الوقت- في حين أن مفاوضات السلام بين السعودية وحكومة الإنقاذ الوطني في صنعاء تتقدم ببطء بوساطة عمان، ومن ناحية أخرى فإن الأوضاع في جنوب اليمن تتم متابعتها بسبب الاحتجاجات المستمرة والملتهبة، ففي خطوة لافتة، وبعد أن غادر رشاد العليمي رئيس المجلس الرئاسي عدن وبقائه في الرياض نحو ثلاثة أشهر، عاد الدعم السعودي إلى جنوب اليمن منتصف الأسبوع الماضي. ولقد غادر العليمي عدن قبل ثلاثة أشهر للمشاركة في القمة العربية الـ32 المنعقدة في السعودية، ومنذ ذلك الحين يرفض العودة إلى عدن، وهو ما أرجعه محللون إلى أزمة العلاقات بين المجلس الرئاسي وقوى المجلس الانتقالي التي تتلقى الدعم من الإمارات. والآن، في حين أن إعلان دعم رئيس المجلس الانتقالي ونائب المجلس الرئاسي عيدروس الزبيدي لعودة العليمي، قد خلق الأمل والتصور بأن حكومة عدن ستواجه على الأرجح مواجهة أقل تحدياً لمواصلة العمل في القصر الرئاسي، إلا أن هجوم مسلحين على القصر الرئاسي أعطى العليمي ورفاقه الضربة الأولى لعدم تغيير الوضع.
وتعيد حادثة اقتحام قوات عسكرية تابعة لعضو مجلس القيادة الرئاسي أبو زرعة المحرمي، أمس الأحد، قصر معاشيق الرئاسي في عدن، ومحاصرة مقر إقامة رئيس الحكومة معين عبد الملك لبعض الوقت، إحياء الحديث عن مؤشرات الانقسام والخلاف الحاصل داخل مؤسسات الشرعية اليمنية.
ووفقا لما ذكرته وكالة الأنباء الرسمية اليمنية "سبأ"، فإن رئيس المجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي وجه، قبل عدة ايام، وزير الدفاع رئيس اللجنة الأمنية العليا بالوقوف على ملابسات الواقعة، ورفع النتائج لاتخاذ الإجراءات المناسبة، وضمان عدم تكرارها.
ونقلت "سبأ" عن مصدر مسؤول بمكتب العليمي وصفه ما حدث بأنه "تصرفات فردية من قبل بعض أفراد الحراسة" بقصر معاشيق في العاصمة المؤقتة عدن.
وفي سياق متصل، كشفت بعض وسائل الاعلام اليمنية" بأن هناك تواصلاً مع الرئاسة اليمنية للاستيضاح عن الحادثة، غير أن رئيس الدائرة الإعلامية بمكتب رئاسة الجمهورية عدنان الصنوي قال إنه لا تصريحات غير ما ورد في بيان الرئاسة.
وكان مسلحون تابعون لألوية العمالقة التي يقودها المحرمي قد اقتحموا، مساء الأحد، قصر معاشيق وحاصروا سكن رئيس الوزراء معين عبد الملك عدة ساعات، ومنعوا الدخول إلى القصر والخروج منه.
وجاءت عملية الاقتحام بعد يوم واحد من عودة رئيس الحكومة إلى عدن، التي غادرها قبل شهرين ونصف شهر إلى الرياض، وهي العودة التي يتوقع أن تمهد لعودة مسؤولين في الشرعية إلى عدن، وفقا لتعميم صادر من رئاسة الجمهورية يطالب قيادات الشرعية بالعودة إلى الداخل.
من جهتها، نفت ألوية العمالقة الجنوبية الأخبار التي تتحدث عن محاصرتها رئيس الوزراء في مكتبه بعدن، وقالت في بيان رسمي صادر عنها إنه لا صحة للأخبار التي نشرتها بعض وسائل الإعلام حول توتر بين قوات ألوية العمالقة الجنوبية ورئيس الوزراء في قصر معاشيق الرئاسي بعدن.
وأضافت إنه "لم يحدث أي توتر، ولا صحة لأخبار محاصرة ألوية العمالقة رئيس الوزراء، ولم يحدث سوى أن فريقًا من مكتب نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي ذهب إلى مكتب رئيس الوزراء لمتابعة ملف الكليات ومعاهد التأهيل الأمني والعسكري في المحافظات المحررة".
وكان المحرمي قد شنّ، في يونيو/حزيران الماضي، هجوماً عنيفاً ضد رئيس الحكومة، متهما إياه بأنه يعمل من دون حس وطني، وبأنه كثير الكلام قليل الإنتاج، مؤكداً وجود حقائق كثيرة تدينه بإخلاله بالوظيفة العامة وتأخير الكثير من الإصلاحات، وعدم العمل على ترشيد المال العام ومراعاة وضع الشعب.
العليمي والمهمة السعودية
في مهمة محدودة، عاد رشاد العليمي -رئيس المجلس الرئاسي- إلى محافظة عدن الجنوبية، حاملا في حقيبته رؤية سعودية لوضع المزيد من الألغام في الجسد اليمني.
الرؤية السعودية الجديدة جزء من استراتيجية الصراع مع حليفتها الإماراتية؛ تتلخص في إنشاء ثلاث مناطق معزولة عن السياق العام للدولة اليمنية، فقد نقلت مصادر صحفية سعودية الرؤية، التي تقول إنها بصدد إنشاء ثلاث مناطق في عدن وتعز وحضرموت، ولاحقا المهرة، تحظى بحكم محلي واسع الصلاحيات، وهذا كشف سطحية الفكرة والمفكر فيها، وتعيد السؤال الجدلي: أيهما أولا الدولة الوطنية، أم المشاريع الجهوية.
عودة العليمي المؤقتة ترافقت مع تصعيد من قِبل الانتقالي في جبهة حضرموت، أما عدن فهي خاضعة أمنيا وعسكريا وخدميا لهيمنة الانتقالي، وطموحه بالانفصال، وسلطتها المحلية في يد الانتقالي، الذي يديرها كعاصمة لدولته المستقلة، وإن تحت غطاء التقية السياسية.
ينخر الفساد جسد المجلس الرئاسي، ويأكله المجلس الانتقالي من الداخلي، وسيطرة السفراء عليه من الخارج، ويظهر العليمي ومجلسه كممثلين هزليين في مسرحية ذات إخراج رديء.
يستمر هروب المجلس الرئاسي من استحقاقات الحرب والسلام، ومن تحمل مسؤولية إدارة الدولة والمناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة التابعة له.
وإصرار المجلس الرئاسي ورئيسه على دفن رؤوسهم في الأرض والانحناء المستمر أمام العواصف فاقم في الأمراض، التي تنخر الجسد اليمني وحولته إلى أشبه ما يكون بخزان تجارب للأعداء الرابضين على مخزن بارود، يستمرون في تغذيته بأسباب الانفجار دون حساب العواقب.
سياسات العلمي الفاشلة
سياسات العليمي في التغيّب عن عدن ومحاولة استرضاء المجلس الانتقالي ومحاولة اللعب على وقع الخلافات بين أعضاء المجلس أثبتت فشلها، وعلى النقيض، أصبح العليمي رئيسًا بلا سلطة، وربما يكون أضعف زعيم يمرّ على تاريخ اليمن الحديث.
قد يجد المجلس الرئاسي صعوبة في التعافي من الضربة التي ألحقها به المجلس الانتقالي مؤخرًا باستقطاب عضوين (من داخل المجلس الرئاسي) إلى صفه: المحرمي والبحسني (علمًا أن الأخير تحالف مع الزُبيدي بعد إقالته من منصبه كمحافظ لحضرموت في أغسطس/ آب 2022 بقرار من العليمي)، كما أن تصاعد التوترات بين السعودية والإمارات -كأحد نتائج تشكيل مجلس القيادة الرئاسي والإطاحة بالرئيس السابق هادي (الذي كان يُعد لاعبًا قويًا في المشهد الجنوبي) -وتوسّع النفوذ الإماراتي في جغرافيا جنوب اليمن، لا يبشر بالخير بالنسبة لمستقبل المجلس الرئاسي الذي يُعد أعلى سلطة تنفيذية.
قد يُعزى ضعف العليمي إلى عدة عوامل، أولًا، لم يمتلك العليمي (حتى عهد قريب) أي قوات مسلحة موالية له، وهو ما حاولت السعودية التعامل معه من خلال إنشاء قوات درع الوطن لتعزيز نفوذه، وثانيًا، العليمي شخصية شمالية تسعى إلى الحفاظ على يَمن مُوحد في مواجهة قوات انفصالية تُسيطر على عدن وجزء كبير من الخارطة الجنوبية.
تفاقم ضعف العليمي بسبب جنوحه إلى تجنب المواجهة وعدم قدرته على ترسيخ سلطته، حيث فشل عمومًا في وضع رؤية للحكومة اليمنية، كما لا يتمتع بالقدرة على مواجهة الزُبيدي المُسيطر على عدن.
في الوقت نفسه، لا يستطيع الزُبيدي إلحاق الأذى بالعليمي أو منعه من الاستقرار في العاصمة المؤقتة، لكون ذلك سيؤدي إلى مواجهة مباشرة مع السعودية، وهي مواجهة يحرص الأول على تجنبها. كان يُستحسن أن يمارس العليمي سلطته من محافظة أخرى خارج نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي، كمأرب أو حضرموت أو المهرة على سبيل المثال، إلا أنه اختار الطريق الأسهل والأسوأ، وهو قضاء معظم وقته خارج اليمن والقيام بزيارات قصيرة إلى عدن بين الفينة والأخرى.
بشكل عام، اعتمد العليمي نهجين في مواجهة الأولويات المتضاربة لأعضاء المجلس: أحدهما الخضوع وتقديم تنازلات كبيرة لتجنب المواجهة؛ فَالعليمي لم يُحرك ساكنًا وفضّل عدم الرد حين وسّعت القوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي رقعة نفوذها إلى محافظتي شبوة وأبين؛ ومع الأسف لم يُسهم ذلك سوى بتشجيع المجلس الانتقالي على رفع سقف مطالبه.
تمثل النهج الآخر للعليمي في بث الفرقة بين أعضاء المجلس والطبخ على نار هادئة؛ إذ حاول تشكيل تحالف مع قائد ألوية العمالقة أبو زرعة الذي يقود أكبر قوة عسكرية بين أعضاء المجلس وفي الخارطة الجنوبية لكبح نفوذ الزُبيدي، لكن حين اندلعت المعارك بين المجلس الانتقالي والقوات الموالية لحزب الإصلاح في أغسطس/ آب 2022 من أجل السيطرة على شبوة، مالت كفة الميزان لصالح الانتقالي بعد تدخل ألوية العمالقة بأوامر إماراتية، بغض النظر عن العلاقة الشخصية المتوترة بين الزُبيدي والمحرمي.