الوقت - تشهد مدينة جنين ومخيمها هجومًا بريًا وجويًا واسع النطاق للجيش الصهيوني منذ صباح الاثنين الماضي، ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى من الفلسطينيين، بالإضافة إلى تدمير جزء من البنى التحتية.
في عمليته في جنين، وهي أكبر عملية في الضفة الغربية منذ عام 2002، يعتمد جيش الاحتلال على استراتيجية إخراج المقاتلين الفلسطينيين من مقراتهم، والاشتباك معهم دون أهداف محددة سلفاً.
يعتبر المتطرفون الصهاينة تعزيز المقاومة في الضفة تهديدًا لأمن المستوطنين، ويريدون قلب ميزان الردع لصالحهم بعمليات مكثفة في جنين، لكن بسبب استعدادات فصائل المقاومة في الضفة الغربية وقطاع غزة وإلحاق الضربات بالکيان الإسرائيلي في اليومين الماضيين، يمكن أن تأخذ هذه المغامرة القصيرة أبعادًا أوسع في الأيام المقبلة.
وفي هذا الصدد، تحدث "الوقت" مع الدکتور سعد الله زارعي، الخبير البارز في شؤون غرب آسيا، من أجل النظر بشكل أكثر دقةً في أبعاد التطورات التي تشهدها مدينة جنين.
الوقت: في الوضع الراهن، ما هو هدف هجوم الكيان الصهيوني على جنين، وهل هذا الهجوم مرتبط بالتطورات الداخلية في الکيان الإسرائيلي في الأسابيع الأخيرة؟
الدکتور سعد الله زارعي: جاء هجوم الکيان الصهيوني على جنين نتيجة قلق الکيان المفرط بشأن الوضع الأمني في الضفة الغربية. ما يُنظر إليه على أنه كعب أخيل في الکيان الإسرائيلي هو الوضع في الضفة الغربية، وفي العامين الماضيين اتجهت هذه المنطقة نحو استخدام السلاح مع انتشار نشاط الفصائل الفلسطينية، وهو أمر مقلق للغاية لـ"إسرائيل".
من ناحية أخرى، تعتبر الجماعات التي تعمل في الضفة وجنين من أبعد المجموعات من حيث علاقتها بالسلطة الفلسطينية، وقد تمكنت حتى الآن من إخراج المنطقة من أيدي السلطة الفلسطينية، وبسبب هذا فإن الصهاينة مرعوبون.
في العام الماضي، شارك ما يقرب من 70٪ من الجيش الإسرائيلي، أي أكثر من 300 ألف عسكري، في السيطرة على الوضع الأمني في الضفة الغربية، وهذا الأمر أرهق هذا الجيش. إلى جانب ذلك، أرعبت سلطات تل أبيب خيانة بعض الجنود وهروب الجنود من الثكنات، فضلاً عن سقوط الأسلحة في أيدي الفلسطينيين.
لذلك، يعتقد الکيان الصهيوني أنه إذا دمر قلب الضفة الغربية، أي "جنين"، يمكنه تجاوز الأزمة في هذه المنطقة، وبهذا التفكير انطلق في مغامرة جديدة في جنين. وبالطبع، حذرت الفصائل الفلسطينية من أنها سترد على هذا الهجوم، والشعب الفلسطيني ينتظر ليرى رد فعل المقاومة في الأيام المقبلة.
الوقت: يعتقد البعض أن نتنياهو يبحث عن استعراض القوة للمعارضة الداخلية بمهاجمة الفلسطينيين (بما في ذلك الهجوم على قطاع غزة منذ فترة)؟ هل توافقون على هذه الحجة؟
الدکتور سعد الله زارعي: کلا، هذا غير صحيح، نتنياهو لا يبحث عن استعراض للقوة على الإطلاق، بل يبحث عن حل أو تخفيف الأزمة الأمنية في الضفة الغربية، والعملية في جنين لا علاقة لها بالأزمة السياسية الإسرائيلية.
الوقت: ما هو تقييمكم لوضع القتال في جنين خلال اليومين الماضيين؟
الدکتور سعد الله زارعي: كان القتال في جنين شديد الخطورة وضيقًا، حيث استشهد 11 شخصًا وجرح العشرات، وغادر البعض هذه المنطقة. لذلك، يجب على الفصائل الفلسطينية أن توقف الکيان بهجوم قوي، لأنه إذا نجحت الخطة الإسرائيلية في جنين، ستتكرر هذه الخطة في الضفة الغربية بأكملها. وبالتالي، يجب على الفلسطينيين تحييد تحرکات الکيان الصهيوني بسرعة، وعدم السماح له بإغراق الضفة الغربية بأكملها في أزمة.
الوقت: ما هو تأثير الهجوم على جنين على مستقبل نشاط فصائل المقاومة في هذه المدينة والضفة الغربية، وكذلك على أمن المستوطنين الصهاينة؟ هل يزيد من أمن الصهاينة؟
الدکتور سعد الله زارعي: هذا الموضوع مرتبط بأداء الفلسطينيين، فإذا تعاملوا بحسم مع الکيان الإسرائيلي ستتوقف الخطة الصهيونية، وإذا تقاعسوا وأظهروا ضعفهم سيتراجع وضع المقاومة، وسنشهد انحسار قوة المقاومة، ويعتمد ذلك على قرارات فصائل المقاومة المستقبلية بشأن كيفية الرد على الکيان الإسرائيلي.
الوقت: إلى متى ترى غرفة العمليات المشتركة أنه من المناسب حصر نطاق الصراع في جنين، ووفقًا لتحذير فصائل المقاومة، هل يمكن أن يمتد الصراع إلى مناطق أخرى من الضفة الغربية وحتى قطاع غزة؟
الدکتور سعد الله زارعي: الآن الوضع في الضفة مهم، وغزة لا علاقة لها بالموضوع، والمسألة المهمة ليست قرارات غرفة العمليات المشتركة، بل نوع رد الفعل الذي يجب القيام به ضد الکيان الإسرائيلي، والجميع ينتظره.
قد يقرر الفلسطينيون توقيت الضربة الكبيرة، وقد لا يرغبون في اتخاذ إجراءات ضد الكيان الصهيوني في الوضع الحالي، لكن يجب أن يقدموا ردًا متناسبًا على هذا العدوان الخطير في الضفة الغربية بفترة قصيرة.
الوقت: ما هو تأثير مغامرة الكيان الصهيوني في جنين على العلاقات بين هذا الكيان والسلطة الفلسطينية؟
الدکتور سعد الله زارعي: لا مكانة لمنظمة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وجنين، وعليه سواء علّق رئيس هذه المنظمة محمود عباس التعاون مع الكيان الصهيوني أم لا، فإن فصائل المقاومة لن تستمع إلى كلام عباس، ونهج تعليق التعاون الأمني لمنظمة السلطة الفلسطينية مع تل أبيب هو إجراء منخفض القوة، وعلينا أن نرى ما ستفعله المقاومة في هذا المشهد.
الوقت: في الختام، ما هو تقييمكم للتطورات المستقبلية في فلسطين؟
الدکتور سعد الله زارعي: لا يواجه الفلسطينيون وضعاً غير متوقع، لكنهم يواجهون نيةً أكثر شراً مما كانت عليه في الماضي، وعلى الفلسطينيين، بالنظر إلى حساسية هذا الموضوع، أن يتخذوا القرار الصحيح في هذا الصدد، لأنه إذا تحولت التطورات في جنين إلى اتجاه، فيمكن أن يمتد إلى کل أنحاء الضفة الغربية، الأمر الذي سيجعل وضع الفلسطينيين يتراجع، وعلى فصائل المقاومة أن تدرك هذا الموضوع.
