الوقت- كتب أناتول ليفين، مدير برنامج أوراسيا في معهد كوينسي: لقد أظهرت المأساة الحالية في "إسرائيل" وغزة الحقيقة مرةً أخرى، تضع الحكومات خططاً تفصيليةً لإدارة شؤونها الخارجية والأمنية، ثم تجد نفسها فجأةً في مواجهة تحديات الاستجابة للأحداث غير المتوقعة.
ومع ذلك، فإن أحداث مثل هجوم حماس على "إسرائيل" أو الغزو الروسي لأوكرانيا، لم تأت من العدم، إنها نتاج قرارات الإنسان، وإذا لم يكن من الممكن التنبؤ بتفاصيل هذه القرارات نفسها، فيمكن دراسة الظروف التي أنتجتها، ولهذا السبب، لدينا جيش من محللي الاستخبارات، ومسؤولي الخدمة الخارجية، و"الخبراء".
ولذلك، فإن الدرس الأول المستفاد من الرعب الحالي بالنسبة لصانعي السياسات الغربيين، هو أن يتذكروا دائماً أن عدوك لديه صوت أيضاً، وأن سلوك أمريكا هو الذي يشكل تصرفات العدو.
والدرس الثاني هو أن أجزاء معينة من العالم أكثر عرضةً للكوارث من غيرها، وثالثاً، كلما زاد تورط أمريكا في أجزاء أكثر من العالم، كلما زاد تعرضها لهذه الأحداث، والدرس الأخير هو أن الخصوم (لأمريكا) في جزء من العالم، سوف يحاولون حتماً الاستفادة من الصعوبات التي تواجهها أمريكا في أجزاء أخرى.
وبعبارة أخرى، فإن سعي أمريكا إلى التفوق في أركان العالم، يشكل ضمانةً بأن أمريكا سوف تواجه أزمات متزامنة عاجلاً أم آجلاً.
ولاحظ تحليل مركز أبحاث كوينسي أنه: منذ وصولها إلى السلطة، حاولت إدارة بايدن مرتين تجاهل الأزمات الدولية المعقدة والخطيرة والانتقال إلى مسائل أخرى، وعلى حد تعبير أحد المسؤولين الأوروبيين: "لقد ظنوا أنهم كانوا يرکلون العلب الفارغة جانباً، لكنهم أدركوا أنها كانت قنابل يدوية".
في ربيع عام 2021، كان المسؤولون الأمريكيون يعلنون سرًا أن اتفاق مينسك لحل الصراع في شرق أوكرانيا (الذي يضمن الحكم الذاتي لمنطقة دونباس داخل أوكرانيا) قد انتهى، ومع ذلك، لم تكن لديهم أي فكرة عما يمكنهم استبداله، سوی تسليح أوكرانيا والإصرار على دعم أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) في مستقبل غير محدد.
وكان أمل الإدارة الأمريكية هو وضع القضية الروسية الأوكرانية على الرف والتركيز على مواجهة خصم أقوى، وهو الصين. وعندما أوضحت موسكو أنها لا تستطيع التعامل مع هذا الوضع، لم يكن لدى الإدارة الأمريكية أي خطة، سواء للالتزام الكامل تجاه أوكرانيا أو للتوصل إلى تسوية دبلوماسية مع روسيا.
وفي الشرق الأوسط، توقف إحياء الاتفاق النووي مع إيران بسبب مطالب الولايات المتحدة التي لم تقبلها طهران بشكل واضح، معتقدين أن طهران ليست في وضع يسمح لها بإيذاء الولايات المتحدة أو "إسرائيل" بشكل جدي.
كما تم تجاهل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى حد كبير، حتى في حين كانت سياسة الاستيطان الإسرائيلية تعمل يوماً بعد يوم على تدمير إمكانية التوصل إلى "حل الدولتين"، الذي تلتزم به الولايات المتحدة رسمياً.
وبدلاً من ذلك، اتبعت إدارة جو بايدن المسار نفسه الذي اتبعته إدارة دونالد ترامب للتحايل على هاتين القضيتين، من خلال تعزيز تحالف عملي بين "إسرائيل" والمملكة العربية السعودية؛ وذلك للحد من إيران وجعل الفلسطينيين معزولين ومشردين تماماً.
ولكن بطبيعة الحال، تمكنت حماس من رؤية مسار هذا التصميم الأمريكي بشكل جيد للغاية، وكانت النتيجة صراعاً كارثياً جديداً يقضي، بين قضايا أخرى، على أي أمل في التطبيع السعودي الإسرائيلي، ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار البلدان التابعة لأمريكا في الشرق الأوسط.
من خلال سعيها إلى التفوق في جميع أنحاء العالم، تخلق أمريكا اليقين بأنها ستواجه التهديدات والأزمات في جميع أنحاء العالم. وحتى لو تمكنت، من حيث المبدأ، من حشد الموارد اللازمة للاستجابة لها، فمن غير المرجح أن يكون لدى الشعب الأمريكي الإرادة لتقديم تضحيات اقتصادية غير محدودة.