الوقت - في الأيام الأخيرة المتبقية من العام الجاري، وصل رئيس الوزراء السوري حسين عرنوس إلى طهران مساء الجمعة الماضي، على رأس وفد سياسي واقتصادي رفيع المستوى.
التقى عرنوس، الذي يرأس الغرفة المشتركة للتعاون الاقتصادي بين البلدين عن الجانب السوري، مع محمد مخبر النائب الأول للرئيس الإيراني، ووصف في هذا اللقاء العلاقات بين البلدين بأنها عميقة وتاريخية واستراتيجية، وقال: "حكومة وشعب سوريا لن ينسوا الدعم والمواقف المشرفة من حكومة وشعب إيران".
وشدّد رئيس الوزراء السوري على أن إيران وسوريا تسعيان إلى استقلالهما، وتواجهان دائماً ضغوطاً واسعة النطاق من الغطرسة العالمية وأمريكا والدول الغربية.
وقال: "الدول الغربية تضغط دائماً على سورية باعتبارها أحد الركائز الأساسية لمحور المقاومة، لكني أؤكد لكم أن سوريا حكومةً وشعباً لن يغيروا مواقفهم، وسيستمرون دائماً في طريق المقاومة.
واعتبر عرنوس زيارة الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي إلى سوريا نقطة تحول في العلاقات بين البلدين، وقال: "آمل أن يلمس شعبا البلدين قريباً آثار الاتفاقيات الطيبة التي أسفرت عنها هذه الزيارة".
وأکد رئيس الوزراء السوري على أهمية دور إيران في مرحلة إعادة إعمار هذا البلد، مشيراً إلى أن "دمشق ستحاول بالتأكيد أن تجعل إيران الشريك الرئيسي، والدولة الأولى في إعادة إعمار سوريا".
وحول أهداف وخطط زيارة رئيس الوزراء السوري، قال محمد جمشيدي النائب السياسي لمكتب الرئيس الإيراني: إن "الاجتماع الخامس عشر للجنة العليا المشتركة للتعاون الاقتصادي بين البلدين، سيكون البرنامج الرئيسي لحسين عرنوس في طهران، كما سيعقد اجتماعات مع الرئيس ورئيس مجلس النواب وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي".
وأضاف: "تماشياً مع تنفيذ الاتفاقيات التي تم التوصل إليها خلال زيارة رئيسي إلى سوريا، سيتم في هذه الرحلة التوقيع على المحاور التي تم الاتفاق عليها خلال تلك الرحلة، والتي تم الانتهاء منها بعد عقد اجتماعات اللجان المشتركة بين البلدين، على شكل وثائق تعاون مشترك".
ومن ناحية أخرى، فإن التعاون الاقتصادي واسع النطاق في مجالات الجمارك والمصارف، وإنشاء مناطق تجارية مشتركة والسياحة والطاقة وإمدادات الكهرباء، هي من بين المجالات التي سيتم بحثها وتنفيذها من قبل وفود رفيعة المستوى من إيران وسوريا خلال هذه الزيارة.
وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة الإيرانية الحالية، انسجاماً مع استراتيجية "التطلع إلى الشرق" وتطوير التعاون مع جيرانها، وضعت عملية التعاون التجاري والاقتصادي مع سوريا على رأس أولوياتها. وتتم في هذا الاتجاه رحلات متكررة للمسؤولين السوريين إلى طهران لتسهيل التجارة بين البلدين.
تنفيذ الاتفاقيات الثنائية
ما يتبين من تصريحات المسؤولين الإيرانيين والسوريين، هو أن القضايا الاقتصادية كانت على أجندة مسؤولي الجانبين خلال رحلة عرنوس، وتم اتخاذ خطوات مهمة لتنفيذ الاتفاقيات الثنائية، وتأتي زيارة عرنوس استمراراً للاجتماعات الثنائية بين مسؤولي البلدين، حتى يتمكنوا من تنفيذ الاتفاقيات الموقعة في المجال الاقتصادي في أسرع وقت ممكن.
خلال زيارة رئيسي إلى سوريا في شهر مايو من هذا العام، تم التوقيع على 14 وثيقة تعاون بين البلدين، في مجالات التعاون التجاري والنفط والطاقة والهندسة الفنية والإسكان والسكك الحديدية والنقل الجوي، والمناطق الحرة والقطاع الخاص والاتصالات والتقانة والزلازل وإغاثة وتيسير شؤون الزوار، وفي الأشهر الستة الماضية، عقدت العديد من الاجتماعات بين مسؤولي البلدين لتسهيل تطوير التعاون.
وكان الجزء المهم من هذه الوثائق، هو التعاون في مجال النقل بالسكك الحديدية، حيث اتفق الجانبان على ربط خط السكك الحديدية الإيراني بالبحر الأبيض المتوسط عبر العراق، وإذا تم تنفيذ هذا الممر الاستراتيجي، فسيتم نقل البضائع من إيران إلى سوريا ولبنان ومن ثم إلى أوروبا في أسرع وقت ممكن.
يعدّ خط سكة الحديد هذا مهمًا جدًا لسوريا، وبما أن هذا البلد يخضع لعقوبات من الغرب، فيمكنه تلبية بعض احتياجاته بمساعدة إيران والعراق.
ومع إنشاء خط سكة الحديد من طهران إلى البحر الأبيض المتوسط، سيتم تعزيز حجم التجارة بين إيران وحلفائها، وستتم عملية تصدير واستيراد البضائع بسهولة، كما أن تكاليفها ستكون أقل من تكلفة التجارة البحرية والجوية.
لقد تعرضت العديد من البنى التحتية في سوريا لأضرار بالغة خلال الأزمة، وهناك حاجة إلى استثمارات كبيرة لبدء وإصلاح شبكات السكك الحديدية والطرق، ويمكن لإيران أن تقدم مساهمةً كبيرةً في تطوير التعاون في مجال النقل، من خلال المشاركة في هذا القطاع.
كما دعمت الجمهورية الإسلامية الحكومة الشرعية في سوريا ضد الجماعات الإرهابية، فإنها تحاول الآن في سوريا الجديدة أيضًا المساعدة في إعادة إعمار وتطوير البنية التحتية الاقتصادية لهذا البلد.
مع بدء عملية إعادة الإعمار في سوريا، وحاجة هذا البلد إلى تنفيذ مشاريع في مجالات بناء المساكن والمطارات ومحطات الطاقة وأنظمة إمدادات المياه وبناء الطرق وبناء السدود، ستعمل إيران بسرعة أكبر، ورجال الدولة في دمشق يرحبون بحضور الإيرانيين في عملية إعادة الإعمار.
إن حجم التجارة بين إيران وسوريا بالكاد يصل إلى 300 مليون دولار، وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن صادرات إيران غير النفطية إلى دمشق بلغت 147 ألف طن بقيمة 244 مليون دولار عام 2022، مرتفعةً بنسبة 10.6% من حيث الوزن، و11.4% من حيث القيمة مقارنةً بالعام السابق.
حالياً، حجم التجارة بين إيران وسوريا ليس على مستوى العلاقات الاستراتيجية، ولكن مع الاستثمارات التي يقوم بها الجانبان، ستزداد هذه التفاعلات في المستقبل القريب.
إنشاء بنك إيراني في سوريا
لا شك أن أحد الأسس الضرورية لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين إيران وسوريا، هو ربط الشبكة المصرفية بين البلدين، وقد اتخذت طهران ودمشق إجراءات لتسهيل التبادلات التجارية في الأشهر الأخيرة.
وفي هذا الصدد، وبالتزامن مع زيارة رئيس الوزراء السوري إلى طهران، أعلنت صحيفة "الوطن" السورية: "تم الانتهاء من إنشاء البنك الإيراني في سوريا، وسيبدأ عمله خلال الأيام القليلة القادمة، وتم تحديد التعرفة التجارية لأكثر من 88 سلعة ستعمل عليها جمارك البلدين".
لقد كانت التعريفات الجمركية دائماً بمثابة عقبة أمام التعاون التجاري بين البلدان، وبما أن حجم التعريفات الجمركية بين إيران وسوريا سيكون صفراً، فإن ذلك سيخلق العديد من عوامل الجذب للشركات الإيرانية والقطاع الخاص، ومع دخول هذه الشركات إلى السوق السورية، ستصبح التجارة بين البلدين أكثر ازدهاراً.
وفي هذا الصدد، أعلن مصرف سورية المركزي عن اتفاقه على التجارة مع إيران بالعملات المحلية، وفي العمليات التجارية والمالية، وأنظمة الدفع الإلكتروني لتسهيل التجارة والسياحة، ما يدل على أنه سيتم إلغاء استخدام اليورو والدولار في التبادلات بين البلدين، وهذا الموضوع سيساعد كثيراً في تحييد العقوبات الأمريكية.
ويعدّ موضوع الطاقة أحد القطاعات المهمة في التعاون بين البلدين، وبالنظر إلى أن البنية التحتية للطاقة في سوريا قد تعرضت لأضرار جسيمة على يد الجماعات الإرهابية خلال الأزمة، فإن إيران ستستثمر في هذا المجال أيضًا.
تعتبر إيران من الدول الرائدة في المنطقة في مجال التكنولوجيا والمعدات اللازمة لبناء المصافي والنفط والغاز، وستلعب هذه التقنيات دوراً مهماً في تحسين إنتاج الطاقة في سوريا، وقد أعلنت الشركات الإيرانية مؤخراً استعدادها لدخول مجال النفط والغاز في هذا البلد، من خلال حضورها معرض الطاقة السوري.
ووفقاً للسلطات السورية، هناك حاجة إلى حوالي 100 مليار دولار لتطوير البنية التحتية للطاقة في البلاد، ويمكن للجمهورية الإسلامية أن تتحمل جزءاً من تكاليف ذلك، وتعيد قطاع الطاقة في سوريا إلى دائرة الاستهلاك في أسرع وقت ممكن.
کما يعدّ قطاع المعلومات والتكنولوجيا أحد البرامج التي تركز عليها سلطات البلدين، وفي الاتفاقيات التي تم إبرامها، توفرت الأرضية لدخول الشركات المعرفية الإيرانية إلى سوق المعلومات والتكنولوجيا في سوريا.
وتستطيع إيران تقديم العديد من الخدمات لسوريا بسبب خبراتها العديدة في مجال تكنولوجيات الاتصالات، وبما أن الخدمات التي تقدمها الشركات الإيرانية أكثر فعاليةً من حيث التكلفة من نظيراتها الأجنبية، فإن دمشق ستستفيد أيضًا استفادةً كاملةً من قدرات إيران في هذا المجال.