الوقت - أصبح انتخاب رئيس لبنان أكبر مشكلة سياسية في هذا البلد هذه الأيام، ولم تستطع التيارات السياسية الاتفاق على خيار واحد، لكن مع التطورات الإيجابية التي شهدتها المنطقة في الأشهر الأخيرة، يبدو أن بعض الانفراجات قد تحققت على الساحة اللبنانية الداخلية.
وحسب تقارير إعلامية عربية، فإن التحركات المتسارعة التي حدثت في الأيام القليلة الماضية، تشير إلى أن قوى المعارضة اللبنانية على وشك الاتفاق على مرشح رئاسي، وفي هذا الصدد عقدت لقاءات بين مرشح حزب الله وحركة أمل.
وكان سليمان فرنجية، رئيس تيار "المردة" وهو مرشح ائتلاف المقاومة، أجرى حديثاً مع السفير السعودي في بيروت وليد البخاري، وحتى مبعوث قطر الذي سافر مؤخرًا إلى لبنان للقاء قادة هذا البلد والتحدث معهم. ومع ذلك، لا يمكن القول إن جميع الخلافات بشأن انتخاب الرئيس قد انتهت.
بالنظر إلی أن جانباً كبيراً من تطورات لبنان تقاد من قوى خارجية، طالما أن هذه الدول تعرقل طريق الاستقرار، فإن الاتفاق السياسي في لبنان سيكون حلماً بعيد المنال.
لقد رشّح حزب الله سليمان فرنجية لمنصب الرئاسة، لكن بعض التيارات السياسية التابعة لسياسات السعودية عارضت اختيار حزب الله، وتؤكد قطر أيضاً على جوزيف عون قائد الجيش اللبناني كمرشح رئاسي، لكن حتى الآن لم يتم التوصل إلى توافق حول هؤلاء المرشحين المحتملين.
تزعم المعارضة اللبنانية أن على الائتلاف الشيعي إعلان مرشحه النهائي قبل انتهاء مهلة مجلس النواب لانتخاب الرئيس. وعارض تياران مسيحيان، هما "القوات اللبنانية" بقيادة سمير جعجع، و"التيار الوطني الحر" بزعامة جبران باسيل، حليف حزب الله، ترشيح سليمان فرنجية، لكن مسؤولي حزب الله قالوا إنه على الرغم من معارضة حليفهم، فإنهم مصممون على اختيار فرنجية.
ويعتقد بعض الخبراء أن تطورات المنطقة في الأشهر الأخيرة، سيكون لها تأثير على احتمال اتفاق الأطراف اللبنانية على مرشح وحيد لرئاسة الجمهورية، هذا في حين أن إيران والسعودية اتفقتا قبل شهرين على استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد سبع سنوات من التوتر، وبعد ذلك اتجهت عملية التطورات في المنطقة نحو تقارب أكبر.
إن اتفاق الدول العربية على عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، والإعلان عن استعداد بعض العرب لتحسين العلاقات مع إيران، يمكن أن يترك أثراً إيجابياً على التطورات الداخلية في لبنان.
كما أعلنت بعض المصادر قبل أسبوعين أن السعوديين يحاولون مقابلة ممثلين عن حزب الله، وهناك احتمال أن يكون لقاء فرنجية مع سفير الرياض قد تم بناء على توصية من حزب الله، لمنح السعوديين تأكيدات بأنه يمكن أن تكون له علاقات جيدة مع السعودية إذا تم انتخابه.
من الواضح أن قادة المعارضة في لبنان، ومنهم سمير جعجع، هم أدوات للسعوديين، وإذا أعطتهم الرياض الضوء الأخضر لتنحية خلافاتهم مع حزب الله جانباً، فسيتم تمهيد الطريق إلى الاستقرار في لبنان.
بعد الاتفاق الأخير بين إيران والسعودية، قال وليد البخاري، سفير السعودية في بيروت، إن انتخاب الرئيس اللبناني مرهون برأي التيارات السياسية في البلاد، وإن الرياض ستدعم أي خيار للبنانيين.
الفرصة متاحة حتى 15 يونيو فقط
واصل حزب الله، الذي كان قد أعلن مرارًا استعداده لحل الخلافات وانتخاب رئيس جديد ورئيس وزراء جديد في العام الماضي، مد يد العون للأطراف الأخرى لتجاوز أزمات بلادهم من خلال التعاون، وقد تم التأكيد على هذه المسألة في الخطابات المتكررة للسيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله.
کما خاطب رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، الأحزاب السياسية في البلاد الأسبوع الماضي، وأعلن أن أمامها حتى 15 حزيران فقط لاختيار رئيس جديد، وطالب جميع الفرقاء بإجراء مشاورات في أسرع وقت ممكن.
وقال نائب الأمين العام لحزب الله في بيان أيضًا، إننا لا نفرض خيارنا على أحد، وإن على كل حزب أن يطرح خياره المفضل حتى نتمكن من التصويت عليه في البرلمان.
اتخذ تحالف حزب الله وحركة أمل من قبل قرارهما بشأن ترشيح سليمان فرنجية، وسيحضران في الجلسة المقبلة للبرلمان لإنهاء المأزق السياسي المستمر منذ شهور، إذا اقتنعت الأطراف الأخرى. وقبل هذا، عقدت 11 جلسة تصويت في البرلمان، لكن لم يتمكن أي من المرشحين الرئاسيين من الحصول على النصاب القانوني من الأصوات.
وعلى الرغم من أن التيارات السياسية الأخرى لم تعلن رأيها النهائي في هذا الشأن، ولم يُعرف بعد في أي اتجاه ستذهب الجلسة المقبلة للبرلمان، لكن يتضح أن فرصة انتخاب الرئيس زادت مع الوساطات الإقليمية هذه المرة.
وحسب دستور لبنان، من أجل انتخاب رئيس الجمهورية في الدورة الأولى، يجب تصويت ثلثي النواب المشاركين، وفي الجولات التالية لا بد من الحصول على أغلبية النصف زائد واحد، أي 65 مقعدًا على الأقل من أصل 128 مقعدًا في البرلمان، لكن ليس لدى أي من المجموعات هذا القدر من الأصوات وعليهم الاتفاق على خيار واحد.
الثقل السياسي للتيار الوطني الحر
حزب الله بحاجة إلى دعم مسيحيي "التيار الوطني الحر" من أجل إيصال مرشحه إلى المقعد الرئاسي، ويقال إن ممثل حزب الله سيتحدث الأسبوع المقبل مع جبران باسيل في هذا الصدد للحصول على موافقتهم على سليمان فرنجية.
وعلى الرغم من دعم حزب الله لفرنجية، فقد صرح مسؤولو هذا التيار مرارًا وتكرارًا أنه إذا كان للتيارات السياسية خيار أفضل، فإنهم سيدعمونه لإعادة الاستقرار إلى البلاد.
كما قال السيد حسن نصرالله في أحد خطاباته عن قضية الرئاسة اللبنانية، إنه رغم أن "جوزيف عون" ليس الخيار الأول لحزب الله بشأن الرئاسة، إلا أنه لا يعيق الطريق أمامه، وإذا كان هناك إجماع على هذا الخيار فلن يعارضه حزب الله.
بمعنى آخر، لا يسعى حزب الله إلى فرض أي خيار لرئاسة لبنان، ويرحب بأي حل وخيار لإنهاء الفراغ السياسي في هذا البلد بما يتماشى مع مصالح لبنان.
بهذا الموقف الرسمي الواضح، يرفع حزب الله عن المعارضة أي أعذار حتى لا يعيقوا طريق الاستقرار السياسي. لأنه في السنوات الأخيرة، حاولت التيارات السياسية المعارضة التابعة لقوى أجنبية، التظاهر بأن حزب الله هو العامل الرئيسي لهذه التوترات وانعدام الأمن من خلال خلق الأزمات في لبنان، لكن المقاومة أثبتت أن المصالح الوطنية أهم من المصالح الحزبية، وأظهرت حسن نيتها في قضية إمداد لبنان بالوقود من إيران، والآن على الأطراف الأخرى أن تظهر جديتها في تجاوز الأزمة السياسية والاقتصادية.
على الجانب الآخر، يدرس قادة المعارضة خياراتهم، وعلى الرغم من عدم ذكر أسماء الخيارات المحتملة، إلا أنهم سيكشفون أيضًا عن خياراتهم في جلسة البرلمان المقبلة. وزعمت بعض المصادر أن خيار المعارضة قد يحصل على أصوات أكثر من فرنجية، ويعتمد ذلك على أصوات التيار الوطني الحر والمرشح الذي يؤيده، والمشاورات جارية مع نواب هذا التيار.
وعلى الرغم من أن التيار الوطني الحر يعارض انتخاب فرنجية، إلا أنه لا يريد مرشحًا ليس لـ "حزب الله" رأي إيجابي فيه. وقال مسؤول مقرب من جبران باسيل إنهم ضد فرنجية، لكنهم لا يريدون أن يتجه البلد نحو أزمة عميقة، ويريدون شخصًا يمكن أن يكون له تفاعل جيد مع العالم الخارجي ويمكنه توفير المصالح اللبنانية.
يزعم بعض قادة المعارضة أنهم سيحصلون على المزيد من المصالح إذا كانوا مع فرنجية، لكنهم يفضلون إعطاء الأولوية للمصالح الوطنية بدلاً من المصالح الشخصية. وتأتي هذه المزاعم فيما أظهر قادة المعارضة في العام الماضي أنهم يعرقلون طريق السلام والاستقرار في لبنان تحت تأثير السياسات السعودية والأمريكية، ويخدمون مصالح الأجانب أكثر من شعب لبنان.
وحسب بعض المصادر الإعلامية، هناك احتمال بعدم مشاركة بعض التيارات في الجلسة المقبلة لمجلس النواب في جلسة التصويت لانتخاب رئيس الجمهورية لانتزاع الأغلبية والنصاب، وسيؤدي هذا الموضوع إلى استمرار أزمة الفراغ الرئاسي وتعميق الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان.
يمكن أن يكون الاتفاق الأخير بين إيران والسعودية، والذي ترافق مع تطبيع العلاقات العربية مع الحكومة السورية وتخفيف التوترات في اليمن، فعالًا أيضًا على الساحة السياسية اللبنانية، ويبدو أن التيارات اللبنانية هذه المرة، باتفاق إقليمي، ستكون قادرةً على تجاوز هذه الأزمات وإصلاح الأوضاع غير المواتية لبلدهم.