الوقت- في تصرفات لافتة من قبل قوات الإمارة الإسلامية التابعة لحركة طالبان في الأسابيع الماضية، والتي تمثلت بالقيام بتدريبات استعراضية عسكرية بالقرب من الحدود الشرقية لإيران بأسلحة خفيفة وثقيلة متنوعة، يبدو أن الجماعة غير قادرة على توفير الأمن في الجبهة الداخلية في بعض مقاطعات أفغانستان، الأمر الذي أثار مرة أخرى الشكوك حول قدرة طالبان أو إرادتها على التعامل مع الجماعات الإرهابية.
وقد أفادت مصادر إعلامية أفغانية الخميس الماضي عن وقوع انفجار في مراسم تشييع نثاراحمد احمدى حاكم طالبان.
وأعلنت بعض المصادر عن مقتل صفي الله صميم، أحد كبار قادة طالبان، في هذا الانفجار، والذي كان يشغل منصب قائد شرطة بغلان من قبل. ونقلت قناة الجزيرة عن مسؤول بوزارة الصحة في طالبان قوله إن 18 شخصا قتلوا وأصيب 33 آخرون في هذا الانفجار، لكن وزارة داخلية طالبان أعلنت عن سقوط 11 قتيلا فقط.
وفي سياق متصل، نشر تنظيم الدولة الإسلامية في نشرته الإلكترونية الرسمية في أفغانستان (العظيم) بياناً رسمياً عن هوية ومنصب ثلاثة من كبار مسؤولي طالبان قتلوا في الأشهر الستة الماضية. ومن بين هؤلاء رئيس شرطة طالبان وحاكم بدخشان وحاكم بلخ. وفي وقت سابق، قُتل مولوي صفي الله، قائد شرطة بغلان السابق، رحيم الله حقاني، وعمر خالد خراساني (أحد قادة طالبان الباكستانية) عشية الذكرى الأولى لتشكيل حكومة طالبان.
مر أكثر من عام على تولي الإمارة الإسلامية للحكم في أفغانستان، ويعتقد مراقبون ومنظمات دولية أن أنشطة الجماعات الإرهابية في أفغانستان قد نمت بشكل كبير، فإلى جانب تنظيمي القاعدة وداعش (فرع خراسان)، نمت مجموعات أخرى مثل الحركة الإسلامية التركستانية الشرقية (ETIM) حركة طالبان باكستان (TTP)، وجماعة الجهاد الإسلامي والحركة الإسلامية في أوزبكستان، وجيش محمد وعسكر طيبة، والتي كثفت أنشطتها لتنفيذ هجمات إرهابية في الساحات المحلية والأجنبية. وفي هذا السياق، فإن فرع داعش في خراسان يشكل أكبر تهديد إرهابي ضد المواطنين، وخاصة للأقليات الدينية والعرقية والدول المجاورة لأفغانستان، وعجز طالبان أو تأخرها في السيطرة على هذه الجماعة وتصفيتها دق ناقوس الخطر على مستقبل أفغانستان.
وجود داعش في ظل الإمارة الإسلامية.. عدم قدرة أم تسامح؟
على الرغم من صعوبة تقدير عدد مقاتلي داعش في أفغانستان، لكن وفقًا لتقديرات المحللين، بعد عام من إنشائه في عام 2016، كان لفرع خراسان التابع لداعش ما بين 3000 إلى 4000 مقاتل كأقصى عدد. حتى الآن، في عام 2023، ومقارنة بقوات طالبان التي تضم 80 ألف مقاتل، تشير التقديرات إلى أن عدد إرهابيي داعش في هذا البلد يبلغ 4000 شخص. ويرتبط الوجود الأساسي لتنظيم الدولة الإسلامية في خراسان بالمقاطعات الشرقية لأفغانستان والقريبة من الحدود الباكستانية في ولايتي كنر وننكرهار.
والظاهر أن داعش قصدت إضعاف قوة وشرعية الإمارة الإسلامية لحركة طالبان، وتصف طالبان، التي جمعت بين المطالب العرقية البشتونية ومتطلبات الشريعة الإسلامية، بـ "القوميين القذرين".
وتستخدم الجماعة التكتيكات نفسها التي استخدمتها طالبان حتى وقت قريب ضد الحكومة الأفغانية السابقة، أي "الكر والفر"، بما في ذلك التفجيرات على جوانب الطرق وعمليات القتل المنظم.
في الأشهر الأخيرة، وإضافة إلى التخطيط لعمليات إرهابية واسعة النطاق تتسبب بخسائر كبيرة في الأرواح، وضع داعش أيضًا قتل قادة طالبان على جدول أعماله. في 9 آذار / مارس 2023 تبنى تنظيم الدولة الإسلامية المسؤولية عن تفجير انتحاري قُتل فيه محمد داود مزمل حاكم طالبان في إقليم بلخ في شمال أفغانستان. وقبل يوم واحد، نفذ إرهابيو هذه المجموعة هجوما استهدف رئيس إدارة إمدادات المياه التابعة لحركة طالبان في ولاية هيرات غرب أفغانستان. في 15 مارس 2023، أعلنت هذه المجموعة مسؤوليتها عن الهجوم الفاشل على حاكم منطقة لطالبان في إقليم ننكرهار الشرقي، ومؤخرا مقتل نصار أحمد أحمدي، نائب حاكم بغلان، ومولوي صفي الله، قائد الشرطة السابق في هذه المقاطعة، من بين أعمال هذه المجموعة.
وقبل هذا الوقت، قُتل عدد من قادة تنظيم الدولة الإسلامية على يد قوات طالبان (من كانون الثاني / يناير إلى شباط / فبراير 2023)، لكن في حين أن هجمات تنظيم الدولة الإسلامية قد تحدت بشكل كامل قوة طالبان داخليًا (داخل جهاديي طالبان وفي المجتمع الأفغاني) وخارجياً، لذا فإن ضربات طالبان لم يكن لها أثر، وعمليا لم تنجح في تقليص أنشطة داعش في أفغانستان.
أولاً، استغل تنظيم الدولة الإسلامية الخلافات داخل طالبان (بدخشي، وقندهاري، وخوستي، وفاريابي) الذين كانوا يقاتلون من أجل المصالح الفئوية والشخصية، وتمكنوا من جذب جزء من القوات الجهادية من بين صفوف الجماعات الإرهابية الأخرى حتى التي لديها علاقات وثيقة مع طالبان. كما كانت هناك خلافات كبيرة بين قيادتي طالبان الباكستانية والأفغانية، ما سمح لتنظيم الدولة الإسلامية بتتبع أعضائه. في الواقع، البعض من أعضاء داعش كانوا من طالبان.
من ناحية أخرى، فإن نجاح هذه المجموعة في تنفيذ هجمات بارزة في أفغانستان ضد المواطنين الأفغان والأقلية الشيعية قد اجتذب المزيد من الموارد المالية من نواة داعش في الخارج، وهو ما يعد مساهمة مهمة في قدرة فرع خراسان التابع لداعش في تجنيد القوات في ظروف اقتصادية سيئة للغاية، بحيث تكون مصدر رزق للأفغان.
هناك أيضًا تقارير تفيد بأن عددًا صغيرًا نسبيًا ولكنه متزايد من الأعضاء السابقين في جهاز المخابرات الأفغانية ووحدات النخبة العسكرية انضموا إلى فرع خراسان لتنظيم الدولة الإسلامية لمقاومة طالبان. هناك أيضًا مخاوف من أن داعش قد تجند مقاتلين أجانب متمركزين في أفغانستان من آسيا الوسطى وباكستان. بل إن تنظيم الدولة الإسلامية قد برر اغتيال القادة الرئيسيين لهذه المجموعة لإظهار أيديولوجيته ضد طالبان من أجل القضاء على نفوذ الأجانب والأعداء. تجلت هذه القضية بوضوح في مقال في النشرة الأسبوعية الرسمية لتنظيم الدولة الإسلامية، والذي كان حول اغتيال داود مزمل محافظ بلخ، حيث اتهمت هذه النشرة مزمل بالعمل لصالح إيران في الهجوم على داعش.
من المؤكد أن تراخي طالبان أو إهمالها في التعامل مع تنظيم الدولة الإسلامية سيؤدي إلى أن حتى أولويات هجمات داعش في المستقبل القريب لن تقتصر على اغتيال القادة والتخطيط لعمليات إرهابية ضد الأقلية الشيعية والمدنيين، بل ستمتد مثل هذه الهجمات نحو مشاريع البنية التحتية المشتركة مع أفغانستان. في الأشهر الأخيرة، استخدمت صحيفة العظيم تقنيات الدعاية لاجتذاب مشاريع مبادرة الحزام والطريق الصينية. بالنظر إلى أن الهجمات التي تستهدف المشاريع التي تديرها الصين في بلوشستان هي بالفعل مصدر قلق لباكستان، فقد يشكل تنظيم الدولة الإسلامية تهديدًا لمبادرات مشاريع المواصلات والعبور، مثل خط السكك الحديدية العابر لأفغانستان، الذي يربط أوزبكستان بباكستان عبر أفغانستان. ما لا شك فيه أن أنشطة تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان تقلل من إمكانية تطوير مشاريع بنية تحتية مستقبلية تربط جنوب ووسط آسيا.
يعتقد المسؤولون الروس والإيرانيون أن الولايات المتحدة كانت مسؤولة عن تشكيل الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش) منذ إنشائها. حيث أكدت موسكو وطهران أن الهدف من إنشاء داعش هو زعزعة استقرار حدود روسيا وإيران، لكونهما من الخصوم اللدودين للولايات المتحدة في آسيا، وإغراقهما في أزمة أمنية. يبدو أن روسيا أدركت أن طالبان إما لا تنوي محاربة داعش بجدية، أو أنها تفتقر إلى القدرة على السيطرة على هذه المجموعة.
تهديد للاستقرار الإقليمي
على الرغم من تركيز تنظيم الدولة الإسلامية على أفغانستان، إلا أن هجومه لم يقتصر على حدود أفغانستان، بل إن دول المنطقة متأثرة به أيضًا. اعتبارًا من 2020 و2021 و2022، بدأ المقاتلون الأوزبكيون والأويغور والطاجيك والهنود وغيرهم من مختلف الأعراق والجنسيات بشن هجمات عبر الحدود من بلدانهم.
تعد آسيا الوسطى من أهم المناطق التي تشكل تهديداً إرهابيا. في أبريل، أطلقت الجماعة عدة صواريخ على طاجيكستان وأوزبكستان. حيث كان وادي فرغانة في آسيا الوسطى بؤرة للتطرف العنيف بسبب النزاعات الحدودية التي لا حصر لها والركود الاقتصادي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. كان هذا الوادي، الذي يضم أراض من قيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، الهدف الرئيسي لهجمات الحركة الإسلامية الأوزبكية والحزب الراديكالي لحركة التحرير الإسلامية.
بالإضافة إلى الهجمات العنيفة، نشر داعش أيضًا مواد إعلامية باللغات المحلية وأنشأ وسائل إعلام محلية لإقناع الناس بالانضمام إلى صفوفه في جنوب ووسط آسيا.
كما يحذر المسؤولون الباكستانيون بشكل متزايد من أن الجماعة أصبحت تشكل تهديدًا أمنيًا ذا أولوية لإسلام أباد.
تستخدم داعش في الهند حالة التوترات العرقية الداخلية لتجنيد المسلحين، ولا سيما بعد السياسات المعادية للإسلام التي تتبعها حكومة نيودلهي اليمينية. حيث تنشر الجماعة دعاية مناهضة للهندوس في كتاب باللغة المالايالامية المحلية (الهندية الأردية) في الهند لحشد سكان الأقلية المسلمة في البلاد، وحث المسلمين الهنود على الانضمام إلى الفرع الهندي المحلي لداعش (ISHP).
كما أن باكستان ليست محصنة ضد هذه التكتيكات الدعائية لداعش. حيث من خلال استهداف الأقلية الشيعية في باكستان، تعمل داعش في المقام الأول على تعزيز الطائفية في باكستان وتجنيد المقاتلين، وخاصة من بلوشستان وخيبر. حيث كان الشيعة في باكستان عرضة بشكل خاص للعنف الطائفي منذ حكم الجنرال ضياء الحق.
بشكل عام، يمكن القول إن عدم الاستقرار في أفغانستان ظل قائماً منذ السبعينيات وما زال هذا البلد محور الاهتمامات الإقليمية وصراع القوى العظمى والصراعات الأيديولوجية. في حين أن معظم الحكومات الأجنبية تعتبر داعش أكبر تهديد لها، فقد لا يكون هذا كافيًا لطالبان لجعل مواجهة داعش أولوية أمنية من أجل إنهاء العزلة الإقليمية والدولية.