الوقت- تمرّ دولة الاحتلال الإسرائيلي اليوم بأسوأ أوضاعها الداخلية منذ قيامها قبل 75 عاماً، فعلى الرغم من الدعم الغربي اللامحدود لها، إلا أنّ سياساتها العنصرية والقمعية ضد الشعب الفلسطيني والفساد المستشري داخل مؤسساتها، أدّى إلى عزلتها وتدهور أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، حيث تواجه "إسرائيل" اليوم عزلة دولية متزايدة بسبب سياساتها القمعية ضد الفلسطينيين. فهي تواجه انتقادات دولية واسعة لاحتلالها للأراضي الفلسطينية والاستيطان غير الشرعي وهدم المنازل وقتل المدنيين.
كما أن سياسات التمييز العنصري ضد الفلسطينيين داخل "إسرائيل" ذاتها أثارت غضباً دولياً واسعاً، ونتيجة لذلك، شهدت "إسرائيل" تصويتاً ضدها في الأمم المتحدة بشأن انتهاكاتها لحقوق الإنسان، وباتت منعزلة عن دول إقليمية كثيرة بسبب عنجهيتها ورفضها لحل الدولتين، هذا العزلة الدولية تهدد بمزيد من التدهور الاقتصادي والسياسي لـ"إسرائيل"، ما لم تغيّر سياساتها تجاه الفلسطينيين وتلتزم بالقانون الدولي.
وفي هذا السياق، إن موقف الولايات المتحدة الأخير تجاه "إسرائيل" يُعد ضربة مؤلمة للغاية بالنسبة للكيان الصهيوني، فعلى الرغم من التحالف الاستراتيجي الوثيق بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والدعم اللامحدود تقريبًا الذي تقدمه أمريكا لـ"إسرائيل"، إلا أن رفض الرئيس بايدن استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يُعَد بمثابة إشارة قوية على وجود توتر وعدم رضا أمريكي عن سياسات "إسرائيل"، وبالتأكيد فإن انتقادات الحليف الأقرب و"الربيب" تؤلم "إسرائيل" أكثر من انتقادات الآخرين، لأنها تأتي من جهة كانت "إسرائيل" تعتمد عليها دائمًا في تأييد سياساتها، لذلك فإن موقف أمريكا الأخير يُرسل رسالة قوية لـ"إسرائيل" بضرورة مراجعة بعض سياساتها تجاه الفلسطينيين، إذا أرادت الحفاظ على تحالفها مع واشنطن.
"إسرائيل" بين ضغوط أمريكية لوقف الاستيطان ورغبة بمزيد من التطبيع
يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضغوطًا متزايدة من الإدارة الأمريكية بشأن سياساته تجاه الفلسطينيين والتوسع الاستيطاني، فقد حذرته الإدارة الأمريكية من أن استمرار سياسة البناء الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية واستمرار التصريحات العنصرية والاستفزازية من قبل بعض الوزراء الإسرائيليين، سيؤدي إلى عرقلة جهود توسيع نطاق التطبيع بين "إسرائيل" وبعض الدول العربية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، وترى الإدارة الأمريكية أن استمرار مثل هذه السياسات الإسرائيلية سيجعل من الصعب على الدول العربية مواصلة خطوات التطبيع مع "إسرائيل" وسيعرّض أي اتفاقيات تطبيع للفشل، لذلك فإن أمريكا ترى أن على "إسرائيل" إعادة النظر في سياساتها تجاه الفلسطينيين، إذا أرادت حقاً تعميق علاقات التطبيع مع الدول العربية .
"إسرائيل" بين محاولات التطبيع واستمرار العزلة الدولية
وفقاً لتقارير إعلامية إسرائيلية، فقد قامت ما تسمى وزارة الخارجية الإسرائيلية في بداية شهر أغسطس بإرسال دعوات لأكثر من 100 وزير خارجية حول العالم، لحضور حفل تعتزم "إسرائيل" تنظيمه في شهر ديسمبر المقبل، احتفالاً بمرور 75 عامًا على إنشاء دولة "إسرائيل"، وتأتي هذه الدعوات في إطار الجهود الإسرائيلية لتحسين صورتها وعلاقاتها الدولية، ولاسيما مع الدول التي لا تربطها بـ"إسرائيل" علاقات دبلوماسية، كما تهدف "إسرائيل" من وراء هذا الحفل إلى إظهار التأييد الدولي لها في مواجهة الانتقادات بسبب احتلالها للأراضي الفلسطينية وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، إلا أن التقارير لم توضح بعد مدى استجابة الدول لهذه الدعوات، وما إذا كانت ستحضر على المستوى الوزاري أم لا.
من جهةٍ أخرى وفقاً للتقرير التلفزيوني الإسرائيلي، وبالرغم من مرور حوالي شهر على إرسال الدعوات للوزراء الخارجيين لحضور الاحتفالية الإسرائيلية، إلا أن عدد الدول التي أكدت مشاركتها حتى الآن لا يتجاوز العشر دول، وتأتي هذه الدول المشاركة بشكل أساسي من قارات أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، في حين لم تؤكد أي دولة أوروبية بارزة إلى الآن، ويعكس هذا الرقم المتدني للمشاركين المؤكدين حتى الآن ضعف مكانة "إسرائيل" الدولية بالمقارنة مع طموحاتها، وخاصة مع غياب المشاركين من الدول المؤثرة سياسياً واقتصادياً، كما يعكس استمرار عزلة "إسرائيل" وعدم قبول سياساتها تجاه الفلسطينيين من قبل المجتمع الدولي، وستحتاج "إسرائيل" لبذل المزيد من الجهود الدبلوماسية إذا أرادت تحسين صورتها ومكانتها الدولية.
فشل دبلوماسي وعزلة دولية
يُعدّ الفشل الذريع لـ"إسرائيل" في جذب المشاركين لاحتفالية مرور 75 عاماً على قيام ما تسمى دولتها، فشلاً دبلوماسياً مجلجلاً بكل المقاييس، فعلى الرغم من إرسالها الدعوات لأكثر من 100 وزير خارجية حول العالم، إلا أن الدول التي أكدت مشاركتها حتى الآن لا تتعدى 10 دول فقط، معظمها دول غير مؤثرة سياسياً واقتصادياً، ويظهر غياب أي مشاركة من دول أوروبية بارزة ، مدى عمق عزلة "إسرائيل" وشدة رفض المجتمع الدولي لسياساتها القمعية ضد الشعب الفلسطيني، لقد فشلت "إسرائيل" فشلاً ذريعاً في إقناع المجتمع الدولي بجدوى التطبيع معها في ظل استمرار انتهاكاتها الصارخة للقانون الدولي وحقوق الإنسان، إنها لفضيحة دبلوماسية لن تنساها "إسرائيل" طويلاً، ودليل قاطع على مدى ضعف مكانتها وسوء سمعتها في المحافل الدولية، على "إسرائيل" أن تدرك الآن أكثر من أي وقت مضى، أن سياساتها الحالية لا يمكن أن تؤدي إلا لمزيد من العزلة وفقدان الشرعية.
وفقًا للمصادر الإسرائيلية، فإن القضية الأكثر إلحاحًا بالنسبة لـ"إسرائيل" هي مشاركة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في الاحتفالية، نظرًا للأزمة الحالية بين تل أبيب وواشنطن، وحتى الآن لم ترد وزارة الخارجية الأمريكية على الدعوة الإسرائيلية لحضور الاحتفال، إلا أن مصادر أخرى أكدت أن واشنطن تدرس الدعوة بإيجابية، وتأمل "إسرائيل" أن تكون مشاركة بلينكن إشارة لرغبة واشنطن في تهدئة التوتر الحالي مع تل أبيب والعودة لدعم "إسرائيل" كالمعتاد، غير أن المشاركة ما زالت غير مؤكدة، وقد ترفض واشنطن المشاركة للضغط على "إسرائيل" لوقف انتهاكاتها بحق الفلسطينيين، وفي حال عدم المشاركة، سيكون ذلك إشارة قوية لاستمرار التوتر بين الحليفين.
مشاركة مطبعين في أعياد "إسرائيل".. خطوة جديدة في التطبيع أم انتحار سياسي؟
تشكل مشاركة دول اتفاقيات أبراهام للتطبيع مع "إسرائيل" قضية أخرى مهمة بالنسبة للجانب الإسرائيلي، حيث تمت دعوة هذه الدول لحضور الاحتفالية، لكن المصادر الإسرائيلية ترجح أن يكون رد هذه الدول سلبياً على الدعوة، في ظل الانتقادات العربية والإسلامية الواسعة لخطوة التطبيع مع "إسرائيل"، فمن المتوقع أن تتردد هذه الدول في إظهار تطبيعها مع "إسرائيل" بشكل علني، خشية ردود الفعل المناهضة على المستوى الشعبي والإقليمي، لذا فإن غياب ممثلي هذه الدول عن الاحتفالية سيمثل إحراجاً لـ"إسرائيل" وخيبة أمل لدى مؤيدي التطبيع، في ظل إصرار الرأي العام العربي على مقاطعة "إسرائيل" على المستوى الشعبي.
إن مشاركة دول اتفاقيات التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي في احتفالاته بذكرى قيام دولته، ستمثل خيانة صارخة للقضية الفلسطينية وللأمة العربية والإسلامية، فهذه الدول، وعلى رأسها الإمارات والبحرين، قامت بخطوة التطبيع مع العدو الإسرائيلي رغم جرائمه بحق شعبنا الفلسطيني وانتهاكاته المستمرة للقانون الدولي، ومشاركتها في احتفالية "إسرائيل" ستعني اعترافها الكامل بشرعية هذا الكيان الغاصب ونكرانها للحقوق الفلسطينية، إنها خيانة ستظل عالقة في تاريخ هذه الأنظمة، وسيأتي يوم تحاسب فيه الشعوب حكامها على هذه الجريمة النكراء بحق فلسطين وشعبها، وعلى شعوب الأمة أن ترفض وتستنكر هذه الخيانة، وتضغط على حكوماتها للتراجع عن هذا المسار العار الذي لن يأتي إلا بالويلات، فلسطين ليست عقاراً يتم التطبيع مع غاصبيها، إن مشاركة دول التطبيع مع "إسرائيل" في احتفالها بذكرى قيامها، ستمثل استمراراً لهرولة هذه الأنظمة نحو التطبيع الكامل مع الاحتلال الإسرائيلي، وتأكيداً على تآمرها على القضية الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، فهذه الدول لم تكتفِ بالتطبيع الاقتصادي والأمني مع "إسرائيل"، بل تسعى لترسيخه سياسياً واجتماعياً، من خلال المشاركة في مناسبات "إسرائيل" الوطنية والاحتفال بذكرى قيام كيان الاحتلال والقمع على أرض فلسطين، إنها رسالة واضحة من هذه الأنظمة بأنها مستمرة في طريق التطبيع ونكران حقوق الشعب الفلسطيني، في تآمر صارخ على القضية الفلسطينية والأمة العربية بأسرها.
في الختام تمرّ "إسرائيل" اليوم بأسوأ أيامها بسبب عزلتها الدولية المتزايدة نتيجة سياساتها العنصرية والإجرامية تجاه الشعب الفلسطيني، فقد فشلت كل محاولاتها لتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي من خلال الدعاية والتضليل، في ظل استمرار جرائمها بحق الفلسطينيين، كما أنّ محاولات بعض الأنظمة العربية للتطبيع مع هذا الكيان الغاصب لم تفلح في إخراجه من عزلته، بل زادت من غضب الشعوب العربية والإسلامية تجاه هذه الأنظمة الخائنة، إنّ الشعوب العربية والإسلامية ماضية في رفضها للكيان الصهيوني الغاصب، ولن تتخلى عن دعمها للقضية الفلسطينية العادلة، مهما بلغت جرائم "إسرائيل" ومهما طال ظلمها، وعلى المجتمع الدولي أن يواصل عزل "إسرائيل" ومقاطعتها حتى تلتزم بقرارات الشرعية الدولية وتنهي احتلالها للأراضي الفلسطينية، فالقانون والعدالة سينتصران عاجلاً أم آجلاً على الظلم والطغيان.