الوقت- رغم مرور شهر ونصف على انقلاب جيش النيجر، لا تزال فرنسا وحلفاؤها يسعون لإعادة "محمد بازوم" رئيس هذا البلد المخلوع إلى السلطة، وبعد الانقلاب وفشل المفاوضات السياسية مع المجلس العسكري النيجري، أصبح الآن احتمال اللجوء إلى الخيار العسكري أقوى من أي وقت مضى.
وفي هذا الصدد، قال العقيد أمادو عبد الرحمن، عضو المجلس العسكري في النيجر، في بيان الأحد الماضي: "تواصل فرنسا التخطيط لنشر قواتها في بعض دول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس) في إطار الإعداد والتحضير لغزو النيجر، هذا الأمر يحصل الآن ويستمر".
وأكد عبد الرحمن: "في 7 سبتمبر/أيلول الجاري، رست سفينة عسكرية فرنسية في بنين، وكانت تحمل قوات ومعدات عسكرية. كما لوحظت نحو 100 عملية لطائرات الشحن العسكرية ونقلت كميات كبيرة من المعدات العسكرية في السنغال وساحل العاج وبنين، وكل هذه المناورات تتم بهدف التدخل العسكري الناجح في بلادنا.
وبعد أن منح المجلس العسكري في النيجر السفير الفرنسي مهلة 48 ساعة لمغادرة البلاد، وهو ما يعني قطع العلاقات الدبلوماسية مع فرنسا، دخلت التوترات مرحلة جديدة، ومع استنفار جيش النيجر، أصبحت البلاد في حالة استنفار أمنية، ورغم أن الحكومة الفرنسية نفت السبت أي عمل عسكري ضد النيجر، فإن خطوة سحب القوات العسكرية الفرنسية من هذا البلد الأفريقي في الأيام الأخيرة تعزز فرضية الغزو العسكري.
وتحاول السلطات الفرنسية التظاهر بأن انقلابات النيجر ليس لها أي شرعية، لكن مسيرة مئات الآلاف من الأشخاص في الشوارع دعما للجيش وحرق الأعلام الفرنسية وترديد شعار طرد المستعمرين الفرنسيين أظهرت أن المجلس العسكري لديه المزيد والقبول بين الناس، حتى لو كانت العقوبات الغربية وعقوبات منظمة التعاون الاقتصادي تلقي بظلالها على سبل عيشهم.
ما هي احتمالات التدخل العسكري؟
الحقيقة هي أنه في الوضع الحالي، لا تستطيع فرنسا وحدها مهاجمة النيجر، والسبب الرئيسي الذي أعطى قادة باريس الشجاعة لاستخدام خيارهم الأخير هو الدعم الواسع النطاق الذي يقدمه المجلس الاقتصادي والاجتماعي لمصالح الغرب، لأنهم سيستفيدون أكثر من الفرنسيين أنفسهم من مهاجمة النيجر، وسبق أن هدد أعضاء جماعة إيكواس بالتدخل عسكريا إذا فشلت الضغوط الدبلوماسية لإعادة بازوم إلى السلطة، وزعموا أنهم حددوا وقت الهجوم.
وحدد المجلس العسكري في النيجر، الذي تولى السلطة رسميا، فترة ثلاث سنوات لانتقال السلطة، لكن فرنسا والمجلس الاقتصادي والاجتماعي لم يقبلا ذلك، وذلك لأن تجربة مالي وبوركينا فاسو وغينيا التي ذاقت الانقلابات وما حدث في السنوات الأخيرة يتنافى مع التزاماتهم بشأن العملية الانتقالية، وكل ذلك حصل لأن المجلس العسكري لأيكواس لم يتصرف بالقوة، ولذلك، نشأ القلق في باريس والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا من أن النيجر لن توافق على نقل السلطة، ويعتبرون أن الوسائل العسكرية هي الخيار الوحيد الممكن للحفاظ على مصالحهم التي فُقدت.
ورغم أن فرنسا وحلفاءها في المجلس الاقتصادي والاجتماعي يعتقدون أنهم قادرون على إعادة حكومة النيجر السابقة إلى السلطة من خلال الخيار العسكري، إلا أن هناك بعض العقبات الخطيرة التي قد تؤدي إلى توسيع أبعاد الأزمة.
وحسب الخبراء، فإن "النزعة المحافظة لدى الطرفين تشكل عائقا كبيرا أمام الصراع العسكري، وخاصة الأطراف التي تلعب الدور الرئيسي في الصراع، مثل الحكومة الجزائرية، التي لا تزال تحاول حل الأزمة عبر القنوات الدبلوماسية".
ورغم أن باريس لم توافق رسميا على التدخل العسكري، إلا أن دولتي بوركينا فاسو ومالي، رغم عضويتهما في المجلس الاقتصادي والاجتماعي، حذرتا من أنهما ستدعمان النيجر في حالة العدوان.
وأفادت تقارير بأن وحدات من جيش بوركينا فاسو دخلت النيجر، السبت، في إطار شراكة لتدريب وتطوير قدرات قوات البلدين في مكافحة الإرهاب، وفي نهاية أغسطس الماضي، أرسلت بوركينا فاسو ومالي طائرات مقاتلة وأسلحة إلى النيجر لاستخدامها في الدفاع عن أمنهما في حالة الغزو الأجنبي، كما حذرت الدولتان مرة أخرى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا من أن أي تدخل في النيجر سيكون بمثابة "إعلان حرب" لهذه الدول.
ويبدو أن المواقف التي أعلنتها الولايات المتحدة لا تتوافق مع مصالح فرنسا، وقد انتقد مسؤولو الإليزيه بشدة سياسة واشنطن المختلفة، ورغم إيمان البيت الأبيض بالدبلوماسية، يبدو أن واشنطن أعطت في الأيام الأخيرة الضوء الأخضر لتنفيذ هذا الهجوم على باريس.
وفي هذا الصدد، نقلت وكالة رويترز للأنباء، السبت، عن سابرينا سينغ، المتحدثة باسم البنتاغون، قولها إن الولايات المتحدة تنقل بعض أطقمها ومعداتها من القاعدة الجوية 101 في نيامي إلى القاعدة الجوية 201 في أغاديز شمال البلاد، ولم يتضح بعد ما إذا كانت تحركات القوات داخل النيجر جزءًا من الاستعدادات المحتملة في حال قررت الولايات المتحدة سحب قواتها بالكامل من هذا البلد أم لا؟
ومن ناحية أخرى، فإن للقوى الخارجية أيضاً مصالح واسعة في النيجر، التي لن تبقى صامتة في وجه الهجوم العسكري الذي تشنه فرنسا وحلفاؤها على هذا البلد، حيث في هذه الأثناء، تستخرج الصين النفط من النيجر وتسعى إلى الاستقرار والأمن في هذا البلد. وإلى جانب وجود مصالح اقتصادية وعلاقات عسكرية مع النيجر، تمتلك تركيا أيضًا مطار نيامي الدولي، وتتمتع روسيا بعلاقات قوية مع دولتي مالي وبوركينا فاسو، باعتبارهما جارتين للنيجر، وسبق أن حذرت من القيام بغزو عسكري للنيجر، ولذلك فإن من الواضح أن جميع هذه الدول تريد حلاً سلمياً للأزمة ولا تقبل باستخدام القوة في النيجر بما يعرض مصالحها للخطر.
أحجار الدومينو لهزيمة فرنسا في أفريقيا
إن أحجار دومينو الانقلابات في أفريقيا، التي سحقت حصون الفرنسيين في هذه القارة الواحدة تلو الأخرى، أثارت قلقا عميقا لدى السلطات الفرنسية، ولم يتعاف الفرنسيون بعد من فشل انقلاب النيجر، ففي أقل من شهر وقع الانقلاب الثاني في أوائل سبتمبر في الغابون، وأطاح الجيش بالرئيس علي بونغو من السلطة، لقد أفسد الانقلاب الغابوني أوراق فرنسا للعب ضد النيجر، التي كانت تهدف إلى وضع النيجر في مأزق من خلال العقوبات الاقتصادية ومنع الانقلاب من الانتشار إلى مناطق أخرى، وهو ما فشلت به أيضا في هذا السيناريو.
لقد عانت فرنسا من الانقلابات الأخيرة في أفريقيا أكثر من أي دولة أخرى، والقاسم المشترك للانقلابات السبعة الأخيرة في أفريقيا هو أنه، باستثناء السودان، فإن دول النيجر ومالي وبوركينا فاسو وغينيا بيساو وغامبيا، كانت ساو تومي وبرينسيبي مستعمرتين سابقتين في الماضي، وكانتا فرنسيتين، ومنذ الاستقلال كانت تخضع جزئياً لحكم زعماء متحالفين مع باريس، والذين أطيح بهم في نهاية المطاف من السلطة على يد جيل جديد من الضباط العسكريين الذين خاب أملهم إزاء الوعود الديمقراطية التي لم يتم الوفاء بها في العقود السابقة.
ولذلك فإن فرنسا التي أظهرت ضعفها في مواجهة موجة الانقلابات السابقة، تحاول الآن ألا تخسر النيجر، كما خسرت سابقا دولة مالي وخرجت من دائرة نفوذ باريس نحو موسكو، ولا تريد أن يتم جر النيجر إلى هذا المسار.
وما يزيد من حساسيات فرنسا تجاه النيجر هي المصالح الاقتصادية، ووفقا للتقديرات، تستمد فرنسا نحو 35 في المئة من احتياجاتها الكهربائية من اليورانيوم المخصب من النيجر، وتستورد فرنسا اليورانيوم من النيجر بأسعار منخفضة، وتدفع 300 مليون دولار سنويا، وإذا ضاع هذا المورد الاستراتيجي، فسيتعين على باريس أن تبحث عن مصدرين آخرين أو تستورد الغاز الطبيعي بأسعار باهظة، ما يتطلب استثمارات جديدة، مثل محطات الطاقة الحرارية، والتي سوف تكون مكلفة بالنسبة لباريس في الوقت نفسه الذي تتحمل فيه تكاليف المساعدات الباهظة لأوكرانيا.
كما تعتبر النيجر مركز العمليات في منطقة الساحل بعد طرد القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو، ولها قاعدة عسكرية كبيرة في نيامي، وحسب الخبراء، فإن "هذه القاعدة العسكرية الفرنسية تلعب الدور الأبرز في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، كما تراقب موجات الهجرة الإفريقية غير الشرعية إلى أوروبا، كما أنها مركز عمليات حلف شمال الأطلسي في المنطقة".
وليس من قبيل الصدفة أن تكون كل الانقلابات لمصلحة روسيا وإلى حد ما الصين وضد مصالح الغرب، وخاصة فرنسا، التي هي مصدر معظم الشرور في أفريقيا، لأن تاريخ الاستعمار الفرنسي قد جرح قلوب سكان القارة السوداء وهم غير مستعدين لمواصلة العيش تحت علم باريس إلى الأبد.
ويشكل فقدان فرنسا لنقاطها الاستراتيجية في أفريقيا واحتمال حدوث انقلابات متكررة في دول أخرى في القارة اختبارا قويا لدبلوماسية باريس، وكيفية تعويض مصالحها الضائعة، وحسب مراقبين، يعتمد اقتصاد فرنسا على الدول الإفريقية في الكثير من احتياجاته، وبالتالي فإن الأحداث المتتالية في القارة ستوجه ضربة قوية لباريس.