الوقت - موقع "ميدل إيست مونيتور" الإخباري وفي تقرير أشار فيه إلى تكثيف عمليات المقاومة والشعب الفلسطيني ضد الصهاينة في الأراضي المحتلة وتحديداً الضفة الغربية، ومن ثم مواقف كبار المسؤولين الصهاينة المتکررة في نسب هذه العمليات إلى إيران وتحركات هذه الدولة، حاول الإجابة عن هذا السؤال المركزي: لماذا لا تمثّل مثل هذه الادعاءات باتهام إيران سوى تجليات موضوعية لأعذار قادة "إسرائيل"، وسعيهم إلى صرف الرأي العام عن الالتفات إلى الحقائق؟
وكتب ميدل إيست مونيتور في تقريره:
بنيامين نتنياهو رئيس وزراء "إسرائيل"، ويواف غالانت وزير الحرب في حكومته، رغم خلافاتهما وعلاقتهما المعقدة، يتفقان على أمر واحد: إيران تقف وراء المشاكل والتحديات الأمنية التي تواجه "إسرائيل".
إن الاستقطاب الاجتماعي والاقتصادي في "إسرائيل"، والأزمات السياسية والقضائية في الأراضي المحتلة، وتطور المخططات الاستيطانية في الضفة الغربية، وتصاعد الجدل في هذا الصدد، وتقديم طلبات متكررة من الوزراء المتطرفين في حكومة نتنياهو لبدء حرب دينية، كل ذلك تقف وراءه إيران من وجهة نظر "إسرائيل".
ويعتقد الصهاينة أن التهديدات الإيرانية ضد "إسرائيل"، اكتسبت طبيعةً مختلفةً تماماً مقارنةً بالماضي، وزعم نتنياهو مؤخراً بعد إحدى عمليات المقاومة في الضفة الغربية في "الخليل": "إننا في خضم هجمات إرهابية تشجعها وتوجهها وتمولها إيران ووكلاؤها"، وقبل عملية الخليل، قُتل مستوطنان صهيونيان قرب "حوارة" خلال عمليات المقاومة.
"حوارة" بلدة صغيرة يبلغ عدد سكانها 5500 نسمة، وشهدت مذبحةً بحق الفلسطينيين على يد المستوطنين الإسرائيليين في شهر فبراير من العام الجاري، وقد وصفت منظمة العفو الدولية هذه الجريمة على النحو التالي:
"في ليلة الأحد 26 فبراير، نفذ مئات المستوطنين الإسرائيليين، المدعومين أيضًا من "إسرائيل"، هجمات واسعة النطاق ضد الفلسطينيين (في حوارة)... وقد أشعل مستوطنون إسرائيليون النار في عشرات السيارات والمنازل والبساتين الفلسطينية، واعتدوا بشكل مباشر على السكان الفلسطينيين، وتم تنفيذ الهجمات باستخدام قضبان حديدية وحجارة".
ومن المثير للاهتمام أن أي إجراء يقوم به الفلسطينيون دفاعًا عن النفس أو في شكل انتقام من الأعمال العدوانية للجيش الصهيوني والمستوطنين، يقابل بأعنف وأوسع ردود الفعل من أجهزة الأمن الإسرائيلية.
في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لا يمرّ يوم واحد دون ممارسة العنف الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، وتشير تقارير مختلفة صادرة عن الأمم المتحدة ومصادر فلسطينية وإسرائيلية وجماعات حقوق الإنسان، إلى أن الضفة الغربية شهدت هذا العام واحدةً من أكثر الفترات دمويةً خلال السنوات العشرين الماضية.
وفي هذا الصدد، قُتل أكثر من 200 فلسطيني و30 إسرائيلياً منذ كانون الثاني/يناير 2023 (حسب تقرير الأمم المتحدة)، وذكرت الأمم المتحدة في تقريرها، أن أحد الأسباب الرئيسية لتصاعد العنف في الضفة الغربية هو اليأس من المستقبل، وفي انتقادها لاعتداءات المستوطنين الإسرائيليين على الفلسطينيين، أشارت هذه المنظمة إلى أن هذه الاعتداءات تلحق أضراراً ماديةً وبشريةً واسعة النطاق بالشعب الفلسطيني.
في غضون ذلك، تجدر الإشارة إلى أن المؤسسات التابعة للأمم المتحدة لا تذكر إيران ودورها في تقاريرها عن الوضع الفلسطيني وجرائم "إسرائيل" في الأراضي المحتلة، وهي القضية نفسها التي يشير إليها باستمرار كبار المسؤولين الصهاينة مثل نتنياهو.
وفي هذا الصدد، تشير المؤسسات البحثية على وجه الخصوص إلى أن المستوطنات غير الشرعية للصهاينة في الضفة الغربية، هي أحد الأسباب الرئيسية لتحريض الشعب الفلسطيني على القيام بعمليات انتقامية ضد الإسرائيليين.
وحسب آخر التقييمات، فقد حددت حكومة نتنياهو ميزانيةً تبلغ حوالي 200 مليون دولار لتطوير المستوطنات في الضفة الغربية. وبالطبع، ذكرت بعض المصادر أن الموازنة المذكورة أكبر من هذا الرقم، والإسرائيليون لا يقولون الحقائق في هذا الشأن.
إن تطوير المستوطنات الصهيونية غير القانونية، يعني احتلال المزيد من أجزاء الأراضي الفلسطينية، وارتكاب الجرائم والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين، وبطبيعة الحال، يعمل الإسرائيليون أيضاً على زيادة وجودهم الأمني، وهي قضية لن تأتي بأي نتيجة سوى تصاعد العنف والصراع بين الصهاينة والفلسطينيين، وفي الوضع الحالي، تبحث "إسرائيل" جدياً عن تهجير الفلسطينيين قسراً من منازلهم ووطنهم.
وأعلن "المجلس النرويجي للاجئين" مؤخراً في تقرير له، أنه تم ترحيل حوالي 500 فلسطيني من الضفة الغربية خلال العشرين شهراً الماضية، وينتمي الكثير منهم إلى المجتمع العرقي شمال رام الله، وهي معادلة تشير إلى أن الصهاينة يسعون جدياً إلى دفع أجندة التطهير العرقي في الأراضي الفلسطينية.
إن قائمة الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين لا نهاية لها، وهذا الموضوع لا علاقة له بإيران، ولا يمكن لأي محلل نزيه أن ينكر العلاقة المباشرة بين الممارسات العدوانية لـ"إسرائيل" ورد فعل الشعب الفلسطيني على هذه الممارسات، ومع ذلك، لا يمكن أن نتوقع من نتنياهو ولا غالانت أن يكونا منصفين.
مؤخراً، زعم غالانت، إلى جانب نتنياهو، أن إيران لا تدّخر أي وسيلة لإيذاء المواطنين الإسرائيليين، والنقطة المضحكة والمثيرة للسخرية في القضية، هي أن الخلافات بين نتنياهو وغالانت في الأشهر الماضية تسببت في أكبر ضرر للکيان الإسرائيلي، ومع ذلك كلاهما يختبئان الآن وراء الادعاء بأن إيران هي التهديد الأكبر لـ"إسرائيل"، وهنا يطرح السؤال التالي: لماذا إيران؟ ولماذا يتم إطلاق هذه الادعاءات ضد إيران في هذا التوقيت؟
يحاول كل من نتنياهو وغالانت صرف انتباه الرأي العام عن الاهتمام بجذور ودوافع الانتفاضة الحالية للشعب الفلسطيني، من خلال تسليط الضوء على التهديد الإيراني، وبالنسبة لنتنياهو فإن إلقاء اللوم على إيران يمنحه الفرصة لتأجيج نيران عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وتعبئة الإسرائيليين ضد تهديد وهمي، وتبرير تصرفات حكومته في انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني.
وبالنسبة لغالانت، فإن إلقاء اللوم على إيران ومهاجمتها من شأنه أن يجعل الفروع العسكرية والأمنية الإسرائيلية بارزةً، والحقيقة أن غالانت، من خلال التركيز على إيران، يحاول خلق صورة بطولية لجهاز الأمن الإسرائيلي في مواجهة تهديد كبير باسم إيران، وتهميش قضية انتفاضة الشعب الفلسطيني ضد "إسرائيل".
ومع ذلك، فإن الواقع هو أن جذور جميع المشاكل في الأراضي المحتلة، تكمن في نقطة واحدة فقط: الاحتلال وممارسات الفصل العنصري الذي يمارسه الکيان الإسرائيلي.
لقد قامت "إسرائيل" بإذلال الشعب الفلسطيني لسنوات عديدة، وطرحت نظريات المؤامرة ضد إيران والعرب والإسلاميين وغيرهم، لكن تل أبيب مخطئة تماماً.
وإذا أرادت "إسرائيل" أن تفهم سبب اشتداد تحركات المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني ضدها، فيكفي أن تنظر إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين المدمرة في جنين وبلاطة ونور شمس، ومن المؤكد أن خطة "إسرائيل" لتهديد طهران هي لخداع الرأي العام.