الوقت- صرح مارتين إنديك، المستشار العليا في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، في مقابلة مع فارن أفرز، بتحليل التطورات الأخيرة في الأراضي المحتلة، والنقاط الرئيسية لذلك على النحو التالي:
جاء في تقريرٍ من "مشرق"، إن هجوم حماس المفاجئ كان فشلًا نظاميًا كاملاً، وقال التقرير: اعتاد الإسرائيليون على استخدام أدوات استخبارات معقدة لمعرفة بالضبط وبالتفصيل ما يعمل عليه الفلسطينيون، وقد قاموا ببناء جدار مكلف جدًا بين غزة والمجتمعات الإسرائيلية على الجانب الآخر من الحدود، وكانوا واثقين من أن حماس ستُثنى عن تنفيذ هجوم كبير؛ فحماس ليس لديها الجرأة لذلك، كما اعتقد الإسرائيليون أن حماس الآن في مزاجٍ مختلف: مركزة على هدنة طويلة الأجل يستفيد كلا الجانبين من تدبير "عش لتعيش".
وتابع التقرير: الإسرائيليون اليوم مذهولون ويشعرون بالشعور نفسه الذي شعروا به في الحادي عشر من سبتمبر 2001، وهو الشعور بـ "كيف يمكن لمجموعة إرهابية تنفيذ مثل هذا العمل؟ كيف يمكن أن يهزموا جهاز المخابرات القوي لـ"إسرائيل" والقوات الدفاعية القوية؟"، ليس لدينا إجابات جيدة حاليًا على هذه الأسئلة، ولكنني واثق من أن جزءًا من أسباب هذا الحدث يعود إلى غرور أساسي، وهو الاعتقاد الإسرائيلي أن وجود القوة يعرقل حماس وأن "إسرائيل" ليست بحاجة إلى حل للمشكلة على المدى البعيد.
وأضاف كاتب التقرير: فيما يتعلق بسؤال "لماذا بدأت حماس بهذا النوع من الهجوم وما هي المنطقة الاستراتيجية لذلك؟"، يمكنني أن أجري تخمينًا فقط، بصراحة، ما زلت في حالة صدمة، ولكن أعتقد أنه يجب أن نأخذ في الاعتبار السياق والظروف الحالية.
العالم العربي يتحرك نحو التقارب مع "إسرائيل"، المملكة العربية السعودية تتحدث عن تطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، تضغط الولايات المتحدة على "إسرائيل" لمنح السلطة الفلسطينية المستقلة - التي تعتبر حماس عدوًا - بعض الامتيازات كجزء من هذه الاتفاقية، لذلك، رأت حماس وحلفاؤها الإيرانيون فرصة لتعكير صفو هذه العملية بأكملها، والتي كانت تشكل تهديدًا عميقًا لكلاهما.
وقال: لا أعتقد أن حماس تتبع توجيهات إيران، ولكنني أعتقد أنهم يتعاونون ولديهم مصلحة مشتركة في إعاقة العملية التي كانت قائمة، والتي كانت تحظى بدعم كبير أيضًا من بين الجماهير العربية، كانت فكرتهم هي أن يجعلوا القادة العرب الذين توصلوا إلى السلام مع "إسرائيل" أو الذين يرغبون في التوصل إلى سلام يشعرون بالخجل ويثبتوا أن حماس وإيران هما من يمكنهما إلحاق الهزيمة العسكرية بـ"إسرائيل".
فور أن يتم إعطاء القضية الفلسطينية اهتمامًا، ستشهد الدول العربية المحيطة بالشرق الأوسط كيف يقتل الإسرائيليون عددًا كبيرًا من الفلسطينيين بالأسلحة الأمريكية، هذا يولد رد فعل قوياً جدًا، وقادة مثل محمد بن سلمان لن يكونوا مستعدين للوقوف ضد هذا المعارضة، والقيام بذلك، يحتاج إلى أن يقول لشعبه "هذا ليس هو الطريق الصحيح"، وبالنسبة للفلسطينيين، هناك إنجازات أكبر بكثير من تلك التي تحققها حماس التي تنتج فقط الكارثة والبؤس، في رأيي، توقع مثل هذا المستوى من الجرأة من قائد عربي، وخاصةً في مثل هذه الأزمة، هو توقع مفرط.
من وجهة نظري يجب أن أجيب على هذا السؤال "ما هي الخيارات المتاحة لإسرائيل؟"، وعندئذ يجب أن أذكر أن الإسرائيليين واجهوا مثل هذه الأوضاع خمس مرات سابقًا، ولديهم دليل مفصل عن الإجراءات المطلوبة، إنهم يجندون قواتهم، ويشنون هجمات جوية، ويتسببون في أضرار لقطاع غزة، ويحاولون تعطيل قيادة حماس، وإذا لم يكن ذلك كافيًا لوقف إطلاق الصواريخ من قبل حماس وقبول المفاوضات لتحقيق حرية الرهائن، فربما يجب أن ننتظر هجومًا شاملاً على غزة.
في الوقت الحالي، هذا الخيار يواجه مشكلتين: الأولى هي أن "إسرائيل" ستحارب في منطقة ذات كثافة سكانية عالية، ما سيؤدي إلى انتقادات دولية ضد الخسائر المدنية التي تلحقها "إسرائيل" باستخدام أسلحة متقدمة من صنع أمريكي، وهذا سيزيد من الضغوط على "إسرائيل" لوقف الهجوم، والثانية أنه إذا حقق الإسرائيليون النصر الكامل في حرب مشتركة، فسيكونون في وضعية حكم في غزة ويجب عليهم الإجابة على بعض الأسئلة: كيف يمكننا الانسحاب من هنا؟ متى سننسحب؟ ولمصلحة من سننسحب؟ يجب علينا أن نتذكر أن الإسرائيليين انسحبوا من غزة مرة واحدة في عام 2005 ولا يرغبون في العودة مرة أخرى.
نتنياهو يحذر بشدة من الحرب، إنه يتحلى بالحذر الشديد لكي لا تندلع حروب شاملة، لذلك، في رأيي، سيفضل استخدام القوة الجوية لمعاقبة حماس بما يكفي للوصول إلى وقف إطلاق النار، وبعدها الموافقة على المفاوضات لاستعادة الرهائن، بمعنى آخر، العودة إلى الوضع السابق: هذا ما يحاول الحصول عليه، سيحاول الاستفادة من التأثير الأمريكي والمصري والقطري لوقف حماس. إذا لم تؤد هذه الخطوة إلى نتائج، وأشك في أنها ستقود إلى نتائج، سينتقل بعدها إلى الخيارات الأخرى.
برأيي نتنياهو متردد لأنه يعلم أن حماس ترغب في إجبار "إسرائيل" على رد فعل عنيف لتصعيد الصراع، فمن خلال ثورة على الضفة الغربية وهجمات حزب الله وانتفاضة في القدس، لن تتعاون حماس مع أي رد فعل من "إسرائيل" يهدف إلى استعادة الوضع السابق، وعندما يتعلق الأمر بالنقاش بحدة، فإن الجانب الذي يجب أن نكون أكثر حذرًا منه هو حزب الله.
إذا زادت أعداد الفلسطينيين المقتولين، فإن حزب الله يهدد بالانضمام إلى المعركة، إن لديهم 150 ألف صاروخ ويمكنهم استهداف المدن الإسرائيلية الرئيسية، ما سيؤدي إلى حرب شاملة ليس فقط في قطاع غزة بل أيضًا في لبنان، وفي مثل هذه الحالة، سيكون الجميع متورطًا.
من الناحية الأخرى، إن السعودية ومصر والأردن، إضافة إلى الدول التي وقعت اتفاقات السلام مع "إسرائيل" مثل الإمارات والبحرين، يرون الاستقرار وتحقيق وقف إطلاق النار في مصلحتهم، فكلما استمرت هذه الحالة لفترة أطول، زادت صعوبة حفاظهم على العلاقات مع "إسرائيل".
بالنسبة لسؤال "هل تؤثر الاضطرابات السياسية الحالية في إسرائيل على عملية اتخاذ القرار في البلاد ؟"، إنني أعتقد أن هذه المسألة حاليًا على هامش الأحداث، إنها أزمة عميقة مع عوامل لا تزال مجهولة حتى الآن، ويواجه رئيس الوزراء مشكلة حقيقية ليس فقط في الدفاع عن المواطنين ولكن أيضًا في الهروب من تحمل المسؤولية عما حدث، ولا أعرف كيف يمكنه التصدي لهذا التحدي، يجب أن يجد طريقة للتخلص من نفسه في سبيل التصالح مع هذا الصراع، لا يمكنه السماح للتيارات المتشددة واليمينية المتطرفة في تحالفه بتحديد مسار الأحداث، لأنها تجعل "إسرائيل" تنزلق إلى أماكن سيئة جدًا، لذلك، يجب على نتنياهو أن يتمكن من احتواء تلك القوى لكنه لم يتمكن حتى الآن من فعل ذلك.
عندما يحدث هجوم مفاجئ من قبل العرب على "إسرائيل" في الذكرى الخمسين لهجومهم المماثل على "إسرائيل" عام 1973 (حرب أكتوبر)، فإن هذه النقطة لا تُعتبر محض صدفة، يجب أن نتذكر أن حرب أكتوبر كانت انتصارًا في نظر العرب، حيث نجحت مصر وسوريا في مفاجأة الجيش الإسرائيلي، وتمكنت من عبور قناة السويس والتقدم في هضبة الجولان حتى شعر العديد من الإسرائيليين بأن الأمور قد انتهت بالنسبة لـ"إسرائيل".
وعلاوة على ذلك، على الرغم من أن "إسرائيل" تغلبت في نهاية المطاف في تلك الحرب، إلا أن احتفالات الأيام الأولى لتلك الحرب لا تزال مستمرة في العالم العربي، والقدرة على تحقيق حماس للإنجاز نفسه بعد خمسين عامًا يعزز مكانتها في العالم العربي، ويشكل تحديًا كبيرًا للبلدان التي أبرمت اتفاقات سلام مع "إسرائيل" خلال هذه الخمسين سنة.
كما يجدر بالذكر أن حماس هي عدو مختلف تمامًا، ففي عام 1973، كان أنور السادات، زعيم مصر، بحاجة إلى الحرب مع "إسرائيل" لتحقيق السلام معها، بينما حماس هاجمت لتدمير "إسرائيل" - أو للسعي لإضعافها، حماس ليس لديها أي رغبة في السلام مع "إسرائيل".
الغرور الإسرائيلي هو ما جعل الإسرائيليين يعتقدون في عام 1973 أنهم لن يُهزموا وأنهم القوة العظمى في الشرق الأوسط، ولأنهم قوة قوية، لم يعد هناك حاجة للقلق بشأن مصر وسوريا، هذا الغرور نفسه ظهر في السنوات الأخيرة حتى عندما كان هناك أولئك الذين قالوا للإسرائيليين أن الأوضاع لن تكون مستدامة بالنسبة للفلسطينيين، كانوا يعتقدون أنهم يسيطرون على كل شيء ولكن الآن تبخرت جميع تلك التصورات تمامًا كما حدث في عام 1973، الآن يجب أن يتعاملوا مع هذه الظروف.