الوقت - بعد أشهر من المفاوضات بين كبار المسؤولين الأمريكيين وحكام السعودية لدفع هذا البلد نحو تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني، يبدو أن السعودية هي الخيار التالي للانضمام إلى اتفاق "أبراهام"، وقد أظهرت التصريحات المتفائلة لمحمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، وبنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، تقارب مواقف الجانبين.
في الوقت نفسه، يسافر الوفد السياسي السعودي إلى الضفة الغربية بعد ثلاثة عقود للتحدث مع سلطات السلطة الفلسطينية، وحسب الخبراء فإن هذا الإجراء يعدّ رسالة طمأنة للفلسطينيين القلقين من التطبيع الوشيك للعلاقات بين الرياض وتل أبيب، لكن المعارضة الواسعة للرأي العام في العالم العربي والشعب الفلسطيني للتسوية، جعلت طريق السعوديين صعباً.
من أجل الوقوف على أبعاد التطبيع والعلاقة بين السعودية والكيان الصهيوني، تحدث "الوقت" مع السيد جواد معصومي، الخبير في قضايا غرب آسيا.
الوقت: في الأشهر الأخيرة، اتخذ السعوديون العديد من المواقف المتناقضة، وفي الاجتماع الأخير للأمم المتحدة حدث ملخص لذلك، فبينما تحدث وزير الخارجية السعودي في كلمته عن التمسك بخطة السلام العربية، اعتبر ابن سلمان أن المفاوضات مع الأمريكيين والصهاينة تتقدم، ما هو تحليلكم لاستراتيجية السعودية الرئيسية فيما يتعلق بالتطبيع؟ وما أهداف ورسالة زيارة الوفد السعودي إلى الضفة الغربية؟
السيد جواد معصومي: يعتزم ابن سلمان الحصول على تنازلات استراتيجية، بما في ذلك اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة، وتخصيب اليورانيوم في السعودية مقابل تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني، ومن ناحية أخرى، يحاول السعوديون الحفاظ على صورتهم في العالم العربي، الذي يزعمون أنهم زعيمه.
ولذلك، في هذا السياق، ومن أجل تحقيق مطالبهم، لم يكتفوا بالمفاوضات فحسب، بل بحثوا عن مسارات وشروط بديلة، بما في ذلك التوازن الإيجابي في العلاقات مع القوى الإقليمية وعبر الإقليمية، وفي مجال التكنولوجيا النووية، من أجل بناء محطة للطاقة، فقد أجروا مناقشات مع شركة روساتوم الروسية، وكذلك مع شركة صينية.
كل هذه التطورات عززت مواقف الرياض على طاولة المفاوضات مع واشنطن وتل أبيب، وبشكل ما تلعب بورقة الکيان الصهيوني مع الأمريكيين، وتأتي زيارة الوفد السعودي إلى الضفة الغربية تماشياً مع هذه المواقف السعودية نفسها.
الوقت: يبدو أن السلطات السعودية تريد الحصول على بعض الدعم على الأقل من الفلسطينيين، على عكس الإمارات، بدايةً هل تتفق مع هذا التحليل؟ وإذا كان الأمر كذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو أنه في السنوات الأخيرة، مع تراجع منظمة السلطة الفلسطينية من مركز التطورات الفلسطينية وصعود المقاومة (الذين هم ضد أي تسوية تماماً، وتكرر هذا الموقف مرةً أخرى في اجتماع قيادات المقاومة في بيروت)، كيف يريد السعوديون تقديم وصفة مقبولة للشعب الفلسطيني؟
السيد جواد معصومي: من أجل الحفاظ على صورتها في العالم الإسلامي، تسعى السعودية إلى تقديم نسخة حل الحكومتين، لكن هذه الخطة بعيدة كل البعد عن المطالب والشروط الأساسية للشعب الفلسطيني، وإذا أعلنت الدولة الفلسطينية عن وجودها على المدى القصير، فإن ذلك سيتيح لحكام السعودية في الداخل تبرير عملية التطبيع للرأي العام.
ومن ناحية أخرى، داخل الأراضي المحتلة، هناك الحكومة الأکثر تطرفاً، وأشخاص مثل إيتمار بن غفير وزير الأمن الداخلي، وبتسلئيل سموتريش وزير المالية، بسياساتهم العنصرية، لن يوافقوا على المقترحات السعودية.
والنقطة المهمة الأخرى هي أن الشعب الفلسطيني الآن يؤمن بقوة بفصائل المقاومة، ومع العمليات الخاصة التي تقوم بها ضد الصهاينة، أصبح محور المقاومة أقوى ولا يقبل أي تسوية.
ومن ناحية أخرى، فإن وضع الحكومة الإسرائيلية والمجتمع الصهيوني ملتهب للغاية، بل إن هناك احتمال نشوب حرب أهلية. ولذلك، بشكل عام فإن النسخة التي سيطرحها السعوديون لن تلقى ترحيباً من المقاومة والمتطرفين الصهاينة، ولن تتحقق عملية تطبيع العلاقات قريباً.
الوقت: إذا نظرنا إلى القضية من جانب آخر، فإن القضايا الجيوسياسية والاقتصادية بارزة جدًا في قضية التطبيع بين السعودية والکيان الإسرائيلي، وعلى وجه الخصوص خطة الممر التجاري الذي يبدأ من الهند ويمر عبر الإمارات والسعودية، ويصل إلى موانئ الکيان الإسرائيلي في البحر الأبيض المتوسط ومن ثم أوروبا.
يعتبر الخبراء أن هذه الخطة هي مشروع أمريكي في الأساس لمواجهة خطة الحزام والطريق الصينية، بينما تتطلع السعودية أيضًا إلى لعب دور في الخطة الصينية، ألا تمنع المشاركة في الخطة الأمريكية الرياض من المشاركة في الخطة الصينية؟
السيد جواد معصومي: ينبغي لجميع الخطط المتعلقة بممرات النقل الدولية المقترحة، أن تكون مجديةً اقتصادياً لنقل البضائع في أقصر وقت ممكن، والخطة التي قدمتها الهند والولايات المتحدة مؤخراً، لا تتبع مبادئ النقل من حيث فعالية التكلفة ومساراتها والمسألة الاقتصادية، وهي أشبه بتوصية سياسية.
تسعى أمريكا إلى تحقيق عدة أهداف من خلال هذا الاقتراح، أولاً، تريد استعادة علاقاتها مع الهند، وسيتم دفع تكاليف ذلك من جيوب الإمارات والسعودية، من أجل إضعاف علاقات الهند مع الصين وروسيا في إطار منظمة شنغهاي للتعاون وبريكس، ثانياً، تحاول واشنطن خلق مواجهة استراتيجية بين الهند والصين من أجل استبدال الصادرات الهندية لمنافستها من خلال عرقلة بناء طريق الحرير الصيني.
ومن ناحية أخرى، فإنها تخلق خلافات بين الإمارات والسعودية، اللتين أصبحتا مؤخراً أعضاء في مجموعة البريكس، وعن طريق تطبيع العلاقات فإنها توفر أرضيةً للنقل الدولي لمصادرة إيرادات مصر لمصلحة تل أبيب، من خلال تجاوز قناة السويس عبر هذا الممر.
ومن خلال هذه الإجراءات أيضًا، تريد الولايات المتحدة إنشاء منافس لدول البريكس لمنع توسعها العالمي، كما تسعى إلى خلق المنافسة ودمج الکيان الصهيوني في غرب آسيا.
ويعتقد العديد من الخبراء أن الممر الهندي الأوروبي من غير المرجح أن يتم تنفيذه، لأن النقل على هذا الممر ليس فعالاً من حيث التكلفة، حيث هناك ممرات السكك الحديدية مثل طريق الحرير، الذي يربط آسيا بأوروبا، ولن تسمح الصين ببناء الخطة الأمريكية، وعلى هذا، فإن الاقتراح الأمريكي المبتكر ليس عملياً، ولأن السعوديين يدركون هذه القضية، فإنهم يستخدمون هذه الخطة كورقة لعب مع أمريكا.
الوقت: لقد تم تقديم المجتمع السعودي على أنه مجتمع يجدّد نفسه، ويتعاطف جزء كبير من الشباب على الأقل مع إصلاحات ابن سلمان، فهل الأمر نفسه في ملف التطبيع؟ كيف ترون تعامل المجتمع مع قضية التطبيع؟ وهل محمد بن سلمان قلق من هذا؟
السيد جواد معصومي: حاليًا، يرى بعض السياسيين السعوديين أن السعودية، بتطبيع العلاقات، تسير في اتجاه هدفه النهائي غير معروف، لأن الشعب غير موافق على هذه الخطة، كما يعتقد المعارضون والمنافسون الداخليون لابن سلمان، أن جهود ولي العهد لمواءمة الشباب مع خططه هي من أجل بقاء عرش حكومته، وعملية التطبيع هذه هي في الواقع إنجاز شخصي أناني سينتهي بخسارة الفلسطينيين.
ولأن فلسطين عربية وإسلامية بطبيعتها، فمن غير المرجح أن يتصالح الرأي العام السعودي مع هذا الأمر، كما يحاول خصوم ابن سلمان السياسيون إطلاع الناس على عواقب هذه التسوية.
الوقت: في الولايات المتحدة، هناك نقاشات ومخاوف بشأن مخاطر القبول بالشرط السعودي فيما يتعلق بإبرام اتفاق أمني، ومن ناحية أخرى، فقد أظهرت الحكومة الصهيونية المتطرفة أيضًا أنها غير مستعدة لتقديم حتى أدنى تنازل للفلسطينيين، في ظل هذه الظروف، ما هي رؤيتكم للتطبيع على المدى القصير؟
السيد جواد معصومي: من تطبيع العلاقات مع السعودية، تسعى تل أبيب إلى الانضمام إلى النظام الاقتصادي والسياسي للمنطقة، من أجل فتح الطريق أمام الدول الأخرى للتوصل إلى تسوية، ونتنياهو يعرف جيداً أن للرياض مكانةً عاليةً بين الدول المحافظة التقليدية، وهو يحاول الدخول في آلية إقليمية من خلال عرض إقامة علاقات سياسية مع السعودية.
ويحاول ولي العهد السعودي أيضاً إقامة علاقات متوازنة مع كل القوى الإقليمية، لكن بالنسبة للخطوة الأولى في طريق تنميتها الاقتصادية، تحتاج الرياض إلى أقصى درجات الأمن وصفر توتر مع جيرانها، كما تجري محادثات السلام اليمنية في هذا الاتجاه.
إن متغيرات مثل التزام أمريكا بالحفاظ على التفوق العسكري للکيان الصهيوني في المنطقة، ومعارضة السلطات الصهيونية لتخصيب اليورانيوم في السعودية، وقرب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وتطبيع العلاقات السعودية مع إيران، جعلت الرياض غير راغبة في تطبيع العلاقات مع تل أبيب على المدى القصير.
لذا، تشير التقارير إلى تعليق انضمام السعودية إلى اتفاقيات أبراهام في الوقت الحالي، لكن مبدأ مشروع السلام بين الکيان الإسرائيلي والسعودية لا يزال قائماً، ولا يبدو أنه سيكون هناك تغيير استراتيجي في سياسات القادة السعوديين والصهاينة، ولا يزال من السابق لأوانه تحديد السيناريوهات المحتملة التي قد تحدث في المفاوضات لدفع عملية تطبيع العلاقات.
والأمر المؤكد هو أن اعتراف السعودية بالكيان الصهيوني سيدفع دولاً عربية أخرى في هذا الاتجاه أيضاً، لكن الرأي العام العالمي وحكومات الجزائر وقطر والكويت وعمان، لا يتبعون هذا المشروع.
وفي الداخل الإسرائيلي أيضًا، يشكل المتطرفون أكبر عائق أمام تنفيذ هذه الخطة، والذين يطالبون بضم الضفة الغربية بأكملها إلى الأراضي المحتلة من أجل طرد جميع الفلسطينيين، ومجموعة هذه المشاكل ستعطل تطبيع العلاقات.