الوقت - على الرغم من رغبة عدد من الدول الأوروبية في تقديم الدعم الكامل للکيان الصهيوني في حرب غزة، إلا أن أعضاء الاتحاد الأوروبي ما زال ليس لديهم موقف موحد تجاه هذه الأزمة.
ويتجلى ذلك بوضوح في الاختلاف في الرأي بين دول مثل ألمانيا، التي تظهر إصراراً كبيراً في دعم الصهاينة، ودول أخرى، بما في ذلك إسبانيا والنرويج، اللتين تنتقدان بشدة الاحتلال وحكومة رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو.
حيث أعلن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، الأحد الماضي، قرار حكومته الاعتراف بـ"الدولة الفلسطينية"، ودعا الکيان الإسرائيلي إلى وقف القتل العشوائي للفلسطينيين في غزة.
كما قدّم البرلمان النرويجي اقتراحاً للحكومة يوم الخميس وطلب منها الاستعداد للاعتراف بدولة فلسطين المستقلة، وهو ما سيكون له، وفقاً للبرلمان، "أثر إيجابي على عملية السلام" في الشرق الأوسط، وقبل ذلك، كانت دول أيسلندا والسويد وبولندا وجمهورية التشيك ورومانيا قد اعترفت أيضًا بدولة فلسطين.
الفجوة بين الشعوب والحكومات الغربية
بالنسبة للأوروبيين، فإن الحرب بين الکيان الصهيوني وحماس أشبه بحقل ألغام، أدى إلى خلق فجوة واسعة بين الذين يتولون السلطة، والذين يصوتون لهم.
ويمكن ملاحظة تغير مواقف الدول الأوروبية الداعمة لفلسطين في التطورات السياسية والاجتماعية التي تشهدها هذه الدول، وهي التطورات التي يلعب فيها الناس دورًا محوريًا، وينتقدون حکوماتهم بسبب صمتها في مواجهة الجرائم الواسعة التي يرتكبها الصهاينة في غزة.
في الشهرين الأخيرين من حرب غزة، والتي قصف فيها الصهاينة هذا القطاع من البر والجو والبحر، وقتلوا أكثر من 20 ألفاً من الأبرياء، وخاصةً الأطفال، ودمروا بنيته التحتية الصحية وفرضوا حصاراً شاملاً على المدنيين، فإن الرأي العام الغربي غاضب للغاية بشأن هذه القضية، وكل يوم هناك احتجاجات حاشدة في أوروبا وأمريكا ضد جرائم المحتلين. وقد أدت هذه القضية إلى تفاقم الفجوة بين الناس والحكومات.
وكان لهذه الاحتجاجات آثار سياسية كبيرة، واضطر القادة الأوروبيون الآن إلى تغيير لهجتهم إلى حد ما فيما يتعلق بالتطورات في غزة. مثلما رأينا ضغوط الرأي العام في إقالة وزير الداخلية البريطاني الذي أيّد علناً جرائم الکيان الصهيوني.
إن الموجة التي بدأت الآن في الغرب لدعم فلسطين، سوف تستمر في زيادة الصعوبات التي تواجهها الحكومات الأوروبية، لأن الرأي العام الأوروبي يكره الحكومات التي تتبع سياسات الولايات المتحدة والقوى الأخرى مثل فرنسا وألمانيا، وهذا أمر مقلق للأحزاب الحاكمة.
لأنه في المستقبل في الانتخابات البرلمانية، يجب أن يستمروا في السلطة بأصوات نفس الأشخاص، وبسبب الثغرات التي ظهرت، يشكك الخبراء في فوز القادة الحاليين في الانتخابات المقبلة.
حكومات ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، تماشياً مع السياسات الأمريكية، تبرر أي جريمة في غزة باسم الدفاع المشروع عن الأمن الصهيوني، لإظهار أن عليها دعم الطفل غير الشرعي الذي أنجبته قبل 75 عاماً.
والحكومة الألمانية، التي قتلت اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، والتي ادعى الصهاينة مسؤوليتهم عنها، تحاول الآن كسب شعبية بين الصهاينة من خلال دعم الإبادة الجماعية في غزة، وتطهير أيديها الدموية في حادثة "المحرقة" الكاذبة.
لقد اعتاد الأوروبيون على لعب دور نشط في التطورات الإقليمية والدولية، وحاولوا تخفيف التوترات في جميع أنحاء العالم من خلال الوساطة، ولكن مع التغيرات التي طرأت على الساحة الدولية، أصبحت أوروبا الآن عملياً لاعباً من الدرجة الثانية، وأصبحت القوى الناشئة مثل الصين وغيرها من القوى الإقليمية الفاعلة، هي التي أخذت زمام المبادرة، والآن أوروبا ليست في الأساس سوى عبد يستمع للأوامر التي تمليها أمريكا.
منذ بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا، كان الغرب يحاول كسب دعم الدول غير الغربية من خلال تقديم الهجوم باعتباره أكثر من مجرد حرب أوروبية، وأعلنوا أن الصراع في أوكرانيا ينتهك القانون الدولي، داعين الأطراف البعيدة عن الصراع إلى الوقوف إلى جانب أوكرانيا لدعم سيادة القانون.
لقد وصفوا الهجمات الروسية بأنها غير قانونية، وهو ما يجب على العالم أن يقف ضده، لكنهم الآن يدافعون عن المجرم بدلاً من الضحية في حرب غزة والإبادة الجماعية للفلسطينيين.
ولذلك، فإن هذه الدول التي تدعي الدفاع عن الديمقراطية في العالم، قد عرضت مكانتها في الساحة الدولية للخطر من خلال دعمها القوي للإبادة الجماعية في غزة، لأن الرأي العام لم يعد يستمع إلى شعارات حقوق الإنسان الغربية الوهمية، وأدرك تناقض هذه الشعارات في مواجهة الأزمات العالمية.
ويكمن الخطر بالنسبة للدول الغربية في أن هذا الأسلوب في التصرف، يتماشى تماماً مع ما تروج له روسيا والصين، بمعنی أن النظام العالمي هو فقط لمصلحة مجموعة صغيرة من الدول، ودول الجنوب العالمي ليست من بينها، وأمريكا وحلفاؤها فقط هم الذين يقررون نيابةً عن الآخرين، ولکن أصبحت هذه السلوكيات الآن قديمةً، وحتى الحكومات الضعيفة لا تتبع السياسات التي يمليها الغرب كما كان الحال في الماضي.
قطاع غزة والمزيد من الانقسامات في الناتو
على الرغم من أن حلف شمال الأطلسي كان أكبر تحالف عسكري في العالم منذ إنشائه في عام 1949، وانضمت إليه دول جديدة لتعزيز قوته والتحرك ضد أعداء موحدين، لكن في السنوات الأخيرة ظهرت دلائل على حدوث انقسام في هذا التحالف العسكري.
ورغم أنه في حالة الأزمة الأوكرانية والتعامل مع التهديدات الروسية، كان لأعضاء الناتو موقف موحد إلى حد كبير وقدموا دعمًا عسكريًا وماليًا واسع النطاق لكييف، ولكن بعض الدول، مثل المجر وتركيا، عارضت بشدة سياسات حلف شمال الأطلسي العقابية ضد روسيا، الأمر الذي أظهر أن حلف شمال الأطلسي لا يبدو موحداً ومتماسكاً كما كان في الماضي.
اليوم أيضًا في حرب غزة تظهر هذه الفجوات نفسها، وعلى الرغم من أن أمريكا تحاول إجبار جميع حلفائها على دعم الکيان الصهيوني، لكن موقف حكومتي إسبانيا والنرويج في الدفاع عن الشعب الفلسطيني والعمل أحادي الجانب للاعتراف بالدولة الفلسطينية، هو نوع من العصيان على قادة الناتو، للقول بأنهم لا يرغبون في الوقوف إلى جانب المحتلين، وهذا الإجراء غير المسبوق سيعمق الصدع في حلف شمال الأطلسي.
من المرجح أن يكون للاختلاف في رأي الدول الغربية بشأن حرب غزة تأثير على الساحة الأوكرانية، وربما ينخفض أيضاً مستوى الدعم الحكومي لكييف، وكما حدث في الشهرين الماضيين، انتقدت السلطات الأوكرانية خفض الدعم الأمريكي والأوروبي.
بالنظر إلى موجة المعارضة الشعبية في الغرب لدعم فلسطين، فليس من المستبعد أن يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية في دول أوروبية أخرى في المستقبل، ويمكن لمبادرة إسبانيا والنرويج أن تمهد الطريق للاعتراف بالدولة الفلسطينية.