الوقت- توجه الرئيس الإيراني إلى دمشق، عاصمة سوريا، في زيارة وصفت بالمهمة، حيث كانت أول زيارة لرئيس إيران لهذا البلد منذ بداية الأزمة عام 2011. على مدى السنوات الماضية، ومع نمو مستوى العلاقات والتعاون بين البلدين إلى مستوى استراتيجي، كانت زيارة كبار المسؤولين من الجانبين إلى عاصمتي البلدين حدثًا متكررًا خلال فترات قصيرة، وحتى الرئيس السوري بشار الأسد زار طهران مرات عديدة رغم رحلاته الخارجية المحدودة، ولا شك أن زيارة الرئيس الإيراني لدمشق مهمة للغاية ويمكن أن تكون نقطة تحول في التعاون بين البلدين.
تعزيز التحالف الاستراتيجي بين إيران وسوريا
تأتي زيارة رئيسي إلى سوريا في ظل موجة من الانفتاح الديبلوماسي الإقليمي مع الانتصار الحاسم للحكومة السورية في مواجهة الأزمة الداخلية المستمرة منذ 10 سنوات وإحباط المؤامرات الخارجية المعقدة بالتعاون مع حلفاء مثل إيران وروسيا. بدأت الدول العربية والإسلامية تستأنف علاقاتها مع الحكومة السورية الواحدة تلو الأخرى، وحتى إمكانية استعادة هذا البلد مقعده في الاجتماع المقبل للجامعة العربية على أراضي المملكة العربية السعودية مرجح جدا.
في غضون ذلك، لطالما دعمت إيران بصفتها الشريك والحليف الإقليمي الأهم لسوريا عملية المصالحة العربية مع الحكومة السورية، ورفع العقوبات الاقتصادية الجائرة عنها، وأي مبادرات سياسية من شأنها الحفاظ على الاستقرار الإقليمي بما يضمن مصالح الشعب السوري. لذلك، ينبغي النظر إلى زيارة آية الله رئيسي إلى دمشق في هذا الوقت على أنها احتفال بالنصر الكامل للأمة والحكومة السورية.
من ناحية أخرى، تظهر زيارة الرئيس الإيراني لدمشق أن طهران هي الحليف الرئيسي والاستراتيجي لسوريا، ولا يمكن مقارنة مستوى العلاقات السياسية بين البلدين باللاعبين الإقليميين والدوليين الآخرين، وفكرة إنشاء بديل عن إيران لسوريا من خلال التهدئة الأخيرة هي أمر سخيف تمامًا.
خلال زيارة بشار الأسد إلى طهران العام الماضي، عندما التقى الرئيس السوري بالمرشد الإيراني، قال المرشد إن أولئك الذين كانوا في الخطوط الأمامية ضد الحكومة السورية خلال فترة الأزمة، لا يمكن أن يكونوا شركاء صادقين في فترة السلام.
وأعرب سماحة السید خامنئي، عن تنبؤ دقيق لمثل هذه الأيام عن صداقة ومودة بعض الدول التي كانت تقف في الجبهة ضد سوريا في السنوات الماضية، وأكد للرئيس السوري: "يجب توضيح خط المستقبل من تجارب الماضي. "
من المؤكد أن العلاقات مع الحلفاء الذين يبقون إلى جانب الحكومة في الأزمات ويدفعون الأثمان مقابل هذه الصداقة مختلفة تمامًا عن البلدان التي تعبر عن الصداقة حال السلام فقط وبمجرد ظهور أعراض الأزمة في بلد آخر، فإنهم يسحبون منها القدرات الاقتصادية السياسية والعسكرية والأمنية. في مثل هذه الحالة، إذا كان هناك سلام، فلا يمكنك الوثوق في ذلك البلد الذي ترك البلد الآخر بمفرده في مصاعبه؛ لأن البنى التحتية التي تم إنشاؤها خلال فترة السلام، ستعاني من أزمات وتوتر مع القليل من التعقيد.
من وجهة نظر طهران، تتمتع سوريا بالعديد من المزايا الاستراتيجية لإيران، من بينها إنشاء سوريا كبوابة استراتيجية إلى العالم العربي، وخط المواجهة مع إسرائيل، وربما الأهم من ذلك، جسر تواصل مهم للوصول إلى حزب الله ولبنان.
نمو التعاون الاقتصادي وفق التحالف السياسي والأمني
بعد اجتياز الأزمة، دخلت سوريا الآن فترة إعادة الإعمار ولديها العديد من الاحتياجات الاقتصادية، وهي عمليا سوق عذراء ومزدهرة للغاية للاستثمار.
في عام 2014، اقترح الرئيس السوري بشار الأسد على السلطات الإيرانية مشاركة إيران في إعادة إعمار بلاده والبنية التحتية. في الوقت نفسه، أُعلن أن الأسد يعتبر الإيرانيين الأفضل لإعادة إعمار هذا البلد، بالنظر إلى دعم إيران للشعب السوري ضد عدوان الإرهابيين وأعداء المقاومة.
في غضون ذلك، وعلى الرغم من العلاقات الدبلوماسية الاستراتيجية والعميقة بين البلدين على مدى العقود الماضية، إلا أن إيران لم تتصرف بقوة حيال القدرات الموجودة في سوريا لزيادة حصتها في الأسواق السورية والقيام بمشاريع إعادة الإعمار في هذا البلد بعد تراجع داعش.
لكن مع تنصيب حكومة آية الله رئيسي وكون الدبلوماسية الاقتصادية الإقليمية على رأس أهداف جهاز السياسة الخارجية، نمت الجهود المبذولة لزيادة العلاقات التجارية والاقتصادية وإنشاء بنية تحتية لتطوير التعاون الاقتصادي مع سوريا بشكل ملحوظ، وبطبيعة الحال، يمكن أن تكون رحلة آية الله رئيسي خطوة مهمة للغاية في تنفيذ هذا المطلب ذي الاتجاهين. في فبراير من العام الماضي، في لقاء مع علي محمود عباس، وزير الدفاع السوري، أعلن رئيسي: إيران مستعدة لأن تكون إلى جانب سوريا من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي الشامل خلال فترة إعادة الإعمار.
وحسب تقرير الجمارك الإيرانية، بلغت صادرات إيران إلى سوريا عام 2021 حوالي 200 مليون دولار وبلغت 93 مليون دولار في 5 أشهر من عام 2022، وتشمل بشكل أساسي المنتجات الصناعية مثل التوربينات البخارية والمعدات والآلات الطبية والأدوية والطب الإشعاعي. ومنتجات السيراميك والمعدات الإلكترونية والألمنيوم. على الرغم من ارتفاع الرقم، إلا أنه لا يزال صغيرًا جدًا بالنظر إلى القدرات الاقتصادية للبلدين. مع بداية عملية إعادة إعمار سوريا وحاجة هذا البلد إلى تنفيذ مشاريع في مجالات بناء المساكن والمطارات ومحطة الطاقة وأنظمة إمدادات المياه وبناء الطرق وبناء السدود، كان من المتوقع أن تدخل إيران مجال العمل مع سرعة أكبر في العمل وبالنظر إلى التصدير المكثف لمنتجات البناء من إيران، يجب أن يكون هذا البلد على رأس البلدان الموجودة في عملية إعادة الإعمار السورية.
هذا بينما تمتلك تركيا، على سبيل المثال، نحو 20 في المئة من السوق السورية، وحسب وكالة أنباء الأناضول، بلغت صادرات تركيا إلى سوريا في عام 2021 نحو مليار و96 مليون دولار، تشمل بشكل أساسي المنتجات البترولية المكررة ودقيق القمح علف الحيوانات. هذا وقد بلغ حجم صادرات الإمارات إلى سوريا العام الماضي 667 مليون دولار.
وبناءً على ذلك، ينبغي القول إن تعزيز التعاون الاقتصادي هو في صميم أهداف زيارة الرئيس إلى دمشق. وفي هذا الصدد، حضر رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الاجتماع المشترك لرجال الأعمال الإيرانيين والسوريين خلال هذه الرحلة، وسوف يناقش ويتبادل الآراء معهم من أجل حل أفضل لمشاكل واحتياجات هذا المجال وجعل تطوير مسار التعاون الاقتصادي أكثر سلاسة.
حاليًا، وزير الطرق والتنمية الحضرية مهرداد بذرباش، وبصفته أحد وزراء الفريق الاقتصادي للحكومة، هو رئيس اللجنة الإيرانية السورية المشتركة. وقد زار بذرباش دمشق منذ وقت ليس ببعيد وخلال هذه الرحلة تم توقيع اتفاقية اقتصادية شاملة بين البلدين. إجراء يبدو أنه خطوة مهمة في نمو التعاون الاقتصادي في المستقبل القريب. وكان وزير الطرق والتنمية العمرانية الإيراني قد قال خلال مقابلة مع صحفيين خلال هذه الرحلة: إن السوق السوري سوق جاذب للبضائع والمنتجين الإيرانيين، كما يمكن للسوق الإيراني أن يكون سوقًا مناسبًا لسوريا حتى يتسنى تحقيق التوازن بين البلدين في القطاع الاقتصادي وسيصلان قريباً إلى مستوى مناسب.». من جهة أخرى أعلن وزير النقل السوري زاهر خاظم في لقاء مع بذرباش عن زيادة طاقة التحميل والتفريغ لميناءي اللاذقية وطرطوس، وأعلن عن خطط لزيادة التجارة البحرية بين إيران وسوريا حتى 10 ملايين طن من البضائع.
وفقًا للخبراء الاقتصاديين، نظرًا لارتفاع تكلفة النقل البحري وطبيعته التي تستغرق وقتًا طويلاً، فإن استكمال الممر التجاري بين إيران والعراق وسوريا والبحر الأبيض المتوسط كجزء من ممر الشرق والغرب سيقلل بشكل كبير من تكلفة إرسال البضائع من إيران الى سوريا. ويمكن تعويض هذا النقص من خلال تعزيز معبر القائم - بوكمال بين سوريا والعراق.
بشكل عام، ستساهم رحلة آية الله رئيسي إلى دمشق، مع الاحتفال بالنهاية الكاملة للأزمة السورية، بشكل كبير في فتح فصل جديد من العلاقات الاستراتيجية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والجمهورية العربية السورية.