الوقت- في ولاية بنسلفانيا، عُقد مهرجان "فلسطين تكتب" الثاني في نهاية الأسبوع الماضي في مدينة فيلادلفيا. جرت هذه الفعالية الثقافية في حرم جامعة بنسلفانيا، حيث استقطبت أعدادًا كبيرة من المشاركين والحضور. وكان مبنى "إيرفاين هول"، الذي يأخذ شكلًا مستديرًا في الحرم الجامعي، مليئًا بالباعة الذين قدموا تشكيلة متنوعة من المنتجات، بما في ذلك الكوفيات والثياب المطرزة والحقائب والدفاتر والقمصان والمجوهرات، بالإضافة إلى زيت الزيتون وغيرها. وبالطبع، شهد المكان وجودًا كبيرًا من الكتب، باللغتين العربية والإنجليزية، حيث كانت مكدسة على الطاولات متاحة للزوار للاطلاع والشراء. وتميزت هذه الكتب بتنوعها الأدبي، حيث شملت المذكرات والشعر وقصص الأطفال والمقالات والروايات والترجمات. وازدانت الفعالية بالنشاطات المتنوعة في الردهات المجاورة، حيث اجتذبت محبي الأدب والثقافة العربية والإنجليزية. هناك تم تنظيم مناقشات ومقابلات وحلقات نقاش ومحاضرات وقراءات، وذلك باللغتين العربية والإنجليزية.
تنوع ثقافيّ وأدبيّ
في المهرجان كان الجمهور متنوعًا ومتعدد الثقافات، حيث اندمج الجميع في جو من الاستمتاع بالفعاليات والمحتوى الثقافي المتنوع. تعكس هذه الفعالية التفاعل الثقافي والأدبي الحيوي في ولاية بنسلفانيا وتشجيع التبادل الثقافي بين الثقافات المختلفة. إن تنوع الأنشطة والمواد المقدمة خلال مهرجان "فلسطين تكتب" يعكس التزام الجالية بتعزيز التفاهم الثقافي والثقافات المتعددة. وتميزت هذه الفعالية بتنوع موضوعاتها ومشاركيها القادمين من جميع أنحاء العالم. كان هناك متحدثون من مختلف الخلفيات والتخصصات، مما أضاف طابعًا متنوعًا للمحتوى والمناقشات. واشترك الحضور من مختلف الثقافات والجنسيات في هذا الحدث الثقافي الهام.
ومع ذلك، كان هناك عامل مشترك يجمع بين جميع المشاركين والحضور في قاعة "إيرفاين هول"، وهو حبهم العميق لفلسطين والالتزام الثابت بقضيتها. كانت هذه الفعالية مناسبة لجمع محبي فلسطين والعمل سويًا من أجل دعم حقوق الفلسطينيين وحريتهم. إن هذا التوحيد حول قضية فلسطين يعكس التفاني والتفاعل الإيجابي للمشاركين في تعزيز الوعي حول قضية فلسطين ومواصلة النضال من أجل حقوقها. وعلى الرغم من التحديات والردود السلبية التي تعرض لها مهرجان "فلسطين تكتب"، فقد كان هذا الحدث نجاحًا مؤثرًا بشكل لافت. إن رد الفعل الصهيوني العنصري الذي اتخذ شكل اتهامات زائفة بمعاداة السامية لم يمنع المشاركين في المهرجان من تحقيق أهدافهم وتعزيز رسالتهم.
أيضاً، تميز المهرجان بالاحتفال بالمقاومة الثقافية ضد الاستعمار وبتسليط الضوء على التاريخ الغني والمتنوع لفلسطين. كما قدم المنتدى منبرًا لمناقشة وتبادل الأفكار حول مختلف جوانب القضية الفلسطينية. تجسد هذه الفعالية بوضوح مفهوم "ثقافة القوة بقوة الثقافة" كما وصفها إدوارد سعيد، حيث يمكن للثقافة أن تكون وسيلة فعالة للتعبير عن الهوية والمقاومة. وتظهر هذه الجهود الثقافية والأدبية كمساهمة مهمة في نشر الوعي بقضية فلسطين ودعم حقوق الفلسطينيين. تشجع مثل هذه الفعاليات على تعزيز التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية وتعزيز الحوار والفهم المتبادل بين مختلف الثقافات والجنسيات.
نوافذ تراث فلسطين
في كلمتها الافتتاحية لمهرجان "فلسطين تكتب"، وصفت المديرة التنفيذية سوزان أبو الهوى الفعالية بأنها وسيلة لفتح نوافذ للعالم لرؤية وسماع والاستمتاع بالتراث الأصيل لفلسطين، وذلك في إطار التعبير عن الهوية الثقافية والتاريخ العريق لهذا الشعب. ومن خلال تجميع أكثر من 1400 شخص من فلسطين والشتات، ومن خلفيات ثقافية متنوعة، جسد المهرجان التنوع والثراء الثقافي للشعب الفلسطيني. ومع مشاركة مائة متحدث ومنتج ثقافي يعملون في مختلف وسائل التعبير الثقافي، قدم المهرجان منصة لعرض المساهمات الثقافية الهائلة التي تأتي من هذا الشريط الجغرافي الصغير الواقع بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط.
وهذا الحدث يسهم بشكل كبير في نقل تراث وثقافة فلسطين إلى العالم وتعزيز الفهم والتواصل بين الثقافات المختلفة. إن مشاركة هذا العدد الكبير من الأفراد والفنانين والمثقفين تعكس التفاني والإصرار على الحفاظ على الهوية والتاريخ الفلسطينيين وإبرازهما على المستوى العالمي. ولفت الكاتب نيكي تاكورا في مقاله في "موندويز" إلى أمر ملفت للانتباه خلال عطلة نهاية الأسبوع في مهرجان "فلسطين تكتب"، وهو الشعور القائم تقريباً بالقرابة بين جميع الحضور. فكان من الملاحظ أنه بغض النظر عن خلفياتهم وتجاربهم، كان لدى الجميع وعيًا قويًا بمشاكل فلسطين، سواء كانت تلك المشاكل تتعلق بنقاط التفتيش الإسرائيلية غير القانونية، أو جدار الفصل العنصري الذي يفصل بين فلسطين التاريخية، أو التهجير القسري العنيف الذي تعرض له الفلسطينيون من وطنهم.
ومن هذا المنطلق، تبدو التجزئة والانفصال كجزء لا يتجزأ من الهوية الفلسطينية. وعلى الرغم من تجاربهم المختلفة وتنوع خلفياتهم، إلا أن الحضور جمعهم سوياً وشكلوا روابطًا عميقة. وهذه الروابط تجعل كل مقدمة تبدو وكأنها لم شمل طال انتظاره. إن هذا الانسجام بين الفلسطينيين من مختلف مناطق العالم يظهر الوحدة في وجه التحديات والصمود في وجه التهميش والظلم الذي يتعرضون له. وفي قلب قاعة "إيرفاين هول"، قدم المنظمون خريطة ضخمة لفلسطين، حيث بلغ ارتفاعها 29 قدمًا وعرضها 10 أقدام، وكانت هذه الخريطة تحمل أسماء القرى الفلسطينية الأصلية. جذبت هذه الخريطة الأطفال والكبار على حد سواء، حيث تجمعوا حولها بحماسة. كل فرد كان يشير إلى القرية التي ينتمي إليها ويحاول البحث عن أشخاص آخرين من نفس المكان. قاموا بمشاركة الأسماء الأخيرة في أمل بأنه ربما يكون هناك صلة عائلية مشتركة بينهم. كما قاموا بتخيّل كيف كانت تبدو حياة الناس في تلك القرى الصغيرة قبل وقوع النكبة وتهجير الفلسطينيين بسبب إسرائيل.
انتماء فلسطينيّ متنامٍ
تلك اللحظات التي جمعت الأطفال والكبار حول الخريطة أبرزت الروح القوية للانتماء إلى فلسطين والرغبة في الاتصال بتاريخها وتراثها المفقود. كانت هذه اللحظات تذكيرًا بالوحدة الفلسطينية في وجه التحديات والاحتفاء بالهوية الوطنية والثقافية المشتركة. وفي تعقيبه على هذا الحدث، كتب نيكي تاكورا أن "فلسطين تكتب" كانت على عكس مقولة ديفيد بن غوريون الشهيرة التي يُشار إليها باعتبارها قائلًا: "الكبار سيموتون والصغار سوف ينسون". ففي هذا الحدث، تمثل "فلسطين تكتب" نوعًا من الطقس الثقافي للذاكرة والتاريخ، وكانت وسيلة للحفاظ على تاريخ غني وجميل، الذي كان غالبًا ما يكون ضحية لسياسات المحو الصهيونية.
وهذا الحدث أعطى الأولوية للذاكرة والتاريخ الفلسطينيين، وأكسب الأجيال الشابة فهمًا أعمق لهويتهم وثقافتهم الأصلية. فقد تجمع المشاركون في هذا الحدث للاحتفال بمقاومتهم الثقافية ضد الاستعمار وللمساهمة في الحفاظ على تراثهم المشترك. هذا الحدث يظهر كيف يمكن أن تكون الثقافة والأدب والفن وسيلةً فعالة للمحافظة على الهوية الوطنية والتاريخ في وجه التحديات والمحاولات للمحو. وبشكل عام، كان "فلسطين تكتب" ليس فقط مهرجانًا ثقافيًا، بل كان أيضًا تعبيرًا عن الصمود والاستمرارية للشعب الفلسطيني في مواجهة التحديات والظروف الصعبة.
وتجسد هذه العبارة الروح القوية والمعنوية التي اجتمعت خلال مهرجان "فلسطين تكتب". إن تواجد الكثير من الأفراد في هذا الحدث واجتماعهم في مكان واحد لهو أمر قد أثر بشكل عميق على الحضور. إنه لحظة قدسية للكثيرين، خاصةً بالنظر إلى أنها المرة الأولى التي تجتمع فيها أعداد كبيرة من الفلسطينيين في هذا السياق. وتعبر هذه العبارة عن الوحدة والتضامن بين الحاضرين، وتظهر أهمية تجمعهم في هذا الحدث. إنها ليست مجرد فرصة للاحتفال بالثقافة والتاريخ الفلسطيني، بل هي أيضًا مناسبة لمواجهة التحديات والتعبير عن التضامن والتعاون في سبيل تحقيق التحرر والعدالة. يمكن أن تكون هذه اللحظة القدسية محفزًا قويًا للمشاركين للمضي قدمًا في مساهمتهم في مقاومة الاحتلال والدفاع عن حقوقهم وهويتهم.
إضافة إلى ذلك، تجسد "فلسطين تكتب" العديد من الأهداف والمفاهيم الهامة. إلى جانب الحفاظ على التاريخ السردي لفلسطين وتوثيقه، تمثل هذه الفعالية أيضًا منصة حرة وعضوية لتبادل الأفكار والمعرفة. يعكس ذلك الهدف المشترك للحرية الفلسطينية الذي يجمع جميع الحاضرين. يشير تاكورا إلى أهمية هذه الطبيعة التوليدية للحدث، حيث يتم بناء مجتمع فكري حول فلسطين وتعزيز التواصل والتفاعل بين مختلف الأفراد والثقافات.
في النهاية، يمكن أن تكون هذه اللقاءات والمناقشات حول مواضيع متنوعة مثل تاريخ التطريز الفلسطيني أو إنتاج أدب السجون أو التضامن الدولي مع المناطق المستعمرة، أو حتى تقديم نظرة على الأدب الثوري لغسان كنفاني، ملهمة ومفيدة. إنها تساهم في بناء فهم أعمق للقضية الفلسطينية وتشجيع التفكير النقدي والتعلم المشترك. بالإضافة إلى ذلك، تشكل هذه الأنشطة استمرارًا لمساهمة المقاومة الفلسطينية بمختلف أشكالها في تعزيز الوعي الدولي بحقوق الفلسطينيين وضرورة تحرير فلسطين.