى أماكن أخرى، حيث تلقي بظلالها على احتفالات عيد الميلاد في مدينة بيت لحم بالضفة الغربية، وتم اتخاذ قرار باتخاذ خطوة غير تقليدية هذا العام، إذ تم رفض إضاءة شجرة الميلاد الرمزية في ساحة كنيسة المهد، وبدلاً من ذلك، تم تجسيد رمزي للدمار الذي أصاب القطاع، وقد قام الفنان الفلسطيني طارق سلع بتصميم مجسم فريد يمثل مغارة الميلاد وسط منزل مدمر، وقد أطلق عليه اسم "الميلاد تحت الأنقاض"، يعد هذا التصميم إشارة رمزية للدمار الذي يعيشه قطاع غزة نتيجة للهجمات الإسرائيلية المستمرة، يظهر المجسم أيضًا تماثيل تجسد عائلة فلسطينية في وقت النكبة، مسلطاً الضوء على الظروف الصعبة التي يواجهها السكان هناك، وشهدت ساحة كنيسة المهد في بيت لحم لحظات مؤثرة حيث تمت إضاءة الشموع وإقامة الصلوات، بحضور جمع من رجال الدين والمسؤولين، إلى جانب أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى السلطة الفلسطينية وشركاء المجتمع المحلي.
غزة حاضرة بقوة
في حديثه خلال حفل افتتاح العمل الفني، أعرب حنا حنانيا، رئيس بلدية بيت لحم، عن رؤيته لهذا الإبداع الفني قائلاً: "هنا غزة حاضرة، فالمغارة ليست عادية، إنها تظهر مدمرة بفعل القصف، بين جدرانها، تحتضن العائلة المقدسة من خلال شكلها الذي يمثل خريطة غزة، وتعكس مأساة الأطفال الذين ارتقوا شهداء، حيث يظهرون كالملائكة الذين ينظرون إلينا من السماء"، أشار إلى ذلك قائلاً: "إن ضوء المغارة هنا خافت جداً بسبب القصف والموت، وفي الوسط، تحتضن مريم العذراء الطفل يسوع، معلنة عن الحياة الجديدة للبشرية جمعاء"، وأكمل تصريحه بالقول: "تحمل هذه السنة طابعًا استثنائيًا، إذ يحل عيد الميلاد المجيد في ظل ظروف صعبة للغاية، حيث فقدنا الآلاف من الأرواح بين شهداء وجرحى، وتم تشريد المواطنين في غزة".
وأضاف: "لأول مرة، لا تضيء شجرة الميلاد في بيت لحم، ولن تكون الشوارع مزينة بالأنوار، حيث ستقتصر احتفالات العيد على الشعائر الدينية فقط، وذلك يعتبر التزامًا أخلاقيًا ووطنيًا، حيث يعيش الناس تحت وطأة الألم، وتمنعهم تداعيات الدم والدمار من أي فرصة للفرح"، وكان يعتاد سكان مدينة بيت لحم على انطلاق احتفالات عيد الميلاد بإضاءة شجرة متميزة توضع في ساحة الكنيسة، والتي يبلغ ارتفاعها ثمانية أمتار وتتزين بالمصابيح.
وفي كلمتها خلال حفل إضاءة المغارة، قالت رولا معايعة، وزيرة السياحة والآثار: "في حين يحتفل العالم بعيد الميلاد المجيد، تظل مدينة الميلاد هنا حزينة وكئيبة ومتألمة، فأطفالها وشبابها ونساؤها ورجالها يعيشون في حالة من الخوف والحزن والألم بسبب الأحداث الجارية، وهم يعيشون في حالة من عدم اليقين حيال مستقبلهم"، وأضافت: "مدينة المهد، كغيرها من المدن الفلسطينية، تظل محاصرة بشكل كامل، حيث أصبحت مغلقة وحزينة، حيث يصعب على أي شخص الوصول إليها أو الخروج منها، يعيش أهلها وشعبها دون عمل ودون أمل، نتيجةً لتعطل وتوقف حركة السياحة التي كانت تشكل عصب اقتصاد المدينة".
وفيما يتعلق بشكل محدد بإحياء الشعائر الدينية في أعياد الميلاد، صرح جورج قنواتي، قائد مجموعة كشافة تراسنطة، المجموعة المنظمة لإحياء الفعاليات، بأن أربع مجموعات ستشارك وتتقدم في موكب البطريرك، وسيكون عدد الكشافين في الموكب حوالي 200 كشاف، وأوضح جورج أن أفراد الكشافة سيقومون برفع العلم الفلسطيني خلال الموكب، وسيحملون يافطات مكتوب عليها بلغات مختلفة عبارات تندد بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتُقام الاحتفالات للطوائف المسيحية التي تعتمد التقويم الغربي في اليوم 25 من ديسمبر/كانون الأول الحالي، في حين تحتفل الطوائف التي تتبع التقويم الشرقي في اليوم 7 من يناير/كانون الثاني المقبل.
حملة إسرائيلية مدمرة
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يشن الجيش الإسرائيلي حملة عسكرية مدمرة على قطاع غزة، حيث أسفرت عن وفاة أكثر من 20 ألف شخص، وأصيب أكثر من 53 ألفاً آخرين، ومعظمهم من الأطفال والنساء، هذه الحملة أدت أيضًا إلى تدمير هائل في البنية التحتية وتسببت في كارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقًا للسلطات القطاعية وتقارير الأمم المتحدة، وأحيا مسيحيون في قطاع غزة ليلة عيد الميلاد في كنيسة العائلة المقدسة بمجمع دير اللاتين وسط مدينة غزة، وسجل الصحفي إسماعيل الغول، أجواء الحزن التي سيطرت على الكنيسة، وقد غابت مظاهر الاحتفال بسبب استمرار الحرب الإسرائيلية على القطاع، حيث تأثرت المناسبة بالظروف الصعبة التي يمر بها السكان في هذه المنطقة.
وأشادت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) اليوم الأحد بموقف مسيحيي فلسطين الذين اختاروا اقتصار احتفالاتهم بعيد الميلاد هذا العام على الشعائر الدينية، وذلك نظرًا للعدوان الإسرائيلي الغاشم الذي يعاني منه قطاع غزة، وجاء هذا التصريح في بيان نشرته الحركة عبر منصة تليغرام، ردًا على قرار مسيحيي فلسطين الامتناع عن الاحتفال بعيد الميلاد والتضامن مع قطاع غزة الذي يواجه عدوانًا إسرائيليًا مدمرًا منذ أكثر من شهرين، وأشارت الحركة إلى أن أعياد أبناء شعبها المسيحيين تأتي هذا العام في ظل عدوان مستمر وفاشي ينفذه الاحتلال الإسرائيلي على جميع جوانب الحياة لدى الشعب الفلسطيني، حيث يستهدف كل مقدساته ومساجده وكنائسه.
وأضافت الحركة: "نثمّن الموقف الفاضل لمسيحيي شعبنا الفلسطيني الوطني، الذين اقتصروا في احتفالاتهم هذا العام على إقامة الشعائر الدينية والوقوف كجسم واحد مع شعبنا في قطاع غزة، الذي يتعرض لعدوان صهيوني غاشم"، وأشارت إلى أنه قرار مسيحي فلسطيني يؤكد على وحدة الشعب الفلسطيني بجميع مكوناته، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، والتمسك بالصمود على أرضهم والحفاظ على هويتهم، وحماية مقدساتهم الإسلامية والمسيحية.
وتُقام الاحتفالات للطوائف المسيحية التي تعتمد التقويم الغربي في اليوم 25 من ديسمبر/كانون الأول من كل عام، بينما تحتفل الطوائف التي تعتمد التقويم الشرقي في اليوم 7 من يناير/كانون الثاني في كل عام، وكانت الطوائف المسيحية في الأراضي الفلسطينية قد أعلنت قبل أيام إلغاء جميع الاحتفالات بأعياد الميلاد، بما في ذلك عدم إضاءة شجرة الميلاد للمرة الأولى في تاريخ فلسطين منذ نكبة عام 1948، وذلك نتيجة للحرب الجارية في قطاع غزة، جاء هذا القرار كرسالة تضامن من رؤساء الكنائس المسيحية، حيث تم استبدال الاحتفالات التقليدية بمجسم يعكس حجم الدمار الذي لحق بقطاع غزة، وسكان مدينة بيت لحم اعتادوا في السنوات السابقة أن تبدأ احتفالات عيد الميلاد بإضاءة شجرة كبيرة يتم وضعها في ساحة الكنيسة، حيث تصل إلى ارتفاع 8 أمتار وتُزيَّن بالمصابيح، وكيف سيحتفل الفلسطينيون ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يشن الجيش الإسرائيلي حملة عسكرية مدمرة على قطاع غزة، أسفرت حتى الآن عن وفاة 20,424 شخصًا وإصابة 54,036 آخرين، ومعظمهم من الأطفال والنساء، كما تسببت هذه الحملة في دمار هائل للبنية التحتية وأحدثت كارثة إنسانية غير مسبوقة في المنطقة.