الوقت_ مؤخراً، ربط قادة دول مجموعة السبع أي أعضاء المجموعة أكبرَ الاقتصادات المتقدمة في العالم وفقًا لصندوق النقد الدولي وأغنى الأنظمة الديمقراطية الليبرالية، التطبيع العربي مع سوريا وإعادة الإعمار بتحقيق تقدم "حقيقي" في العملية السياسية، في موقف يعتقدون أن من شأنه الحد من التقارب العربي مع دمشق، والذي كان يأمل أن يفضي هذا المسار إلى انفتاح غربيّ عليه بعد ما يقرب 12 عاماً على الحرب في سوريا، مع تأكيد المجموعة التي تضم كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان، بعد اجتماعات في مدينة هيروشيما اليابانية قبل أيام، حيث يعتقد الغرب والأمريكيون أنّ الحكومة السورية لا تستحق العودة غير المشروطة إلى الجامعة العربية، وذلك بعد إعلان الجامعة العربية عودة دمشق لشغل مقعدها الذي جُمّد عام 2011 نتيجة أحداث ما أطلق عليه "الربيع العربيّ"، عقب عرقلة أمريكيّة وغربية طويلة لمساعدة الشعب السوريّ، الذي تحمل الكثير من الخيبات والألم، ناهيك عن العقوبات التي كانت بمثابة "صخرة أمام مساعدة سوريا".
رفض غربيّ وأمريكيّ للتطبيع مع سوريا
كلنا نعلم أن الدول الأوروبية ما زالت تعتقد أنّ تصرفات سوريا تشكل تهديدا غير عاديّ للأمن القومي والسياسة الخارجية للغرب والولايات المتحدة، وقد بدا موقف المجموعة رداً على تطبيع العديد من الدول العربية مع سوريا، وإعادته إلى الحضن العربي، وحضور الرئيس السوري بشار الأسد القمة العربية التي عقدت في مدينة جدة الجمعة المنصرم، بعد عزلة امتدت على مدى أكثر من عقد، حيث فرضت دول من المجموعة منذ عام 2011 عقوبات على دمشق أدت إلى تدهور اقتصاده، إلا أنه يرفض التعاطي بشكل إيجابي مع جهود منظمة الأمم المتحدة للتوصل لحل سياسي للأزمة في سوريا، وفق مرجعيات دولية أبرزها القرار 2254، الصادر في عام 2015، وقد اعتبرت التصريحات الجديدة للأوروبيين استخداماً لسياسة وضع العصي في الدواليب لمنع انقاذ سوريا.
وفي الوقت الذي اعتبرت فيه أمريكا أن سوريا لا تستحق العودة غير المشروطة إلى الجامعة العربية، وأوضحت ذلك للدول العربية بكل صراحة، يبدو أنّ الولايات المتحدة والدول الأوروبية لن تطبع العلاقات مع الحكومة السورية، لكنها تدعي من جهة أخرى أنها تشاطر الدول العربية الأهداف نفسها بخصوص عودة اللاجئين وإيجاد حل سياسي للأزمة، وإيصال المساعدات الإنسانية للسوريين دون معوقات، لذلك فإنّ تلك العواصم لن تطبع علاقاتها مع الرئيس الأسد وإنها لا تدعم قيام حلفائها بخطوات في هذا الاتجاه، ولم يكن هذا مستغرباً من تلك الدول منع وعرقلة التطبيع مع سوريا، كي لا تظهر الإدارة الأمريكية ومن يدور في فلكها من الدول الغربية كالخاسر في هذه الحرب التي لم تترك أخضر في البلاد، وتأتي تلك الأنباء في ظل الوجود غير الشرعيّ للقوات الأمريكيّة وحتى الغربية في المنطقة الشرقيّة السوريّة والذي يركّز على "الفوائد الاقتصاديّة والتقسيم".
من ناحية أُخرى، تُتهم الولايات المتحدة والدول الغربية بغض الطرف عن الوضع الإنسانيّ المقيت للشعب السوريّ ونهب ثرواته، والحفاظ على سياسة قذرة نتيجة معارضة سياسة الرئيس بشار الأسد، والحقيقة أن الولايات المتحدة ومن معها من الأوروبيين عملوا على عرقلة مسار المساعدات الإنسانية الدولية المنقذة للحياة والتي تهدف إلى مساعدة ضحايا الزلزال حتى أجبرت على تعليق قانون قيصر شكليّاً، حيث جاءت تلك التصريحات بعد اجتماع الجامعة العربية واستئناف مشاركة سوريا باجتماعاتها، بعد غياب طويل للغاية.
ويعلم العالم أنّ الولايات المتحدة وضعت قيوداً "صارمة" على سوريا، عبر قوانين عدة أبرزها قانون "قيصر" الذي دخل حيز التنفيذ في يونيو/حزيران 2020، والذي يُحاسب الدول والشركات والأفراد التي تتعامل مع دمشق، أو تساعده اقتصادياً، وأصدرت منذ ذلك الحين العديد من حزم العقوبات، التي ضيّقت الخناق الاقتصادي أكثر على الشعب السوريّ، ومنع إعادة الإعمار، ويبدو أن الدول الغربية ما زالت تعوّل على تشديد قبضته الاقتصادية على السوريين لدفع دمشق إلى تقديم التنازلات، ما يغلق الباب أمام أيّ حل للقضية السورية ويعرقل وضع حد للنزاع.
وينطوي موقف الدول السبع على موقف واشنطن التي جددت مطلع شهر مايو/أيار الحالي التشديد على أنها "لن تطبّع العلاقات مع سوريا"، وأنها لا تدعم تطبيع الآخرين للعلاقات مع الجمهورية السورية، وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل، في إحاطة إعلامية بتاريخ 3 مايو/ أيار الحالي إن الولايات المتحدة تعتقد أن الحل السياسي المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، هو الحل الوحيد القابل للتطبيق لهذا الصراع في سوريا، ومن غير المعروف ما إذا كان الغرب قادر على إيقاف التطبيع والتقارب العربيّ مع سوريا في ظل التغييرات السياسية الحالية في العالم، فيما يرى البعض أنّ الولايات المتحدة لا تمانع عملياً التطبيع العربيّ مع سوريا، بل أعطته الضوء الأخضر، مضيفاً إن البيت الأبيض تسعى لضبط إيقاع التطبيع فقط بما يتسق مع مصالحها.
انزعاجٌ كبير
لم تخف الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية انزعاجها الكبير من عودة سوريا غير المشروطة إلى الجامعة العربية، وهذا أمر عاديّ للغاية من الدول التي تعامت عن أرواح الأبرياء وبلائهم وقتلت ودمرت سوريا وشعبها وما زالت تسرق بوضح النهار قمحهم ونفطهم، وتدعم مشاريع التقسيم والإرهاب والتجويع، رغم الأوضاع المعيشيّة والاقتصاديّة الصعبة التي يعيشها السوريون والتي لا يمكن وصفها بكلمات بعد الزلزال المدمر، في وقت تفرض فيه واشنطن والدول الغربية –أصحاب هراء حقوق الإنسان والديمقراطية- أشدّ العقوبات والحصار على السوريين الذي يذيقهم الويلات، فيما ينجو من ذلك المناطق التي يديرها عملاء واشنطن أي المناطق التي تقع خارج سيطرة الدولة السوريّة وبالأخص مناطق ما تُسمى "الإدارة الذاتية"، حيث تؤكّد سوريا كل مدّة أنّ ثرواتها تُسرق أمام الجميع وغالباً ما تتجه نحو الأراضي العراقيّة برفقة مدرعات عسكريّة تابعة لجيش الاحتلال الأمريكيّ.
ويتحدث البيت الأبيض ذو النفوذ المتراجع على القيادات العربية أنّ عودة سوريا الى الجامعة العربية يجب أن تكون مشروطة، ومرتبطة على الأقل ببعض التغييرات الأساسية في سلوكها واشتراط ضمان سلامة اللاجئين الراغبين بالعودة إلى منازلهم، لكن أمريكا –حسب تجربة شعوب منطقتنا- لا تهتم لشيء سوى مصالحها ولو على أطنان من رؤوس الأبرياء، وعلى ما يبدو فإنّ عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وإصلاح العلاقات من "قلب العروبة النابض" قد صفع الأمريكيين والغربيين وسياستهم الفوضويّة في العالم، وخاصة بعد انقطاع دام لسنوات، وبالتالي فإنّ عودة المياه إلى مجاريها مع دمشق أغضب كلاً من الغرب والأمريكيين الذين لا يحترمون سيادة الدول ولا القانون الإنسانيّ تحت كذبة حقوق الإنسان، بعد أن تحمل السوريون الكثير من المآسي في واحدة من أشد الحروب الدمويّة التي مرت في تاريخ البلاد والتي أطفأت شمعتها الحادية عشر منذ أشهر.
خلاصة القول، تستمر الدول الغربية وواشنطن في نهج التجويع والحصار، لحرمان الشعب السوريّ من ثرواته ورزقه ومنع أيّ أحد من مساعدته ودعمه، في ظل مواصلة حصار جائر يفرضه الأمريكيّ وحلفاؤه وأدواته في المنطقة ضد هذا البلد، لتحقيق مشاريعهم الهدامة في المنطقة، وخاصة أنّ الغدر الأمريكيّ والغربيّ في شعوب المنطقة ليس جديداً والعراق أكبر الشهود، في ظل قيامهم بتجويع وزيادة مأساة الشعب السوري الذي يعيش أسوأ ظروف في تاريخه، وإنّ الأهداف الأمريكيّة والغربية واضحة للجميع، فعقليتهم لم تتغير يوماً، والرغبة الأمريكيّة بإسقاط الأنظمة المخالفة لها وتدمير البلدان وحصار الشعوب التي لا تخنع لإملاءاتها علنيّة، لتحقق مؤامراتها في تدمير الدول التي تعتبر معادية لها وللكيان الصهيونيّ المجرم فتنهب خيراتها وتحاصر شعبها وتحاول القضاء على دورها، واستخدمت كل قوانينها "الإرهابيّة" لقتل ما تبقى من حياة في بعض الدول، فهل من المتوقع أن تكون سعيدة بأيّ قرار يصب في تحسن وضع المنطقة؟.