الوقت- تثير الطريقة التي تتعامل بها اللجنة الأولمبية الدولية مع الدول المشاركة في الألعاب الأولمبية انتباه العالم، حيث يتجه الضوء الآن نحو كيفية تعاملها المرتقب مع الكيان الإسرائيلي في دورة الألعاب الأولمبية لعام 2024، نتيجةً لجرائم الحرب التي ارتكبها ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فالهجمات الإسرائيلية على غزة تطرح تساؤلات تتطلب إجابة من القوى الغربية في مجال الرياضة، وذلك بسبب السؤال الحاسم: "هل يجب معاقبة إسرائيل أو منعها من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية في باريس عام 2024؟" هذا السؤال يأتي بعد أن تم طرح مواقف مماثلة بالفعل بشأن روسيا، التي كانت محل جدل مستمر مع اللجنة الأولمبية الدولية، أولاً بسبب قضية المنشطات، ثم بعد الغزو الروسي لأوكرانيا بين دورتي الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين والألعاب البارالمبية في عام 2022.
الرياضة ليست بعيدة عن السياسة
في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، فإن اللجنة الأولمبية الدولية قررت منع روسيا وبيلاروسيا من المشاركة في جميع الأحداث الأولمبية وغير الأولمبية الدولية، بما في ذلك عدم إقامة أي أحداث رياضية دولية في هاتين الدولتين، وعدم رفع الأعلام والأناشيد الوطنية أو الرموز في الأحداث الرياضية الدولية، إلى جانب عدم دعوة أي حكومة لهاتين الدولتين لحضور أي حدث رياضي دولي، وتاريخياً، شهدت عدة دول فرض العديد من العقوبات لأسباب متنوعة، ما حال دون مشاركتها في الألعاب الأولمبية، حيث يُذكر مثال على ذلك جنوب أفريقيا خلال فترة الفصل العنصري، في تلك الحقبة، تم تنظيم المنافسات الرياضية بطريقة منفصلة لكل عرق وطبقة، وكان المنتخب الوطني يتألف من البيض فقط، في هذا السياق، تم فرض فصل عنصري في جميع الألعاب الرياضية، حيث شاركت الأندية ذات الصلة للبيض فقط في فريق جنوب إفريقيا في الألعاب الأولمبية وألعاب الكومنولث، على الرغم من وصف اللجنة الأولمبية الدولية، برئاسة أفيري بروندج، لهذه الوضعية بأنها قضية داخلية في جنوب إفريقيا دون اتخاذ أي إجراء، إلا أنها أكدت على أهمية فصل السياسة عن الرياضة.
واليوم، قد تؤدي جرائم "إسرائيل" في غزة والضفة الغربية إلى حملة لاستبعادها من أولمبياد باريس، رغم وقف إطلاق النار المؤقت الذي دخل حيز التنفيذ، إلا أن الانتهاكات المتكررة من قبل الكيان الصهيوني تعزز المطالب الدولية بفرض ضغوط على "إسرائيل"، يعتبر إيقاف مشاركة "إسرائيل" في الأولمبياد الفرنسي 2024 إحدى وسائل الضغط المحتملة والتي يراها المراقبون فعالة في هذا السياق، ويمكن اعتبار الكيان الصهيوني مثالًا واضحًا لحكومة تعتمد على الإرهاب وارتكاب جرائم الحرب، خلال السنوات الـ 75 الماضية، استخدم هذا الكيان جميع الوسائل المتاحة لارتكاب جرائم ضد الشعب الفلسطيني، وبلغت ذروة هذه الجرائم خلال عملية طوفان الأقصى، حيث ارتكب الكيان الإسرائيلي الصهيوني جرائم وحشية ضد سكان قطاع غزة في غضون 50 يومًا، وصلت إلى حد أن داعميه الغربيين لم يجرؤوا على دعم هذه الهجمات علنًا.
وفي حرب غزة، استشهد فلسطيني كل أربع دقائق، واستشهد في المتوسط 6 أطفال و4 نساء كل ساعة من بين أكثر من 20 ألف شخص في غزة نتيجة للهجمات الإسرائيلية، واستهدفت قوات الاحتلال الصهيوني 52 مركزًا صحيًا، بما في ذلك 25 مستشفى خارج الخدمة، وحجم القصف الذي نفذه الكيان الصهيوني في أسبوع واحد فقط يتجاوز حجم القصف على أفغانستان خلال سنوات الاحتلال الأمريكي، وتجاوز عدد الشهداء في غزة في أول 25 يومًا من الحرب عدد ضحايا الحرب في أوكرانيا المستمرة منذ عام ونصف، وتعادل قوة القصف الصهيوني على قطاع غزة ضعف قوة القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما، وتعادل كمية المتفجرات المستخدمة في الهجمات الصهيونية 10 كيلوغرامات لكل فلسطيني يسكن في قطاع غزة، في ثلاثة أسابيع فقط من الحرب، كما تجاوز عدد الأطفال الفلسطينيين الشهداء عدد الأطفال الذين قتلوا في جميع أنحاء العالم منذ عام 2019.
وفي هذا الخصوص، أوردت مجلة "The Nation" الأمريكية مقالًا يشير إلى أن مجموعة إنساكا-أيرلندا للرياضة والعدالة الاجتماعية أشارت إلى دعوة رئيس اللجنة الأولمبية الدولية إلى الوحدة في الرياضة، حيث تناول خطابه الغزو الروسي لأوكرانيا دون الإشارة إلى الغزو الإسرائيلي لفلسطين، وذكر كين ماكو، المخطط الثقافي في المجموعة، أن هناك اقتراحًا من بعض الرياضيين في أيرلندا لمنع مشاركة "إسرائيل" في الألعاب الأولمبية، مستندين إلى ما قامت به اللجنة الأولمبية الدولية بحق روسيا وجنوب أفريقيا في الماضي.
وعلى الرغم من محاولة اللجنة الأولمبية الدولية تجاهل القضية، أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "انتهاكات "إسرائيل" الواضحة للقانون الإنساني الدولي" في غزة، مطالبًا بوقف فوري لإطلاق النار، وقد وثقت منظمة العفو الدولية "الهجمات الإسرائيلية غير القانونية، بما في ذلك الهجمات العشوائية"، واعتبرتها منظمة حقوق الإنسان "جرائم حرب" يجب التحقيق فيها، هذه الأحداث تسببت في حالة من الرعب بين سكان العالم، حيث باتوا ينقلون الفظائع اليومية عبر هواتفهم ويتظاهرون احتجاجًا ضد هذه الجرائم، إلا أنه يثار السؤال حول ما إذا كانت جرائم الحرب يمكن أن تكون سببًا للإبعاد عن المشاركة في الألعاب الأولمبية، وحتى الآن، يبدو أن رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، توماس باخ، قد أظهر تقاربًا واضحًا مع الحكام المستبدين، يبدو أن اللجنة الأولمبية الدولية تتسامح لفترة طويلة مع مجرمي الحرب، وأن "إسرائيل" واللجنة الأولمبية الدولية تسيران على مسار تصادمي، والنظر بعمق في كيفية تعامل اللجنة الأولمبية الدولية مع روسيا يوفر رؤية لما قد يحدث، أو ربما ينبغي أن يحدث، مع دولة الاحتلال.
"إسرائيل" وتعليق المشاركة في أولمبياد باريس
في الشهر الماضي، قررت اللجنة الأولمبية الدولية منع اللجنة الأولمبية الروسية من المشاركة في أولمبياد باريس 2024، وهذا يعني أن روسيا لن تكون مؤهلة للحصول على جزء من أموال البث الأولمبي أو أموال الرعاية، ما يحرمها من ملايين الدولارات، قد يظل الرياضيون الروس قادرين على المشاركة في باريس، ولكن بوصفهم محايدين، لن يكون لديهم السماح برفع العلم الروسي ولن يتم عزف النشيد الوطني للبلاد أثناء حفل توزيع الميداليات، وقاست اللجنة الأولمبية الدولية قرار حظر اللجنة الأولمبية الروسية استنادًا إلى عاملين رئيسيين: أولاً، إلغاء اللجنة الروسية للهدنة الأولمبية، وهي قرار غير ملزم تصدره الأمم المتحدة بشكل دوري يشجع الدول على الامتناع عن الحرب أثناء الألعاب الأولمبية، وثانياً، انتهاك اللجنة الروسية للهدنة الأولمبية عندما استولت على "المنظمات الرياضية الإقليمية التي تخضع لسلطة اللجنة الأولمبية الوطنية لأوكرانيا (وهي دونيتسك وخيرسون ولوهانسك)"، ببساطة، اتخذت اللجنة الأولمبية الدولية قرارها بشكل دقيق واستراتيجي من الناحية الرياضية.
فماذا يعني ذلك بالنسبة لـ"إسرائيل"؟ ماذا لو قامت "إسرائيل" بضم الأراضي التي تحتوي على منظمات رياضية فلسطينية؟ فلسطين لديها لجنة أولمبية وطنية خاصة بها، ومقرها في الضفة الغربية، وهي معترف بها من قبل اللجنة الأولمبية الدولية، وبالتالي فإن اللجنة الأولمبية الدولية قد تكون على استعداد لتجاهل الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الكيان الصهيوني، ولكن قد لا تكون مستعدة لتجاهل ما تًعتبر جرائم ضد الرياضة، كما أشارت إلى أن الفيفا، خلال العقد الماضي، لم تظهر اهتمامًا عندما قتل الجيش الإسرائيلي لاعبي كرة القدم الفلسطينيين وقصف ملاعبهم، على الرغم من أن الفيفا واللجنة الأولمبية الدولية هما منظمتان مختلفتان، يُظهر الارتباط الكبير بينهما أن هناك تشابهًا في المواقف المتعلقة بحقوق الإنسان والرياضة.
ليبقى السؤال ما هي احتمالات أن تقوم "إسرائيل" بضم الأراضي الفلسطينية التي تحتوي على أندية رياضية؟ ولطالما هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بضم الضفة الغربية، ويقول محامي حقوق الإنسان الإسرائيلي مايكل سفارد إن نوعًا هادئًا من الضم البيروقراطي يحدث بالفعل، ومن الممكن أن تؤدي الحرب البرية في غزة إلى إعادة الاحتلال والاستيلاء على الأراضي، ووفقًا لصحيفة واشنطن بوست، يشير العنف الذي يمارسه المستوطنون الإسرائيليون إلى سعيهم المطول لإخلاء المناطق الفلسطينية الريفية في الضفة الغربية المحتلة، وأن هذا العنف أصبح شائعًا وخاصة في الفترة التي تلت عودة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى السلطة في ديسمبر، وأشار ثارور إلى أن تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم يُعتبر شرطًا غير معلن لتحقيق أهداف بعض أقسام اليمين الإسرائيلي المتطرف.
الخلاصة، في حال استمرار التحركات الدولية ضد الاحتلال الإسرائيلي وفي ظل الاحتجاجات المتزايدة حول العالم لدعم وقف إطلاق النار والتنديد بالاحتلال، قد تجعل هذه القضايا مشاركة "إسرائيل" في أولمبياد باريس ضمن قائمة الأولويات التي تدرسها اللجنة الأولمبية الدولية، ما يعني التأكيد على أهمية التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان والوحشية، لأن استخدام اللجنة الأولمبية الدولية لـ "الحياد" كذريعة يمكن أن يفهم على أنها تتعامل مع الفلسطينيين بشكل يقلل من قيمتهم كأعضاء كاملين في الأسرة الأولمبية، حيث إن دعم حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني يزداد في الشوارع.
وقد جّه كثيرون سؤالًا حاسمًا حول مشاركة "إسرائيل" في دورة الألعاب الأولمبية في باريس، وقالت: "السؤال الرئيسي والمهم الآن، مع هذا الكم من الجرائم، ألا يجب أن يتم إبعاد هذا الكيان من دورة الألعاب الأولمبية في باريس؟!" مع أهمية جعل هذه القضية مطلبًا عالميًا ومنع مشاركة "إسرائيل" ، بالإضافة إلى أن الاستبعاد يجب أن يمتد لتوفير الأرضية لمحاكمة الكيان.