الوقت- تتجه الأنظار، في 14 مايو/أيار الحالي، إلى تركيا، التي تشهد انتخابات رئاسية وبرلمانية، هي الثانية وفق النظام الرئاسي، ويترشح فيها مجدداً الرئيس رجب طيب أردوغان مقابل 3 مرشحين آخرين، أبرزهم مرشح تحالف الشعب المعارض وزعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو، وتتحضر تركيا لانتخاباتها بعد أسبوعين، في سياق داخلي محموم، بعدما أحيت الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد، وخصوصاً آمال المعارضة في إلحاق الهزيمة بحزب "العدالة والتنمية" الحاكم منذ 21 عاماً.
كما يأتي الاستحقاق في سياق تجد فيه تركيا نفسها وسط اشتباك في العديد من الملفات على صعيد الإقليم والعالم، ومحاولة السلطة "تصفير" المشاكل مع عدد من دول المنطقة، ما يضع أردوغان وحزبه مجدداً في اختبار مهم وحاسم، ويجعل الاستحقاق الانتخابي محط اهتمام ورصد من قبل دول كبرى عدة.
وتشهد تركيا في الوقت الحالي حملات انتخابية بين المرشحين الرئاسيين ومرشحي البرلمان والأحزاب، وتقام كل يوم تجمعات عديدة في ولايات مختلفة، تسعى من خلالها الحكومة إلى استعادة زمام المبادرة، بعدما شهدت تركيا خلال السنوات الأخيرة أزمة اقتصادية وارتفاعاً لنسبة التضخم وغلاء في الأسعار أدت إلى موجة استياء شعبي، وفتح ذلك المجال أمام المعارضة لرصّ الصفوف والحديث عن تغيير في البلاد بعد حكم حزب "العدالة والتنمية" المتواصل منذ 21 عاماً.
لم يتبقَ سوى أسبوعين على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية في 24 أيار المقبل والمنافسة بين المرشحين للانتخابات تقترب من ذروتها، وتعتبر الانتخابات المقبلة من أكثر فترات الانتخابات التركية حساسية في العقدين الماضيين، لأن المصير السياسي لأردوغان، كشخص تولى بلا منازع زمام السلطة في هذا البلد لأكثر من 20 عامًا.
وفي يوم الثلاثاء، 25 أبريل، عانى أردوغان من اضطراب في المعدة خلال مقابلة تلفزيونية مباشرة وغادر العرض في منتصف الطريق، لكن حملته الانتخابية لم تكن أفضل بكثير من صحة أردوغان، حيث أظهرت استطلاعات الرأي أن كيليجدار أوغلو متقدم على الرئيس رجب طيب أردوغان، ولكن لا يمكن أن تتجاوز عتبة 50٪.
وحسب وكالة Euronews فإن متوسط استطلاعات الرأي في معاهد أبحاث الرأي العام Metropoll و Gezici و ORC و ALF و Optimar و SONAR و MAK و Aksoy و AR-G و Yöneylem. في ثمانية من أصل 10 استطلاعات للرأي، يحتل كيليجدار أوغلو الصدارة، بينما يحتل أردوغان المركز الأول في استطلاعين، Optimar و SONAR.
وبناءً على متوسط نتائج 10 استطلاعات للرأي، حصل كيليجدار أوغلو على 47.5 في المئة من الأصوات. ولا تزال حصة أردوغان عند 44.4٪. وفي غضون ذلك، فاز محرم إنجه، زعيم حزب مهين، بنسبة ستة في المئة، وفاز سنان أوغان، المرشح اليميني المتطرف لتحالف آتا، بنحو اثنين في المئة من الأصوات. كما أظهرت ثمانية من أصل 10 استطلاعات الرأي أن الانتخابات ستذهب إلى الجولة الثانية.
يُعرف أردوغان بأنه مقاتل قوي وإنه دائمًا ما ينظم مسيرات كبيرة في المدن الكبرى في المراحل الأخيرة من حملته لبناء الدعم لنفسه ولحزب العدالة والتنمية، ولكن إذا أجبرته المشاكل الصحية على تنظيم تجمعات أقل، فقد تكون ضربة قوية لحملته الانتخابية. لقد دقت أجراس الإنذار لأردوغان، ولا سيما حقيقة أنه خلال الأيام القليلة الماضية، أيد حشد كبير كيليجدار أوغلو، المرشح الرئاسي المعارض وزعيم حزب الشعب الجمهوري (CHP) في مدينة قيصري، وهي المدينة التي تعد القاعدة التقليدية للقوميين، بما في ذلك العمل الوطني وحزب الحركة القومية (MHP) الذي يعتبر حليفًا لليمين المتطرف لأردوغان.
وعندما يرحب الناخبون في مدينة قومية ومحافظة مثل قيصري بقاليشدار أوغلو، فهذا دليل على أن الكتلة الحاكمة تواجه معركة صعبة في الانتخابات المقبلة. ولقد فهم أردوغان التحدي ولذلك طلب من وزير دفاعه خلوصي أكار، وهو من قيصري، الترشح لمقعد برلماني هناك.
التصويت المؤثر للأتراك المغتربين
أدلى مئات الآلاف من المواطنين الأتراك الذين يعيشون في الخارج بأصواتهم في دول مختلفة من العالم الخميس الماضي، قبل 17 يومًا من الانتخابات. وتشير الإحصاءات إلى أن 3.4 ملايين ناخب تركي يعيشون في الخارج، وهو ما يمثل أكثر من خمسة في المئة من إجمالي الناخبين (64.1 مليون شخص) وستكون مراكز التصويت نشطة في 73 دولة.
وعلى الرغم من أن متوسط إقبال الناخبين في الخارج يبلغ حوالي 50 بالمئة (مقارنة بحوالي 85 بالمئة داخل تركيا)، فإن هذه الأصوات مهمة في تحديد مصير الانتخابات، حيث تظهر استطلاعات الرأي أن السباق بين أردوغان وكليجدار أوغلو تتم متابعته عن كثب، وقد تمتد الانتخابات إلى الجولة الثانية.
وفي هذا الصدد، نقل موقع Middle East Eye عن مدير الأبحاث في مركز دراسات التأثير الاجتماعي في ألمانيا، أولاس تول، قوله إن الأصوات الأجنبية قد تغير التوازن لصالح أردوغان، لأن معظم المهاجرين الأتراك الذين يعيشون في ألمانيا هم من مؤيدي الحزب الحاكم. وحسب هذا الموقع، يعيش نصف الناخبين الأجانب في ألمانيا، وفي عام 2018 استطاع أردوغان الفوز بما يقارب 60٪ من الأصوات الأجنبية.
لكن في غضون ذلك، يرى بعض المحللين أنه ليس من السهل التنبؤ بسلوك الناخبين الأجانب، كما هو الحال في تركيا، لأن قرار أردوغان زيادة تكلفة الإعفاء من الخدمة العسكرية للمواطنين المقيمين في الخارج من 1000 يورو إلى 5563 يورو في السنوات الأخيرة، أثار غضب البعض، وحرض الناخبين، بل أجبر البعض على إنكار الجنسية التركية.
وفي غضون ذلك، أصدر كيليجدار أوغلو بيانًا يوم الخميس الماضي وعد فيه بتنفيذ تغييرات قانونية لصالح الأتراك المغتربين، مثل السماح بدفع معاشات تقاعدية أفضل إذا كانوا يعيشون في أوروبا أو تمديد الاستخدام المؤقت للسيارات أو الهواتف المستخدمة في الخارج. يشار إلى أنه في انتخابات 2018 الرئاسية، انتخب أردوغان رئيساً في الجولة الأولى بنسبة 52.4٪ من الأصوات.
هزيمة محتملة
هذا الوضع يضاف إلى القلق حيال نظامية العمليات الانتخابية و"وضع الديمقراطية" في تركيا كما حذر مجلس أوروبا الذي سيرسل 350 مراقبا إلى البلاد إضافة إلى هؤلاء المعينين من قبل الأحزاب في 50 ألف مكتب اقتراع.
واتخذت المعارضة زمام المبادرة عبر حشد 300 ألف مدقق ومضاعفة عدد المحامين المدربين على مراقبة الانتخابات حسب ما قال نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المسؤول عن أمن الانتخابات أوغوز خان ساليجي، وفق فرانس برس. ورغم ضخامة التحدي، يعبر هذا المسؤول عن ثقته قائلا "نحن لا نعيش في جمهورية موز. السلطة ستتغير كما تغيرت عام 2002" حين تولى حزب العدالة والتنمية السلطة كما أضاف.
يذكر هذا الخبير في الحياة السياسية المحلية بأن تركيا متمسكة بالديمقراطية قائلا "حتى حين كان العسكريون ينفذون انقلابا كل عشر سنوات، كانوا يضعون سلطتهم أمام اختبار صناديق الاقتراع". ويضيف أيضا إنه "للمرة الأولى يتحدث نواب حزب العدالة والتنمية عن هزيمة محتملة". وفي هذا الوقت يكثف إردوغان تجمعاته ووعوده الانتخابية مثل زيادة رواتب التقاعد وبناء مساكن وتخفيف فواتير الطاقة، متوجها بشكل خاص إلى النساء والشباب. وحدها الوعكة الصحية تمكنت حتى الآن من إبطاء مساره الانتخابي، وفق ما جاء في تقرير فرانس برس.
ويذكر أنه في حديث سابق له مع بعض وسائل الاعلام رأى السياسي التركي المعارض، فائق بولوت، أن نتائج الانتخابات أصبحت "شبه محسومة" لمرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو. وقال إن تأييد حزب الشعوب الديمقراطي لكليتشدار أوغلو زادت من نسب فوزه بالانتخابات الرئاسية المقبلة وسط دعم شعبي غير مسبوق لمرشح المعارضة.
ومن جانبه أشار المحلل السياسي التركي، جواد غوك، في حديث له إلى أن "اتحاد المعارضة التركية في مواجهة إردوغان"، ما يمنح المعارضة "فرصة كبيرة" للفوز في الانتخابات المقبلة.
وتحدث عن "صعوبة موقف إردوغان بعد تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم نتيجة الفشل في الملف الاقتصادي والتقصير في التعامل مع أزمة الزلزال الذي ضرب البلاد". وأكد المحلل السياسي التركي، يوسف كاتب أوغلو، في حديث سابق له أن تأييد حزب الشعوب وحلفائه لمرشح المعارضة، لن يغير من نتيجة الانتخابات، لأسباب عدة. وقال إن حظوظ إردوغان هي "الأكبر" نظرا للإنجازات التي حققها، وتصدره استطلاعات الرأي بفارق كبير عن كليتشدار أوغلو. وأشار إلى أن 5 إلى 10 في المئة فقط من أصوات الناخبين ستذهب لصالح حزب الشعوب الديمقراطي.