الوقت- خمسون يوماً مضت على بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، هذا العدوان الذي حصد أرواح آلاف الفلسطينيين، وأحدث دماراً هائلاً في البنى التحتية، إذ لم يستثنِ هذا العدوان شيئاً لا البشر ولا الحجر، ضارباً بالقوانين الإنسانية والأعراف الدولية المعمول بها في حالات الحروب عرض الحائط، إذ كان الهدف وراء هذا العدوان، إبادة الفلسطينيين وتهجيرهم من القطاع، وليس مستبعداً على الكيان المحتل أن تكون حربه بهذه الوحشية، لكنه قام بها تحت الغطاء الأمريكي الذي مد الكيان بالأسلحة، وعمل على حصد الدعم الدولي له، للاستمرار في حربه ضد الفلسطينيين.
مزاعم تبرير العدوان
كان هدف حماس واضحاً من هذه الحرب، ونهجها في مقاومة الاحتلال كان أكثر وضوحاً، لكن كيان الاحتلال حاول اختلاق مزاعم وتمرير أكاذيب عن أفعال منافية للأعراف ومرفوضة من الجميع، لتشويه شرعية المقاومة في دفاعها عن الأرض ومطالبتها بالحقوق، إذ روج الإعلام الأمريكي والغربي لهذه الأكاذيب على نطاق واسع.
نفت حركة حماس ارتكاب مقاتليها لأي من المزاعم الإسرائيلية التي يروجها الإعلام الغربي، إلا أنه لم يكن في الغرب من يرغب في سماع الرواية الأخرى، قبل أن يصطدم الجميع باعترافات من داخل الكيان، بأن ما تم ترويجه كان ادعاءات لا دليل على صحتها.
بدأ الحديث عن جثث متفحمة ناتجة عن قصف بالصواريخ والقذائف الحارقة، إضافة إلى حرق الأطفال، وقطع رؤوسهم، واغتصاب النساء، جاءت هذه الاتهامات في سياق تبرير وحشية العدوان، والاستهداف، ولا سيما مع الزعم بوجود مقر القيادة الرئيس لحركة حماس أسفل مجمع الشفاء غرب مدينة غزة، في محاولة تبرير الاستهداف المحرم للمشافي والمنشآت الإنسانية.
وزعمت صحف الاحتلال وبعض وسائل الإعلام، أنّ الشابة التي ظهرت في شاحنة تعود للمقاومة، قد تعرضت للاغتصاب قبل قتلها، وكانت صورتها الأكثر انتشارًا لتدعيم رواية البروباغاندا الإسرائيليّة حول المقاومة.
كشف التضليل
أقّرت مصادر أمنية وقانونية تابعة لكيان الاحتلال، بأنّه لا دليل ملموساً على أنّ المقاومة الفلسطينية نفذت عمليات اغتصاب في مستوطنات الغلاف، خلال هجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وذلك بعد دعاية الكيان الواسعة بأنّ عناصر حركة (حماس) اغتصبوا النساء، وقطعوا رؤوس الأطفال.
وفي تقريرٍ بثته القناة الـ 12 بالتلفزيون العبريّ، اعترفت تلك المصادر، بأنّ كل ما يملكونه هو شهادات من المتطوعين الذين وصلوا إلى المستوطنات بعد الهجوم من أجل عمليات الإغاثة، ولا يوجد أيّ دليل من الطب الشرعي يمكن الاستناد عليه لتوجيه التهمة لعدد من المقاومين الفلسطينيين الذين أسرتهم قوات الاحتلال، وأن فرق التحقيق الخاصة التابعة لجهاز الأمن العّام (الشاباك) ومكتب المدعي العام لكيان الاحتلال ووحدة لاهاف 433 التابعة لشرطة الاحتلال، تواجه صعوبة في الحصول على أدلة الطب الشرعي على جريمة الاغتصاب.
وقد نقلت عدة صحف غربية عن والدة الفتاة التي ادعى كيان الاحتلال أنها تعرضت للاغتصاب من قبل عناصر حماس تأكيدها، “أنّ ابنتها لم تقتل ولم تغتصب، وهي الآن تعالج في إحدى مستشفيات غزة“، كما تراجعت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” الأمريكيّة عن مزاعم الاغتصاب التي نشرتها، وخلصت إلى أنّ كل تلك الحوادث لم يتم إثباتها.
فالرواية الإسرائيلية حول ما جرى في بداية الحرب، والتي تحدثت أن مقاتلي حماس أحرقوا جثث أطفال واغتصبوا النساء وإلى ما لذلك من فظاعات، وصدقها الرأي العام الغربي كحقيقة غير قابلة للتشكيك، لم تكن صادقة فلم يتم العثور على أي دليل يؤكد ذلك، لم تخرج أي امرأة إسرائيلية وتزعم أنها تعرضت للاغتصاب.
كما ذكرت صحيفة "هآرتس"، أن تقييمات المؤسسة الأمنية أظهرت أن مروحية قتالية تابعة لجيش الاحتلال وصلت إلى مكان الحفل (قرب كيبوتس رعيم في غلاف غزة)، وأطلقت النار على منفذي هجمات هناك، وكما يبدو أصابت أيضا بعض المشاركين في المهرجان، وقد حاولت الشرطة الإسرائيلية نفي هذه الشهادة، التي تتقاطع مع شهادات أخرى لمستوطنين تتحدث عن قتل جيش الاحتلال لفلسطينيين وإسرائيليين بشكل عشوائي، وقصف قاعدة عسكرية هاجمها مقاتلو حماس في الـ 7 من أكتوبر، كان يختبئ بها جنود إسرائيليون.
وليس ذلك فحسب، بل إن جيش الاحتلال أقر ضمنيا بوقوع أخطاء في إحصاء عدد القتلى الإسرائيليين في الـ 7 من أكتوبر، عندما قلص عددهم من 1400 إلى 1200، بعد أن اكتشف أن 200 جثة متفحمة تعود لفلسطينيين.
وحتى الرئيس الأمريكي جو بايدن، ردد في البداية رواية "قطع مقاتلي حماس رؤوس الأطفال"، وما لبث أن تراجع البيت الأبيض عن هذه التصريحات، وبررها بأنها كانت مبنية على "مزاعم" مسؤولين إسرائيليين وتقارير إعلامية محلية، دون أن يعتذر عنها.
أما اعترافات رئيس وزراء كيان الاحتلال الأسبق إيهود باراك، بأن "إسرائيل" بنت الملاجئ وحفرت الأنفاق الموجودة تحت مجمع الشفاء، في لقاء صحفي مع قناة "سي إن إن" الأمريكية، فقد جاءت ضربة قاصمة للدعاية الإسرائيلية التي حاولت شرعنة قصفها لمشفى الشفاء، وغيره من المشافي والمنشآت الصحية في القطاع .
كما أن الإعلامية الأمريكية سارة سيدنر، زعمت على الهواء مباشرة، أن مقاتلي حماس قتلوا أطفالا إسرائيليين، في الـ 7 من أكتوبر، وانتشر مقطعها المصورة كالنار في الهشيم على شبكات التواصل الاجتماعي، ثم عادت لتعتذر عن تصريحها، وإدلائها بهذه المعلومة الكاذبة، التي روجها كيان الاحتلال.
وبررت سيدنر، هذه السقطة الإعلامية، بأن "مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قال إنه تأكد من قيام حماس بقطع رؤوس الأطفال والرضع بينما كنا على الهواء مباشرة"، وتستدرك "وتقول الحكومة الإسرائيلية اليوم إنها لا تستطيع تأكيد قطع رؤوس الأطفال، كان يجب أن أكون أكثر حذرا في كلامي، أعتذر".
وقد دعا صحفيون غربيون وسائلَ الإعلام للتحقق من الأخبار المزيفة التي تنتشر، وخصوصًا مزاعم الاغتصاب وقتل الأطفال، كما هاجموا بعض وسائل الإعلام البريطانيّة التي تواصل إصرارها على تبنّي هذه الروايات غير المثبتة لدعم الاحتلال الإسرائيليّ.
وقد شدّدّت مصادر الاحتلال على أنّ صعوبة التحقق من المزاعم تنبع من حقيقة أنّ القانون سيطلب من سلطات إنفاذ القانون، تقديم أدلة الطب الشرعي مثل عينات الحمض النووي، لكن جثث الضحايا تمّ دفنها حتى قبل فحصها، إذ إن تقرير التلفزيون العبريّ أيضًا يشير إلى أنّ سلطات إنفاذ القانون تعتمد في هذه المرحلة على أقوال شهود عيان فقط، رأوا ما وصفوه بأنّه أدلة على اغتصاب، ومع ذلك، من أجل إثبات تهمة الاغتصاب في دعوى جنائية، سيُطلب من المحققين العثور على أدلة.
وقال أحد مسؤولي التحقيق، كما أكّد التلفزيون الإسرائيليّ، بأنّه لا يوجد أي دليل قاطع على أنّ قادة المقاومة أصدروا أوامر تشمل عمليات اغتصاب خلال هجوم السابع من أكتوبر الماضي، كما يحتمل ألّا يستطيع شهود العيان الإدلاء بشهادتهم أمام المدعي العام، بسبب (اضطرابات عقلية)، على حدّ تعبيرها.
فلن تستطيع المزاعم مهما تعاظمت رفع الشرعية عن مقاومة نالت الإجماع على أحقية وجودها ودورها، وأهدافها في استعادة الأرض والحقوق.