الوقت- لم يفارق القطريون مربّع اهتمامهم الأساسي بترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون، سؤالهم الدائم لكل من يلتقون به، هو رأيه بعون، وكيفية حل أزمة الاستحقاق الرئاسي دون أيّ إضافات. صحيح أن سؤالهم الدائم عن قائد الجيش يجعله مرشّحهم، لكنهم لم يقولوا أبداً ذلك بشكل واضح، لقد أراد القطريون تعطيل اندفاع رئيس تيار المردة سليمان فرنجية باتجاه بعبدا، ولم يقفوا على خاطر وليد جنبلاط أو بعض النواب المستقلّين الذين أعلنوا دعمهم له من أجل تعزيز حماستهم للقائد أقله، فهم لا يخوضون أبداً تلك المعركة التقليدية بالعدّة التقليدية، ما يقومون به اليوم، هو البدء بالسؤال عن قائد الجيش، سؤال عن كيفية حل الأزمة الرئاسية وعرقلة أيّ تقدم محتمل لفرنجية.
في كل جولاته، يطرح الموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني الأسئلة، ولا يقدم أجوبة أو تصورات، وفي كل جولة، يوسّع القطريون رقعة حركتهم لتطاول ثلاثة أو أربعة أشخاص إضافيين. يفضّلون الغداء أو العشاء على اجتماعات العمل التقليدية، يريدون لقاء لا اجتماعاً، بضع ساعات لا بضع دقائق، مع حرص على إفساح المجال أمام المسؤولين اللبنانيين للاستفاضة، ليجودوا بكل ما لديهم كما يشتهون دائماً، مستفيدين من النزعة اللبنانية الدائمة نحو الكلام أكثر من الإصغاء، وفيما يثني القطريون بشكل دائم – ولافت – على ما يقوله مستضيفهم؛ يثنون بالحماسة نفسها على المستضيف الأول والثاني والثالث والرابع حتى لو كان لكلّ من هؤلاء رأيه الذي لا يتفق أحد معه به.
هذا هو الدرس الأول في دورات حل النزاعات التي تلقّاها المسؤولون القطريون فهم لا يجادلون أبداً، ويثنون، ثم يثنون أكثر، ثم يبالغون في الثناء ويعتقد من يستقبلهم أنه أقنعهم بالكامل برأيه؛ ويمكن أن يصدق (سمير جعجع مثلاً) أنه هو من يرسم لهم سياستهم في البلد والمنطقة، وحين يُسأل المستضيف لاحقاً عما حصل في الاجتماع سيسارع إلى نقل ما قاله هو إلى ضيوفه لا ما سمعه منهم، إذا كان يسمع في الأساس، مع العلم أن المشكلة ليست في السمع، فهم لا يقولون شيئاً جوهرياً في الأساس، فهم يثنون على غالبية الأسماء التي ذُكرت أمامهم، مبالغين في الثناء حتى على من يعرفون أن لا ذرّة أمل له.
المهمة القطرية مستمرة
وعلى مستوى الوسيط القطري الشيخ جاسم بن فهد آل ثاني، فقد أفادت مراجع مطلعة بأنه ما زال في بيروت يحصي نتائج جولته غير المعلن عنها ليستأنفها الأسبوع الجاري بزيارة متوقعة إلى السرايا الحكومية، بعد أن يعود ميقاتي غداً إلى مكتبه في أعقاب الزيارة المطولة إلى نيويورك حيث شارك في اجتماعات الدورة الـ 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، والأردن لأسباب عائلية، للتشاور في ما آلت غليه مهمته.
ولفتت المصادر إلى أنّ مهمة الموفد القطري السرية مستمرة ولا حاجة للحديث عن مستقبلها وما تحقق منها وما يمكن ان تؤدي إليه. فهو ما زال في مرحلة استكشافية دقيقة يُحصي المواقف ويبحث عما يمكن ان يقوم به في المرحلة المقبلة للنفاذ باتجاه اي خطوة عملية إيجابية، سواء أكملَ الموفد الفرنسي مهمته او علّقها لأسباب مختلفة، فهما متكاملان يتبادلان المعلومات بطريقة منتظمة سواء بالوسائل الديبلوماسية أو عبر اللقاءات غير المعلنة والاتصالات المباشرة بين أعضاء فريق عمل كل منهما.
المبادرة القطرية ستأتي بطرح جديد
واعتبر المحلل السياسي عمار قهوجي أن القطريين “يأتون بخيار جديد وهو طرح ثلاثة أسماء للرئاسة مستقلين ومقبولين من جميع الأطراف ومختلفين عن المرشحين السابقين اللذين فشلا في الفوز في يونيو الماضي”.
ورأى أن قطر “تحاول إقناع جميع الأطراف بإجراء جلسات برلمانية لانتخاب واحد منهم وخاصة أن القطريين لديهم علاقات جيدة مع كل الأطراف في الداخل اللبناني، ولديهم علاقات جيدة مع إيران التي يمكن أن تؤثر على حزب الله”.
وذكر قهوجي أن للقطريين “تاريخ في مبادرات ناجحة في لبنان مثل اتفاق الدوحة عام 2008 الذي أنهى صراعا داخليا آخر حال دون إجراء انتخابات رئاسية حينها”.
وشكل “اتفاق الدوحة “برعاية قطرية في أيار 2008 نهاية لأزمة سياسية بين الموالاة (المدعومين من الدول الخليجية والغرب) والمعارضة (مدعومين من إيران والحكومة السورية) استمرت 18 شهرا، وكادت تعصف بالسلم الأهلي اللبناني.
وأوجد الاتفاق الذي أنجز بين أقطاب الفريقين بضمانات عربية حلا لانتخاب رئيس للبلاد وتشكيل حكومة وحدة وطنية والاتفاق على قانون انتخابي.
من جهته أوضح عاقوري أنه “ليس دقيقا ما يحكى عن إحلال المبادرة القطرية مكان المبادرة الفرنسية فعليا”، مشيرا إلى أن المبادرة القطرية “كانت قائمة حتى عندما بدأت المبادرة الفرنسية”. ولفت إلى أن “إعادة تفعيل المبادرة القطرية جاء بعد تراجع حظوظ وآمال فرنسا وعدم توصل المبادرة الفرنسية إلى أي نتيجة لأن المسالة في الحقيقة تتعلق بشكل أساسي بما يريده الفرقاء في الداخل اللبناني”.
استفادة من الأخطاء
يرى الكاتب والمحلل السياسي الأكاديمي عارف العبد، أن المبادرة القطرية “ستستفيد من أخطاء المبادرة الفرنسية التي تبنت أحد المرشحين المحسوب على إيران والحكومة السورية ما أدى إلى تقارب قوى عديدة مناهضة لهذا المحور وهذا ما لن تقوم به قطر”. وقال العبد: “حسب ما هو ظاهر فإن محور حزب الله لا يزال يقول إنه متمسك بمرشحه لكن يجب أن نرى النتيجة بعد المباحثات التي ستجريها قطر”.
وأشار إلى أن المبادرة القطرية “ستكون منطلقا جديدا لأغلب الأطراف للخروج من المأزق رغم صعوبة الأوضاع والخلافات في لبنان”.
ورأى الخبير اللبناني أن "الحل طالما أُفشلت كل الحلول الداخلية يجب أن يكون إيرانياً سعودياً، أو إيرانياً أمريكياً أو سعودياً أمريكياً أو أمريكياً مع حزب الله بطريقة غير مباشرة "، وأشار الدر إلى أن" الضغط السياسي والإعلامي الذي يُمارس على فرنجية للانسحاب من المعركة الرئاسية يكشف مدى قوة وجدية ترشيحه، لأن الأكيد أن فرنجية لن يخذل الثنائي ولا الثنائي سيتخلى عنه، والمسألة أبعد وأعقد وأعمق من ذلك".
واختتم الدر قائلا إن "العناد والكيدية وغياب المشروع والرؤية لدى القوات والتيار يدفع بالفراغ إلى مزيد من التمدد وقد قارب عامه الأوّل، وكما ذكر الرئيس بري بأن المشكلة لدى سياسيي الموارنة فيما بينهم وعلى رأسهم جعجع وباسيل، وليس صحيحاً بأن المشكلة مارونيّة شيعيّة كما حاول بعض الإعلام الترويج سابقًا".
يذكر أن زيارة الممثل الشخصي للرئيس الفرنسي، جان إيف لودريان الرابعة إلى لبنان ستكون قريبة في إطار مهمته المتمثلة في المساعي التي استهلت في شهر تموز الماضي بالتنسيق مع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر ومصر، بهدف إنهاء الشغور الرئاسي الذي قارب العام.
وأكد الرّئيس برّي أن الدعوة إلى الحوار انتهت، حيث قال في تصريح له لوسائل الإعلام "أدّيت قسطي للعلى وليتفضّل مَن رفض الحوار أن يقدِّم لنا بديلًا".
من جهته رد رئيس حزب القوات اللبنانية على تصريح بري بقوله "أنا أقدِّم لكم البديل من صلب موقفكم بالذّات، حيث جاء على لسانكم حرفيًّا "كان في مقدورنا أن نجتمع، فإن توافقنا فهذا خير للبلد، وإن لم نتوافق، فلا يعني ذلك نهاية الطريق، بل في كلا الحالتين ننزل إلى مجلس النواب ونَحتَكم إلى صندوق الاقتراع في جلسات انتخاب متتالية ومفتوحة حتى نتمكّن من انتخاب رئيس للجمهوريّة، وليربح مَن يربح"، وبالتالي لماذا لا تعتبر بكل بساطة، أنّنا لم نتوافق فيصار بعدها الانتقال مباشرة إلى الشقّ الثاني من مبادرتكم عبر الدعوة إلى جلسة بدورات متتالية".