الوقت - توجه الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل إلى طهران الاثنين الماضي وسط ترحيب رسمي من سلطات الجمهورية الإسلامية، وذلك لفتح صفحة جديدة في العلاقات الوثيقة بين طهران وهافانا.
بعد مرور 22 عاماً على الزيارة الأخيرة للرئيس الكوبي الراحل فيدل كاسترو عام 1999، تعدّ هذه الزيارة الأولى لمسؤول سياسي رفيع المستوى في هذا البلد إلى إيران، والتي تتم بدعوة رسمية من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.
وفي يونيو من هذا العام، سافر السيد رئيسي إلى هافانا كجزء من جولة إقليمية إلى أمريكا اللاتينية بعد 12 عامًاً بدعوة رسمية من نظيره الكوبي، وتم خلال هذه الرحلة التوقيع على 6 وثائق ومذكرات تعاون، في القطاعات القضائية والتعاون السياسي الشامل والعلاقات الجمركية، والتعاون في مجال تكنولوجيا المعلومات من قبل كبار المسؤولين في البلدين، وفي هذه الرحلة أيضًا، تم التوقيع على سبع وثائق تعاون أخرى، ما يمهد الطريق لمزيد من تعزيز العلاقات.
تعتبر كوبا أحد أهم شركاء إيران السياسيين في أمريكا اللاتينية، وتحتل إلى جانب فنزويلا مكانةً مهمةً في سياسة طهران، فيما يتعلق بتعزيز العلاقات مع دول أمريكا اللاتينية.
وبالنظر إلى أنه في السنوات الأخيرة، وخاصةً في ظل الحكومة الحالية لإيران، حيث أصبحت النظرة الموجهة نحو الاقتصاد على رأس برامج الدبلوماسية الخارجية، فإن الاهتمام بقدرات البلدين على تنمية التبادلات الاقتصادية والتجارية، قد حظي بالأولوية في المفاوضات الدبلوماسية بين قادة البلدين.
في عام 2018، تمكن ميغيل دياز كانيل من الفوز بالرئاسة بعد عقود من وجود عائلة كاسترو على رأس السلطة السياسية، ووضع سياسة الإصلاحات الاقتصادية على جدول الأعمال، وفي بداية عام 2021، نفذت الحكومة الكوبية توحيد سعر الصرف، والذي من المتوقع، حسب الخبراء، أن يأتي بنتائج إيجابية على المدى الطويل.
لقد سجّل الاقتصاد الكوبي نمواً في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2% في عام 2022، ومن المتوقع أن يواصل تعافيه في عام 2023 مع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3%.
كما أن الحكومة الكوبية، على الرغم من الضغوط الأولية الناجمة عن تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، والتي أدت إلى جانب فرض عقوبات أمريكية جديدة على البلاد، إلى ارتفاع سريع في التضخم وصل إلى 500% في فترة قصيرة من الزمن، تمكنت من كبح هذا الوضع الصعب، وفي عام 2022 انخفض معدل التضخم إلى 39.07%.
بالإضافة إلى ذلك، انخفض الدين العام أيضًا في عام 2022، ليصل إلى 118.9% من الناتج المحلي الإجمالي لكوبا (مقابل 151.1% في عام 2021).
وعلى الرغم من أن كوبا قد تتمتع باقتصاد صغير مقارنةً بفنزويلا أو غيرها من الدول الاقتصادية المهمة في المنطقة، إلا أنها غنية جدًا بالموارد الطبيعية، حيث يوجد في هذا البلد مناجم وفيرة لمعدني النيكل والكوبالت، ما يجعل كوبا واحدةً من أكبر منتجي ومصدري النيكل والكوبالت في العالم.
وتمتلك كوبا أيضًا احتياطيات بحرية من النفط والغاز الطبيعي، وخاصةً في الجزء الشمالي من الجزيرة، على الرغم من نقص القوى العاملة والمعرفة المتخصصة في استخراجها، وهذه فرصة كبيرة لتواجد الشركات الإيرانية.
كان قصب السكر أيضًا المحصول الرئيسي في كوبا لأكثر من 300 عام. وبشكل عام، تمثل الزراعة 0.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وتوظف 17.4% من السكان، ومنتجاتها الرئيسية لا تزال السكر وقصب السكر.
التبغ هو منتج التصدير الثاني لهذا البلد، وتشمل المنتجات الزراعية الأخرى الحمضيات والقهوة والذرة والأرز والبطاطس والفاصولياء والموز وفول الصويا والقطن والماشية.
القطاع الرئيسي للنشاط الاقتصادي في كوبا هو قطاع الخدمات والسياحة، الذي يمثل 75% من الناتج المحلي الإجمالي، ويعمل فيه 65.5% من السكان النشطين.
وأهم الواردات الكوبية هي لحم الدجاج (330 مليون دولار)، والقمح (153 مليون دولار)، والحليب (107 ملايين دولار)، والنفط الخام (70.2 مليون دولار)، والأرز (66.9 مليون دولار)، وفي هذا القسم، فإن الشركاء التجاريين العشرة الرئيسيين لكوبا، هم فنزويلا والصين وإسبانيا وروسيا والمكسيك وإيطاليا والأرجنتين والبرازيل وألمانيا والولايات المتحدة.
في الشهر الماضي، أقيم معرض هافانا الدولي التاسع والثلاثون بمشاركة شركات إيرانية، وبدعوة من نائب رئيس الوزراء ووزير التجارة الخارجية والاستثمار الكوبي، حضر هذا المعرض وفد يمثل وزير الصناعة والتعدين والتجارة الإيراني.
وخلال هذه الزيارة زار "غونزاليس" نائب وزير الصناعة الكوبي جناح الشركات الإيرانية، وأشار إلى أن لدينا موارد مائية ونيكل وقدرات لا يمكننا استغلالها، وأعلن أن الحكومة الكوبية تسعى إلى تبادل المعرفة والخبرة والاستفادة من القدرات الإيرانية، ويمكن لهذا البلد أيضًا أن يكون بمثابة مركز إقليمي، وتصدير المنتجات المصنعة الإيرانية إلى أمريكا اللاتينية.
ترحيب الرئيس الكوبي باقتراح المرشد الإيراني الأعلی
كان الحدث الأهم في زيارة الرئيس الكوبي إلى طهران، هو لقاء ميغيل دياز مع المرشد الإيراني الأعلى الذي عقد مساء الاثنين الماضي.
في هذا اللقاء، أكد السيد الخامنئي قائد الثورة في إيران على القدرات السياسية والاقتصادية الكبيرة للبلدين في فقرة من لقائه مع الرئيس الكوبي، وقال: ينبغي استخدام هذه القدرات لتشكيل تحالف وائتلاف بين الدول التي لها الموقف نفسه ضد البلطجة الأمريكية والغربية.
تاريخياً، منذ النصف الثاني من القرن العشرين، لعبت كوبا دوراً مهماً في المنافسة الدولية بين القوى العظمى في الغرب والشرق، وكانت ثورة هذا البلد في يوليو 1959 بمثابة نقطة تحول في تطور علاقات الهيمنة بين دول أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة، بحيث أصبحت هافانا نقطة أمل وداعمة للحركات الاستقلالية والمناهضة للإمبريالية في أمريكا اللاتينية.
وخلال هذه الفترة، كانت كوبا مصدراً لتطورات كبيرة، وخاصةً خلال الحرب الباردة، والتي يمكن إرجاع ذروتها إلى أزمة الصواريخ في أكتوبر 1962، والآن أيضاً، ومن خلال الحفاظ على مواقف مناهضة لأمريكا، أصبحت كوبا مركز اهتمام قوى مثل روسيا والصين لإدارة عصر النظام الدولي في الانتقال إلى التعددية القطبية.
وقد دفع هذا الولايات المتحدة إلى مواصلة الضغط على الاقتصاد الكوبي من خلال فرض عقوبات واسعة النطاق، وبينما كان من المتوقع أن تخفف واشنطن العقوبات في عهد جو بايدن، فإن نهجه تجاه كوبا كان أكثر صرامةً من الإدارات السابقة، حيث شدد القيود التجارية والسفر التي فرضها دونالد ترامب.
وفي ظل هذا السياق التاريخي والسياسي والجيوسياسي، فإن تعزيز التقارب السياسي والاقتصادي بين إيران وكوبا في منطقتي أمريكا اللاتينية وغرب آسيا الحساستين، من الممكن أن يصبح مركز ثقل التحالف الدولي للدول المتحالفة والمعارضة لأحادية الغرب والنظام الحالي غير العادل، وحتى في المستقبل ومع المزيد من المشاركة النشطة في المنظمات الناشئة مثل مجموعة البريكس، فإنه سوف يعمل على تعزيز هذا الدور.
وظهر الاصطفاف السياسي للبلدين قبل كل شيء في ترحيب الرئيس الكوبي لمواقف المرشد الإيراني الأعلى بشأن القضية الفلسطينية، حيث قال السيد الخامنئي حول التطورات الأخيرة في غزة: قضية فلسطين لا تتعلق فقط بالقضايا الأخيرة في غزة والقصف، لأن الشعب الفلسطيني تعرض لكل أنواع التعذيب والمعاناة والقتل خلال الـ 75 عاماً الماضية، لكن الآن الكارثة في غزة كبيرة، لدرجة أن الحقيقة انكشفت للرأي العام العالمي ولا يمكن إخفاؤها.
وفي هذا الصدد، قال السيد ميغيل دياز كانيل أيضًا: إن ما يحدث في غزة اليوم هو إبادة جماعية غير مقبولة، وقد غضت المنظمات الدولية الطرف عن مقتل عشرات الآلاف من سكان غزة، ثلثاهم من الأطفال والنساء، والمثير للدهشة أن أولئك الذين كانوا يتذمرون باستمرار من الحرب بين أوكرانيا وروسيا وقتل المدنيين، يصمتون الآن عن مقتل عشرات الآلاف من الناس في غزة، وهذا يوضح الحالة السيئة للغاية التي يعيشها العالم.
وأضاف: يمكن لإيران وكوبا أيضًا زيادة تواصلهما في التعاون الدولي، وتكونان مؤثرتين في القضايا العالمية المهمة مثل فلسطين.
بشكل عام، يمكن اعتبار زيارة الرئيس الكوبي إلى إيران، والاتفاقيات والمشاورات الموقعة بين مسؤولي البلدين، خطوةً قويةً في اتجاه تعزيز العلاقات الثنائية بين طهران وهافانا، وتطوراً مهماً في رسم المسار المستقبلي للعلاقات.