الوقت - مع تجاوز عدد القتلى من سكان غزة حاجز الـ 1900 قتيل في اليوم السابع للحرب، واحتمال ارتفاع هذا العدد بشكل كبير في الأيام المقبلة بسبب التهديدات التي يطلقها قادة تل أبيب هذه الأيام بشأن الاستعداد لهجوم بري واحتلال عسكري واسع النطاق، فإن فصلاً جديداً من الإبادة الجماعية والتهجير والتشرد للشعب الفلسطيني يشهده التاريخ.
هذه المرة جاءت الصهيونية العالمية إلى الميدان بكل ما أوتيت من قوة مالية وإعلامية وعسكرية، من أجل منع تغيير مشهد المعادلات الميدانية لمصلحة فلسطين بكل الطرق الممكنة، وعرقلة ظهور أفق جديد من التطورات في النطاق الجغرافي للمنطقة والعالم الإسلامي يقوم على انتصار المقاومة، لأنها تعلم جيداً أن طوفان الأقصى سيكون نقطة التحول لبداية الانهيار الكامل والداخلي للکيان.
حالياً، وبسبب الضعف الخطير للجيش الصهيوني ومخاوف قادة الکيان من الدخول السريع إلى غزة، فإن فصائل المقاومة مستعدة بالتأكيد لهذه المرحلة، وقد أعدت سيناريوهات مختلفة لإقحام الجنود الصهاينة في حرب مدن، ويبدو أن تركيز الکيان الصهيوني ينصب على مواصلة القصف المكثف للمدينة حتى يتحرك الفلسطينيون بشكل جماعي نحو الحدود المصرية، ويكررون المصير نفسه الذي أوقعوه بالشعب الفلسطيني عام 1948 في يوم النكبة.
حدث يوم النكبة عندما غادر حوالي 725 ألف عربي فلسطيني منازلهم أو فروا أو طردوا خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، والحرب الأهلية التي سبقتها، ومنذ ذلك الحين، يعيش الناجون من هذا الحدث في سوريا ولبنان والأردن ومصر في حالة نزوح، ويحلمون بالعودة إلى ديارهم.
في غضون ذلك، وعلى الرغم من حقيقة أن شعب غزة قاوم ببطولة الهجمات الوحشية للصهاينة، فإن الكثير من الناس غير مستعدين لمغادرة منازلهم، ولكن في هذه اللحظة الحرجة، يقع على عاتق الحكومات والدول الإسلامية واجب ثقيل وهو منع تنفيذ خطة الصهاينة الشريرة من خلال دعم المقاومة بقوة.
لأنه بالتأكيد، في التخطيط للمستقبل، ينظر القادة الغربيون والصهاينة إلى سلوك الدول الإسلامية، إضافة إلى مراقبة تحركات محور المقاومة، وإذا وقفت هذه الحكومات بثبات في دعم فلسطين، فإن المحور الغربي الصهيوني سيضطر أيضاً إلى تعديل مواقفه العدوانية والاحتلالية.
وللأسف، حتى هذه اللحظة، رغم الحضور الکبير لأبناء الأمة الإسلامية في كل أنحاء العالم لإظهار سعادتهم بانتصار عملية طوفان الأقصى وإدانة جرائم الاحتلال، لکن المؤسسات والمنظمات الدولية العربية والإسلامية، مثل الجامعة العربية، فقد كان أداؤها سيئاً للغاية وأقل من التوقعات، ولم تظهر بأي حال من الأحوال على مستوى تطلعات الشعب الفلسطيني والرأي العام في العالم الإسلامي.
وفي هذا الصدد، في خطوة مؤسفة انعقد يوم الأربعاء 11 تشرين الأول اجتماع استثنائي للجامعة العربية برئاسة المغرب، وكانت أهم نتائجه إدانة الجانبين، وعدم اعتبار الحصار "إبادة جماعية" وفق متطلبات القانون الدولي لحقوق الإنسان.
ومن المؤكد أن حكومة المملكة المغربية، التي تعتبر من الخونة لقضية فلسطين ومن الحكومات المتحالفة مع الکيان الصهيوني عبر عملية التطبيع، كان لها دور في إعداد مثل هذا البيان المخزي.
هذا الموقف للجامعة العربية لا يعكس بأي حال من الأحوال مواقف الشعوب العربية والمسلمين في جميع أنحاء العالم، بل حتی لا يوجد إجماع داخل الجامعة العربية، كما أنه في السياق نفسه، انتقدت سوريا والعراق وليبيا والجزائر هذا البيان، وقالت إن "أي صيغة يفهم على أساسها سلوك الکيان الإسرائيلي المحتل والشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال على قدم المساواة" مرفوضة.
کذلك، انتقدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية هذا البيان، حيث قال حسين أمير عبداللهيان في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد حول بيان الجامعة العربية بشأن الوضع في فلسطين: البيان الصادر عن الجامعة العربية كان مخيبًا للآمال.
وزير الخارجية الإيراني، الذي اقترح عقد اجتماع استثنائي لرؤساء منظمة التعاون الإسلامي في طهران، قال أيضًا: "أود أن أنقل بصوت عال هذه الرسالة من دمشق إلى قادة الدول الإسلامية والعربية والمنظمات الدولية، بأن الشعب المظلوم والمدنيين في غزة بحاجة اليوم إلى دعم عالمي عاجل لرفع الحصار الإنساني، ووقف جرائم الحرب الصهيونية ضد شعب غزة".
بعد هذا الاجتماع المخيب للآمال للجامعة العربية، فإن أمل الشعب الفلسطيني والمسلمين يتركز الآن على عقد اجتماع قادة منظمة التعاون الإسلامي وقراراته الحاسمة، إن الدول الإسلامية لا ينقصها شيء من الناحية العسكرية بالقياس إلی قوى عظمى دولية، ناهيك عن الاحتلال الصهيوني المرتبك في التعامل مع فصائل المقاومة في قطاع غزة.
وبينما يفتخر الصهاينة بتفوق قواتهم الجوية، وتريد الولايات المتحدة أن تظهر أنها تقف وراء تصرفات الکيان بإرسال حاملة طائرات، لكن هذه الإجراءات ليست سوی نسيم في مواجهة عاصفة تحالف الدول الإسلامية لتفكيك بيت العنكبوت.
وإذا قدمت كل دولة إسلامية جزءاً بسيطاً من قواتها العسكرية من طائرات حربية والقوات البرية والصواريخ والطائرات دون طيار والدبابات وغيرها لمواجهة الکيان الصهيوني، بمحورية الدول المجاورة للأراضي المحتلة، أي مصر والأردن وسوريا ولبنان، سيرفع قادة تل أبيب والبيت الأبيض على الفور راية الاستسلام، وحتى لو هدّد الصهاينة بالأسلحة النووية، فإن باكستان تعتبر قوةً نوويةً بين الدول الإسلامية.
في الوقت الحاضر، لا يحتاج أهل غزة إلى بيانات أو مجرد التعبير عن التعاطف، لأنه بمثل هذا السلوك لن يكون هناك تغيير في سلوك وجرائم الصهاينة، وما يمكن أن يغير المشهد ويخفف من معاناة هذا الشعب المظلوم إلى حد ما، هو توجيه القبضة الحديدية لقادة الكيان الصهيوني وخلع أنياب هذا الذئب المفترس، وهو ما لا يتأتى إلا من خلال تشكيل غرفة عمليات الدول الإسلامية.
وعلى قادة الدول الإسلامية أن يعلموا أن الکيان الصهيوني وداعميه، ليسوا في وضع يسمح لهم بالوقوف ضد هذه الإرادة، لأن أجزاءً كثيرةً مهمةً من حياتهم تعتمد على العلاقة الإيجابية وحسن النية بين الدول الإسلامية، وإنقاذ الشعب الفلسطيني من براثن الکيان الصهيوني الدموية له الأولوية الآن على كل شيء آخر.