الوقت- خلال الأربعاء والخميس من هذا الأسبوع، دارت معركة دبلوماسية متوترة بين وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بني غفير، والحكومة الأردنية، يعود سبب هذا التوتر إلى ترخيص بني غفير لمسيرة نظمها متطرفون من حركة "حرّاس المعبد اليهودي"، الذين يهدفون للتأثير على طاقم الأوقاف المسؤول عن الشؤون والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وتم الكشف عن اتصالات دبلوماسية تتضمن لهجة أردنية قاسية وتهديدات مباشرة للإسرائيليين، بما في ذلك تحذير من أي اعتداء أو احتكاك محتمل مع طاقم الأوقاف الأردني، الذي يتألف من أكثر من 400 حارس وموظف، وخلف الستار وفي الكواليس، كانت المواجهة الدبلوماسية تتكشف، حيث كانت خطة وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، تستهدف السماح لمتطرفين من حركة "حرّاس المعبد اليهودي" بطرد طاقم الأوقاف الأردني من المسجد الأقصى، وفتح جميع أبوابه أمام اليهود بهدف تدنيسه.
استفزاز خطير للأردن
على الرغم من تجنب الأردن إصدار تعليقات علنية نظرًا لدوره كوصي شرعي وقانوني على أوقاف القدس، فإنه استخدم لغة تهديدية وقام باتصالات خاصة مع الإدارة الأمريكية لتقييد حركة وزير الأمن بن غفير ومنع المتطرفين من تنفيذ برنامجهم أمام بوابات المسجد الأقصى، وقد أعلن بن غفير قبل أسبوع عن تجمع أكثر من 250 متطرفًا قرب باحات المسجد الأقصى، لكنهم واجهوا ضغوطًا قوية من السلطات الإسرائيلية بعد اتصالات وضغوط أردنية، حيث تم استدعاء أكثر من 500 شرطي إسرائيلي لمنعهم من استكمال استفزازهم للوصي الأردني.
وقد أبلغت الأردن قنوات إعلامية أمريكية وأوروبية بأن هذه الخطوة ستشكل حالة استفزازية وستؤدي إلى توتر غير مسبوق، وقد صدرت توجيهات مُسبقة لطاقم الأوقاف الأردني من عمان بالتصدي لأي محاولة لفتح أبواب المسجد الأقصى بالقوة، وهو ما كان سيؤدي إلى صدام مباشر بين حراس الأوقاف الأردنيين والمتطرفين اليهود، وعلى الرغم من توجيهات وتوجيهات وزير الأمن بن غفير للتعامل مع هذا المشهد، فإن اتصالات ضاغطة من عمان في اللحظات الأخيرة دفعت الشرطة الإسرائيلية للتصرف بشكل مغاير لتلك التعليمات والتوجيهات، ويبدو أن اتصالاً هاتفياً جرى بين العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس الأمريكي جو بايدن لمناقشة تفاصيل هذا الاستفزاز، الذي اعتبرته الأردن خطيرًا وأدى إلى ممارسة الضغوط بفعل تدخل مباشر من البيت الأبيض، وذلك وفقًا لمصادر دبلوماسية.
وفي هذه المواجهة، اعتبر الأردن أن الاعتداء على طاقم الأوقاف الأردني سيشكل مخالفة فورية وصريحة لاتفاقية وادي عربة وملحقاتها، وبناءً على ذلك، أعلنت عمان أنها ستكون مستعدة للانسحاب من تلك الاتفاقية تمامًا إذا تعرض حراس أو طاقم الأوقاف الأردنيين لأي أذى، ولن تقدم لهم حماية من أجهزة الأمن الإسرائيلية، وتوسعت التدخلات الأردنية لتشمل التحديد الدقيق للموقع الذي قد يتم فيه وجود المتطرفين، وتحديد إمكانية تقدمهم من منطقة باب العامود نحو باحات البوابة المروانية والمصليات داخل المسجد الأقصى، وبعد تصاعد الضغوط الأمريكية والأردنية والتدخلات المكثفة من البيت الأبيض، تمت إدارة هذه الأزمة واحتوائها، ورغم ذلك، فإن العلاقات بين الأردن و "إسرائيل" تظل في وضع حساس، وخاصةً في ظل العدوان الإسرائيلي الحالي على قطاع غزة.
مساع إسرائيليّة لتهديد الوصاية
منذ سنوات، يسعى كيان الاحتلال الإسرائيلي إلى تغيير واقع الوصاية مع الأردن فيما يتعلق بالأوقاف الإسلامية وغيرها، في محاولة لفرض وقائع جديدة في المسجد الأقصى تتناسب مع مصالح المستوطنين والقيادات الاستعمارية، ويثير هذا السعي علامات استفهام حيال الأهداف الصهيونية في التدخل بقضية الأوقاف والوصاية الهاشمية، وخاصة بعد فضائح الإجرام الإسرائيلي في غزة، التي هزت العالم ولم تستدعِ ردود فعل قوية من بعض الدول التي تدعي دعم قضايا العرب والمسلمين في مواجهة إرهاب الصهاينة.
وفي هذا السياق، تسعى عمّان للتحرك الفوري احترامًا وتقديرًا للجهد والموقف الأردني الواضح في حماية المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية، كما طالبت الحكومة الأردنية مرارا بالتظاهر بقوتها واستخدام "أوراق الحق" لمواجهة استفزازات وانتهاكات المستوطنين الإسرائيليين، مؤكدة أن ذلك يشكل الحق في مواجهة أي تجاوزات تستهدف المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وفي سياق الحديث عن أن الحكومة الأردنية على واجب إظهار الاحترام والتقدير لمواقف الشعب الأردني، الذي يرى أن الوصاية الهاشمية هي جزء أساسي من مصالحه الأمنية والوطنية والقومية، فإن أوقاف القدس الإسلامية والمسيحية تُعتبر أمانة بيد الوصي الهاشمي الأردني، ويُطالب الشعب والحكومة بالارتقاء إلى مستوى الموقف الملكي والشعبي، وذلك نظرًا لأن هناك محاولات حثيثة لتقليص دور الأردن، وسحب صلاحياتها المتعلقة بكل ما يتعلق بالوصايا.
وتُظهر هذه المحاولات الصهيونية الجادة تقليص دور الأردن، وسحب صلاحياتها المتعلقة بالوصايا، وذلك عبر فرض استعمار جديد يتضمن التحكم في المسائل الدينية والأمنية ذات الصلة، ويعتبر الشعب الأردني الوصاية الهاشمية جزءًا أساسيًا من تاريخه وهويته، ويطالب بحمايتها والحفاظ على دور الأردن في ذلك الصدد، وإلى جانب ذلك، وصلت المحاولات الصهيونية الحثيثة إلى تقليص دور دائرة الأوقاف الإسلامية وسحب صلاحيتها المتعلقة ببرامج السياحة الأجنبية للمسجد الأقصى، وأصبحت هذه الصلاحيات بيد سلطة الاحتلال، الذي يحدد مواعيد السياحة وأعداد المشاركين الأجانب دون التنسيق مع الأوقاف، كما تم سحب صلاحياتها في أعمال الترميم داخل المسجد وفي منشآته، وفرض رقابة صارمة عليها، بالإضافة إلى ذلك، وصلت الاستفزازات الصهيونية إلى حد اعتقال مسؤولي لجان الإعمار والفنيين، حيث جعلت السلطات الإسرائيلية من مهمة شرطتها القمعية الغاصبة مرافقة كبار الضيوف العرب والأجانب وإعداد برامج زياراتهم.
ويتجلى البُعد الآخر لهذه المحاولات في الضغط الاقتصادي الممنهج على الأردن، الذي يعاني من ظروف اقتصادية صعبة، وفي الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل محاولات السلطات الإسرائيلية السابقة للتقليل من هذه السيادة الحصرية للأردن، وعلى الرغم من فشل تلك المحاولات في السابق وتحقيق النجاح في إحباطها، إلا أن الاستهداف المستمر للمصلين والهجمات المتكررة والاعتقالات التي شهدناها مؤخرًا تشير إلى نوايا ومؤامرات الاحتلال للسيطرة على المنطقة الشرقية بأكملها من المسجد الأقصى، بما في ذلك مصلى باب الرحمة.
وتعكس هذه الممارسات فقدان الأوقاف لسيطرتها الفعلية على تلك المناطق، ما يدفع الأردن للرجوع إلى نصوص اتفاقية "وادي عربة"، وتأكيد ضرورة تأمين دور الأوقاف الأردنية في إدارة الأماكن المقدسة، كما يشدد على أهمية تفسير وفهم مصطلح "احترام" من قبل الطرفين الآخرين تجاه الدور الأردني، ويعتبر الأردن منذ سنوات أنه في حال كان هناك قصور في النصوص المتعلقة باتفاقية وادي عربة، فإن اللجوء إلى اتفاقية "لاهاي" الدولية الموقعة عام 1954 يمثل خطوة ضرورية لتوضيح التزامات القانونية.
إذًا، يُعد الكيان الإسرائيلي الغاصب من بين الكيانات التي وقّعت على اتفاقية "لاهاي" الدولية، والتي تنص بوضوح على ضرورة احترام الأماكن ذات الأبعاد الروحية والثقافية والدينية من قِبل أي قوة محتلة، ما يعني ضرورة أن تتحرك الحكومة الأردنية دبلوماسياً في هذا الاتجاه، وفي هذا السياق، يعتبر الأردن أن نصوص اتفاقية "لاهاي" تلزم الطرفين بتفسير مصطلح "الاحترام"، وعليه، يُصبح الكيان الإسرائيلي ملزمًا قانونيًا وقابلًا للمساءلة، وبناءً على ذلك، يتبنى الأردن موقفًا رسميًا يُعلن فيه عدم اعترافه بالقدس عاصمة للكيان ويصف القدس الشرقية بأنها مدينة محتلة، كما يشدد محللون أردنيون على ضرورة التعامل مع هذا الوضع وفقًا للمواثيق والنصوص والقوانين الدولية التي تُحدد مسؤوليات الكيانات التي تفرض استعمارها.