الوقت - بعد جولة جديدة من الصراعات والاشتباكات في قره باغ خلال الأسابيع الماضية، والتي أدت إلى سيطرة الجيش الأذربيجاني على قره باغ، فإن زيارة وزير الطرق والتنمية الحضرية الإيراني مهرداد بذرباش إلى باكو، والاتفاقيات التي تم التوصل إليها بشأن تعزيز خطوط النقل بين البلدين، كانت عملياً كالماء الذي صبّ على نار الأزمة، ليهدأ البال في الوقت الحاضر بإمكانية لجوء باكو إلی القوة، لتنفيذ مشروعها المزعوم بالارتباط المباشر بمنطقة ناختشيفان عبر الممر البري الذي تسميه زانجيزور.
خلال زيارة بذرباش كرئيس للجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي بين إيران وجمهورية أذربيجان، أدت المفاوضات بين الوفد الإيراني والسلطات الأذربيجانية إلى اتفاقيات جيدة في مجال العبور، لضمان مصالح البلدين وبدء فصل جديد من التعاون الاقتصادي وعلاقات الجوار.
وكان من أهم الاتفاقيات التي تم التوصل إليها، ما يتعلق ببناء جسر معلق حدودي فوق نهر أرس، لتعزيز الاتصال البري لجمهورية أذربيجان بمنطقة ناختشيفان ذات الحكم الذاتي عبر إيران.
وحسب تقارير إعلامية فإن الجسر الحدودي المذكور صالح لعبور السيارات، وسيتم بناؤه بطول 220 متراً وعرض 25 متراً على نهر أرس في منطقة أغباند كممر أذربيجان-إيران- ناختشيفان.
وفي هذا الصدد، قال وزير الطرق والتنمية الحضرية الإيراني على هامش العمليات التنفيذية لمشروع منطقة كلاله-أغبند الحدودية: وفقًا للتخطيط، سيتم بناء هذا الجسر وتشغيله خلال عام.
وأضاف: في الوقت نفسه سيتم إنشاء بنية تحتية جمركية على جانبي الجسر، ويومياً، ستسافر 1100 مركبة بين إيران وجمهورية أذربيجان باستخدام جسر أغبند.
كما أعلن بذرباش عن خطة تطوير أخرى لتعزيز البنية التحتية للنقل والتجارية والركاب بين البلدين، وبحسب وزير الطرق والتنمية الحضرية الإيراني، سيتم في الوقت نفسه توقيع مذكرة تفاهم لبناء جسر للسكك الحديدية على نهر أرس.
تجدر الإشارة إلى أنه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، تسبب بدء الخلافات بين أرمينيا وأذربيجان في تدمير 20 كيلومتراً من السكك الحديدية المشتركة في تلك الدولة، لذلك انقطع خط السكك الحديدية بين إيران وناختشيفان منذ التسعينيات، وكان أحد مطالب إيران دائمًا هو إحياء هذا الخط الحديدي، وخاصةً أن خط سكة حديد جلفا- ناختشيفان من طريق أستارا، هو الميزة الأكبر لإحياء ممر الشمال-الجنوب.
فوائد تنفيذ المشروع لكلا الطرفين
من المؤكد أن توسيع طرق العبور، إضافة إلى تسهيل العلاقات التجارية وتعزيز التبادلات الاقتصادية، سيكون له دور فعال للغاية في السيطرة على التوترات الإقليمية وإدارتها، وهو أحد متطلبات تحقيق أهداف خطط التنمية الاقتصادية التي يسعى إليها البلدان.
فمن ناحية، تدرك باكو جيداً أنها إذا تفاعلت مع طهران، يمكنها أن تخلق لنفسها أدواراً دوليةً جديدةً ومهمةً، وفي حين أنها تربط روسيا والهند (من خلال ممر الشمال-الجنوب)، فإنها يمكن أن تصبح عملياً عنصراً مؤثراً في اقتصاد منطقة البريكس.
كما أصبحت إيران الآن عضوًا رئيسيًا في منظمة شنغهاي، وتتمتع بموقع رئيسي في ممر الحزام والطريق الدولي المهم(طريق الحرير الجديد) في غرب آسيا، ولذلك تعتبر بوابة شنغهاي الشرقية للاتحاد الأوروبي في المستقبل، ويمكن لباكو أن تلعب دوراً مهماً في التجارة بين الشرق والغرب من خلال تطوير طرق العبور مع إيران.
وفي وقت سابق، خلال رحلته إلى إيران للمشاركة في اجتماع اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي بين إيران وأذربيجان، أكد شاهين مصطفاييف، نائب رئيس وزراء أذربيجان، تصميم البلدين على استكمال المشاريع غير المكتملة.
وذكر أن العدد الحالي للشركات الإيرانية في أذربيجان يبلغ 2452 شركة، وأضاف إن استكمال مشاريع مثل الجسر الحدودي المشترك والجمارك والسكك الحديدية وغيرها، سيساعد بشكل كبير في تعزيز العلاقات الثنائية.
وتجدر الإشارة إلى أنه منذ الوضع الحرج في ناغورنو كاراباخ عام 2020، والذي صاحبته حرب كبيرة ثم صراعات حدودية مستمرة بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا، رغم دعم إيران لإعادة الأراضي المحتلة إلى أراضي جمهورية أذربيجان، إلا أن العلاقات بين باكو وطهران تقلبت وأصبحت متوترةً، ورغم الاتصالات المتكررة بين مسؤولي البلدين والتأكيد على تقليل الخلافات وتعزيز العلاقات، إلا أنه في وقت قصير كان لهذه التوترات آثارها على التعاون الاقتصادي بين البلدين، وفرضت جمهورية أذربيجان ضرائب باهظة على مرور الشاحنات الإيرانية إلى روسيا.
لكن حسب المعلومات التي نشرتها الجمارك الإيرانية، ارتفعت قيمة التجارة بين إيران وجمهورية أذربيجان بنسبة 13% إلى 688 مليون دولار في عام 2022، ما يدل على الرغبة في توسيع التعاون الاقتصادي بين البلدين.
کما أن أكثر من 50% من حجم تجارة إيران مع جنوب القوقاز يكون مع جمهورية أذربيجان، وهو ما يعادل تقريبًا إجمالي تجارة أرمينيا وجورجيا، ما يجعلها الشريك الاقتصادي والتجاري الرائد لطهران في المنطقة.
على الجانب الآخر، تعدّ إيران ثامن أكبر مصدر لجمهورية أذربيجان، وشكلت أذربيجان 19% من إجمالي تجارة إيران مع دول بحر قزوين في الأشهر التسعة الأولى من عام 2022 (مارس إلى ديسمبر).
وكان الألومنيوم والزبدة المعبأة والبطاطس والسخانات والأجهزة غير الكهربائية ومنتجات البولي إيثيلين وسبائك الحديد والصلب، هي العناصر الرئيسية لصادرات إيران إلى جمهورية أذربيجان.
وكانت الآلات الصناعية وعلب تروس السيارات ومولدات الغاز والمخارط ووحدات توليد الهواء ومكابس إنتاج الألواح الخشبية ومجموعة مولدات الضغط والمحركات المكبسية، هي المنتجات الرئيسية التي استوردتها إيران من جارتها الشمالية العام الماضي.