الوقت- يقترب عام 2023 من نهايته بالنسبة للعراقيين، فيما شهد هذا البلد الأسبوع الماضي أحد أهم الأحداث السياسية لهذا العام، وأجريت انتخابات مجالس المحافظات في 15 محافظة من أصل 18 محافظة في العراق.
وأجريت هذه الجولة من انتخابات المحافظات بعد توقف دام 10 سنوات وللمرة الأولى منذ انتخابات 2013، حيث تم حل مجالس المحافظات عام 2017 في عهد حكومة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.
وكانت هذه الانتخابات قد حظيت باهتمام المواطنين العراقيين والحكومة والأحزاب والتيارات السياسية منذ أشهر، ما أظهر أهمية نتائجها وحساسيتها العالية.
وتتمتع مجالس المحافظات بالصلاحيات التي أقرها الدستور العراقي لعام 2005، وأهمها انتخاب المحافظ والمسؤولين التنفيذيين في المحافظات ورؤساء الدوائر، وصلاحية إقالتهم، وإصدار القوانين المحلية (على ألا تتعارض مع القوانين الاتحادية)، والموافقة على المشاريع الخدمية، وذلك على أساس الميزانية المالية المخصصة للمحافظة من قبل الحكومة المركزية، وتعتبر هذه المجالس هي السلطات التشريعية والإشرافية في كل محافظة، ولا تخضع لرقابة أو إشراف أي وزارة أو منظمة غير حكومية.
وفي هذه الجولة من الانتخابات المحلية، بلغ عدد الائتلافات والقوائم السياسية 134، وبلغ إجمالي عدد المرشحين 5898، والتي انتهت بنسبة مشاركة بلغت 41% لنحو 16 مليون مواطن مؤهل.
وتشير الأرقام التي أعلنتها لجنة الانتخابات إلى انخفاض نسبة المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات مقارنة بعام 2013 (بنسبة مشاركة 51 بالمئة) وانتخابات 2021 (بنسبة مشاركة 44 بالمئة).
لكن بما أن الانتخابات تعتبر دائما أهم وأسهل وسيلة لقياس مستوى الأحزاب والتيارات في مجال المنافسة السياسية، فإن نظرة على النتائج التي تم الحصول عليها من هذه الجولة من الانتخابات يمكن أن تكون دليلا لآخر ترتيب سياسي في السلطة قبل الانتخابات البرلمانية المبكرة، وهو ما التزمت به حكومة السوداني، ومن ناحية أخرى، فإن نتائج هذه الانتخابات يمكن أن ترسم خريطة طريق مهمة لمستقبل التحالفات السياسية، ما يمهد الطريق لانتخابات مجلس النواب المقبلة.
مفاجأة الحلبوسي والقوى الشيعية
رافق إعلان نتائج هذه الجولة من الانتخابات بعض المفاجآت، كان أبرزها فوز حزب تقدم بزعامة رئيس مجلس النواب العراقي السابق محمد الحلبوسي، الذي تمت تنحيته الشهر الماضي بقرار من المحكمة العليا وعلى إثر شكوى أحد النواب بتهمة الإخلال بالواجبات القانونية وتزوير توقيعات الجهات القضائية، وعزله من منصبه.
ولذلك، يبدو أن النتائج الأولية للانتخابات تعتبر صادمة بالدرجة الأولى لمعارضي رئيس البرلمان المعزول، لأن حزبه تمكن من الفوز بأكبر عدد من المقاعد في دائرة المناطق السنية.
ومن أنجح القوائم الانتخابية التي تمكنت من الفوز بأكبر عدد من المقاعد في المجالس، هي قوائم حزب تقدم بزعامة الحلبوسي، وائتلاف “نبني” الذي يضم الفروع السياسية لأغلب الأحزاب الشيعية وإئتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق.
وجاء حزب "تقدم" برئاسة رئيس مجلس النواب المعزول في بغداد في المركز الأول بحصوله على أكثر من 132 ألف صوت، يليه حزب "ائتلاف نبني" بـ 131 ألف صوت، ثم ائتلاف "دولة القانون" بـ 130 ألف صوت، إذ حصلوا على المركزين الثاني والثالث، ونتيجة لذلك، حصلت الأحزاب الثلاثة على 9 مقاعد في مجلس محافظ بغداد، لكن في المجمل، أصبح ائتلاف إطار التنسيق الشيعي متصدرا في الانتخابات الأخيرة بثلاث قوائم انتخابية وعزز قوته في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 43 مليون نسمة بفوزه في الانتخابات المحلية.
في هذه الأثناء، من المهم الإشارة إلى أن الانتصار الحاسم الذي حققه الحلبوسي قد شكل بالتأكيد تحدياً خطيراً للقوى السنية التقليدية في استعادة موقعها في المناطق السنية، حيث تعتمد الانتخابات المحلية بشكل أساسي على الولاء والانتماءات القبلية والمصالح الفئوية.
وحصل حزب الحلبوسي في محافظة الأنبار قاعدة العرب السنة في العراق على 12 مقعدا من أصل 16، وفي بغداد عاصمة البلاد حصل على المركز الأول بـ 9 مقاعد من أصل 49، متجاوزا "حزب الجماهير الوطنية" بقيادة أحمد الجبوري وائتلاف "العزم" بزعامة مثنى السامرائي وائتلاف "العزم" بزعامة ثابت العباسي وزير الدفاع.
ويرى الخبراء أن انتخابات مجالس المحافظات أظهرت الحلبوسي كـ”زعيم” العرب السنة بلا منازع، رغم توقع إبعاده عن المشهد السياسي العراقي لبعض الوقت بعد إقالته من منصب رئيس البرلمان من قبل المحكمة الاتحادية وبعض الشخصيات البارزة من زعماء السنة من حوله.
زيادة مشاركة الشباب
ومن الأمور المهمة الأخرى بالتأكيد الرفض الواسع لطلب التيار الصدري مقاطعة الانتخابات، إذ يُظهر مستوى المشاركة الشعبية فارقاً بسيطاً جداً بين المشاركين مقارنة بالانتخابات النيابية لعام 2022.
ومع استقالة 73 نائبا من ائتلاف سائرون في يونيو/حزيران 2022، انسحب مقتدى زعيم التيار الصدري من العملية السياسية، وأعلن انسحابه من الساحة السياسية إلى الأبد، لكن قيادات التيار الصدري أطلقت حملة مقاطعة لعدم المشاركة في الانتخابات، بهدف التشكيك في شرعية نتائج الانتخابات والحد من الإقبال على انتخابات مجالس المحافظات.
والآن مع المشاركة غير البارزة في للانتخابات، بالرغم من دعم المرجعية العليا لشيعة النجف لإجراء الانتخابات المحلية، والذي رافقه فوز فصائل ائتلاف إطار التنسيق الشيعي باعتباره الحاكم الحالي، أكد عمليا وجهة نظر الشعب والرأي العام حول أداء الحكومة.
وفي حين خسر التيار الصدري منصب محافظ ميسان والنجف نتيجة مقاطعة الانتخابات، فازت قوى إطار التنسيق في محافظة ميسان مع تقدم عصائب أهل الحق، ومن المتوقع أن تفوز قوى إطار التنسيق والتي حققت نتائج قوية في النجف أيضاً وتمكنوا من المنافسة على منصب المحافظ هناك.
من ناحية أخرى، ونظراً لكون انتخابات مجالس المحافظات في العراق هي بوابة الدخول إلى البرلمان، فقد أظهرت الانتخابات الأخيرة زيادة في رغبة الشباب والفئات الناشئة في المشاركة في العملية السياسية، إضافة إلى تفضيلهم للديمقراطية، هذا وتستخدم الأحزاب والحركات التقليدية قوى جديدة مع تزايد عدد المهنيين والشباب كمرشحين للانتخابات لجعل ممثلي الأحزاب الرئيسية في البرلمان أكثر دراية باحتياجات المجتمعات المحلية والاستثمار في المشاريع الإنتاجية الصغيرة والتوظيف وما إلى ذلك.
النجاح الكردي في كركوك
ومن القضايا المهمة الأخرى في الانتخابات الأخيرة نجاح إجراء الانتخابات في محافظة كركوك بعد نحو عقدين من الزمن، والتي سجلت أعلى نسبة مشاركة بنسبة 66%.
ولطالما كانت محافظة كركوك الغنية بالنفط، التي يسكنها خليط من الأكراد والعرب والتركمان، محل نزاع بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان التي تتمتع بحكم شبه ذاتي في شمال البلاد، وأجريت أول انتخابات في كركوك عام 2005، ومنذ ذلك الحين لم يتم إجراء انتخابات مجالس في هذه المحافظة.
وفي الانتخابات الأخيرة، حصل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني على أكبر عدد من الأصوات، فيما جاء الائتلاف العربي بزعامة المحافظ الحالي راكان الجبوري في المركز الثاني، وجاءت قائمة الأحزاب التركمانية في المركز الثالث، وجاء الحزب الديمقراطي الكردستاني في المركز الرابع.
وأخيرا، من الواضح أن الانتخابات المحلية لمجالس المحافظات لم تحدث تغييرا كبيرا في الخريطة السياسية لتفاعلات القوى الشيعية والسنية الرئيسية في العراق، لأن هذه القوى تمكنت من الحفاظ على ثقلها الانتخابي في المحافظات دون تغييرات واسعة النطاق.