الوقت - مرت أيام قليلة على حادثة حرق القرآن الشنيعة في السويد، والتي وقعت يوم الأربعاء الماضي بإذن رسمي، وبعبارة أخرى، بضوء أخضر من الشرطة. وعلى عكس المرات السابقة، تعرضت الحكومة السويدية هذه المرة لأقوى ضغوط خارجية.
مباشرةً بعد انتهاك حرمة القرآن، ردت عليه العديد من الدول الإسلامية في العالم. حيث أدانت إيران والعراق والأردن وتركيا وروسيا والسعودية والمغرب، ومجلس التعاون والكويت وفلسطين ولبنان ومصر وإلخ، هذه الخطوة الشائنة واللاإنسانية وغير الأخلاقية.
ووقع أشد الردّ علی هذه الدولة في العراق، عندما أزال الغاضبون الشارة الوطنية السويدية في سفارة ستوكهولم في بغداد، وغادر موظفو السفارة السويدية السفارة خوفًا.
في إيران أيضًا، كان هناك العديد من ردود الفعل ضد إهانة السويد. حيث تم استدعاء القائم بالأعمال بسفارة هذا البلد في طهران يوم الخميس إلى الإدارة العامة لأوروبا الغربية بوزارة الخارجية الإيرانية، في غياب سفير البلاد لإبداء هذا الاحتجاج.
كما أدانت وزارة الخارجية الإيرانية إهانة أهم المقدسات الإسلامية، واستنكرت السلوك السلبي للحكومة السويدية واعتبرته "عاملاً لجرأة منتهكي أحد المبادئ الأساسية والواضحة لحقوق الإنسان، أي مبدأ احترام القيم الدينية والسماوية".
وناقش وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، مع حسين إبراهيم طه، الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، الإساءة الأخيرة للقرآن الكريم في السويد مساء الجمعة الماضي، واقترح عقد الاجتماع الطارئ لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في أقرب فرصة ممكنة بالتزامن مع اجتماع وزراء خارجية حركة عدم الانحياز في باكو، للتعامل مع هذا العمل العدواني.
وإضافة إلى المواقف الرسمية، شهدنا تجمعًا طلابيًا شعبيًا أمام سفارة هذا البلد في طهران، وأجبر رد الفعل متعدد الأبعاد في إيران ودول إسلامية أخرى أوروبا على محاولة إدانة هذا العمل الهجومي، وإن كان ذلك مع تأخير.
"حرق القرآن" أداة السويد لأغراض سياسية
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تصدر فيها السويد الإذن بحرق المصحف أمام مرأی ومسمع ما يقرب من ملياري مسلم.
ففي فبراير من العام الماضي، أحرق "راسموس بالودان"، وهو مواطن سويدي-دانمركي متطرف ومعاد للإسلام، نسخةً من القرآن أمام السفارة التركية في العاصمة السويدية. ومثل حرق القرآن اليوم، حصل على إذن من السلطات السويدية للقيام بهذا العمل.
فيما يتعلق بأسباب حرق المصحف أمام السفارة التركية، يجب الكشف عن النوايا السياسية للحكومة السويدية. لم يكن إصدار الإذن بحرق القرآن من قبل متطرف أمام السفارة التركية، بعيدًا عن الوجود التركي في منظمة حلف شمال الأطلسي(الناتو)، ومن ناحية أخرى معارضة تركيا لانضمام السويد وفنلندا إلى الناتو.
أيضاً، أصبحت قضية طلب تركيا من السويد إعادة 130 عضواً من جماعة حزب العمال الكردستاني إلى هذه الدولة، الذين لهم قاعدة ووجود كبيرين في السويد، قضيةً مثيرةً للتحدي بين أنقرة وستوكهولم.
أعلنت تركيا هؤلاء الأشخاص إرهابيين وطالبت السويد بتسليمهم، بينما تعارض ستوكهولم هذا الطلب. لذلك، من الواضح أن موضوع الإذن بحرق المصحف لا علاقة له بالتعبير عن الرأي وحرية التعبير، كما تدعي السلطات السويدية، بل هو ذريعة وأداة للاستغلال السياسي لحكومة هذا البلد.
بعد حادثة إهانة القرآن أمام السفارة التركية، أعلن رجب طيب أردوغان أنه بسبب حرق المصحف من قبل يميني متطرف، فإن السويد التي سبق أن اتهمها بإيواء "الإرهابيين الأكراد"، لم يعد بإمكانها الاعتماد على دعم تركيا للانضمام إلى الناتو.
لذلك، عندما وافق البرلمان التركي على عضوية فنلندا في الناتو، وانضمت هذه الدولة الاسكندنافية رسميًا إلى الناتو في 4 أبريل 2023 خلال اجتماع مخطط لها وأصبحت العضو الثلاثين في هذا التحالف العسكري، غيرت السلطات السويدية أيضًا نهجها.
في هذا الوقت، أظهر قادة ستوكهولم بوضوح عمليًا أن شعار حرية التعبير هو أداة للضغط على المعارضة وليس قيمةً، لذلك بعد أن وافقت تركيا على انضمام فنلندا إلى عضوية الناتو، منعت الشرطة السويدية تنظيم مظاهرة كان من المفترض أن يُحرق خلالها مصحف آخر. وهذه المرة، لم تعط الشرطة الضوء الأخضر للمنتهکين، مشيرةً إلى "احتمال وجود مخاطر أمنية".
لذلك، فالسؤال الذي يخطر ببالنا هو لماذا منعت الشرطة حرق المصحف بحجة المخاطر الأمنية، لكن بعد عدة أشهر عندما لم توافق تركيا على انضمام السويد إلى الناتو، سُمح بهذه الإهانة مرة أخرى؟!
كواليس الإدانة بعد تأخير لأربعة أيام
تغير سلوك السويد والفاعلين الغربيين بعد اشتداد الاحتجاجات في الدول الإسلامية، لدرجة أنهم اضطروا إلى إدانة هذا العمل الشنيع.
حيث أدان الاتحاد الأوروبي الإساءة للقرآن الكريم بعد أربعة أيام، ونشر بياناً استنكر فيه هذا العمل ووصفه بأنه "قبيح واستفزازي". وكان التأخير لعدة أيام بسبب ضغوط الدول الإسلامية على السويد والغرب كمطالبين بحرية التعبير، وأظهر أن أوروبا لا يمكن أن تظل غير مبالية مع اشتداد الاحتجاجات في العالم.
إلى جانب السلطات الغربية، يظهر عمالقة وسائل الإعلام لديهم أيضًا أنهم غير مبالين. تعاملت وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية مع حادثة حرق القرآن الكريم المؤلمة والمهينة في السويد، على نحو جعل العديد من وسائل الإعلام الغربية تتجاهل الحادثة، وتتظاهر بأنها ليست ذات أهمية إخبارية بشكل خاص.
ثانياً، في الأخبار والتقارير القليلة التي تم نشرها حول هذا الموضوع، تم التأكيد على الهوية العراقية للشخص المنتهك بشكل غريب، وحاولوا اعتبار رمي الحجارة على من يحرق القرآن عملاً خاطئاً وعنيفاً.
بشكل عام، كانت السلطات ووسائل الإعلام الغربية غير مبالية بإهانة المعتقدات الإسلامية، في وضع يكون فيه حرق الكتب المقدسة للمسيحيين واليهود غير مسبوق في مختلف البلدان الأوروبية، وهي قضية تظهر أن هناك ازدواجيةً في المعايير تجاه حرية التعبير فيما يتعلق بالأديان.
آن الأوان للسلطات السويدية والأوروبية والأمريكية للإجابة عن السؤال التالي: لماذا يعتبر حرق القرآن وإهانة معتقدات 1.8 مليار شخص حرية تعبير، لكن الحديث عن الهولوكوست جريمة لا تغتفر ويعاقَب عليها بشدة؟