الوقت - أعلنت وسائل إعلام فرنسية، الثلاثاء، اتفاق فرنسا والجزائر على تأجيل زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى باريس، التي كانت مجدولة في 2 مايو/ أيار المقبل، دون ذكر أسباب ودواعي قرار التأجيل.
وقالت صحيفة "لوفيغارو الفرنسية، الثلاثاء، إن زيارة تبون إلى فرنسا، التي كانت مقررة في الأسبوع الأول من شهر مايو، جرى تأجيلها إلى تاريخ لاحق، وأضافت "لوفيغارو" على موقعها الإلكتروني إن تأجيل الزيارة تم باتفاق الجانبين دون أن تذكر الأسباب، ويأتي هذا التأجيل رغم أن التحضيرات لزيارة تبون وصلت إلى مراحل متقدمة.
صحيفة “جون أفريك” قالت إن مكالمة هاتفية جمعت يوم الاثنين 17 أبريل الجاري وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف ونظيرته الفرنسية كاثرين كولونا قد حددت مصير الزيارة.
وقالت الصحيفة إن الجانب الجزائري طالب بتأجيل الزيارة بسبب عدم وضوح مخرجاتها، مشيرة إلى مواضيع لم تحرز العاصمتان أي تقدم فيها من قبيل مسألة إزالة التلوث من المواقع النووية الفرنسية السابقة في جنوب الجزائر إضافة إلى الأرشيفات الاستعمارية.
وجرت بالفعل مناقشات واجتماعات في باريس والجزائر لبدء الاستعدادات لهذه الزيارة الرئاسية التي من المفترض أن تعمل على إعادة دفء العلاقات الجزائرية الفرنسية بعد الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت في أعقاب قضية الناشطة أميرة بوراوي.
وكانت صحيفة لوبينيون المغربية الناطقة بالفرنسية، ووسائل إعلام فرنسية، قد ذكرت قبل أيام أنه تم الاتفاق على برنامج الزيارة، ويشمل حفل تكريم وتدشين نصب تاريخي للأمير عبد القادر في أمبواز الفرنسية، وزيارة الى مسجد باريس ولقاء تبون مع الجالية الجزائرية، وتحدثت عن خطاب محتمل لتبون أمام البرلمان الفرنسي.
ورجّحت مصادر جزائرية مسؤولة أن قرار تأجيل الزيارة اتخذ يوم الأحد الماضي، في اجتماع عُقد في الجزائر بين الأمين العام لوزارة الخارجية الجزائرية، عمار بلاني، والأمينة العامة لوزارة الخارجية الفرنسية، آن ماري دي كوتاتلتي، إذ لم يأت البيان، الذي صدر عقب الاجتماع، على ذكر التحضير للزيارة واكتفى بالإشارة إلى توافق على "مواصلة المشاورات السياسية بين الجزائر وفرنسا لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين".
وبينما تذهب بعض التفسيرات السياسية إلى أن إرجاء الزيارة قد يكون بطلب فرنسي ومرتبط بمخاوف من تداعيات محتملة للحركة العمالية الاحتجاجية المرتقبة في الأول من مايو/ أيار المقبل بمناسبة عيد العمال ضد قانون التقاعد الذي أقره الرئيس الفرنسي، لا يُعرف ما إذا كانت بعض القضايا السياسية الخلافية أو أي اعتبارات أخرى وراء إرجاء الزيارة.
ومن البداية، ظهر التوقيت المقدم للزيارة بداية شهر مايو غير مناسب بالنظر للأحداث التي تشهدها فرنسا احتجاجا على قانون التقاعد والتي يتوقع أن ترتفع حدتها تزامنا مع العيد العالمي للعمال الذي يمثل فرصة لمزيد من الحشد والتعبئة للنقابات الفرنسية ضد هذا القانون الذي يصر الرئيس ماكرون على إنفاذه.
وكانت فرنسا قبل ذلك قد اضطرت لتأجيل زيارة الملك البريطاني، بسبب أحداث العنف التي شهدتها، وهو ما أثار جدلا واسعا في البلاد وانتقادات من سياسيين ومحللين رأوا في عدم قدرة الدولة الفرنسية على استقبال ضيف بحجم الملك البريطاني دليل ضعف يمنح صورة شديدة السلبية عن الوضع في فرنسا.
فيما أكدت مصادر لـ”الشروق نيوز” أن هذا التأجيل جاء بـ”اتفاق بين الطرفين”، لافتة إلى أن أسباب هذا التأجيل هي ذاتها التي كانت وراء تأجيل زيارة ملك بريطانيا، تشارلز الثالث، إلى فرنسا قبل أيام، لكن من دون أن تقدم المزيد من التوضيحات.
وفي تغريدة لها، توعدت ماتيلد بانو، رئيسة المجموعة البرلمانية لتحالف الأحزاب اليسارية في البرلمان الفرنسي “نيب”، الرئيس ماكرون بمظاهرات لا تتوقف بعد الاول من مايو المقبل، وهو الموعد الذي كان سيتزامن وزيارة الرئيس تبون على فرنسا، ما يعزز من فرضية تأجيل موعد تلك الزيارة إلى ما بعد استتباب الأمن في المدن الفرنسية، التي تحولت إلى معقل للمتظاهرين الرافضين لقانون التقاعد.
ويستبعد أن يكون تأجيل زيارة تبون مرتبطا بأزمة جديدة بين البلدين، وخاصة بعد تطبيع العلاقات من جديد نهاية شهر آذار/مارس الماضي في خضم التوتر الذي أحدثته ما عرفت بقضية الناشطة السياسية الفرنكوـ جزائرية أميرة بوراوي التي التحقت بفرنسا بعد خروجها من الحدود الجزائرية بطريقة غير قانونية وهو ما أثار غضبا جزائريا عارما تم على إثره استدعاء السفير الجزائري في باريس.
غير أن الأمور عادت لنصابها بعد المكالمة الهاتفية بين الرئيسين عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون خلال الأسبوع الأخير من شهر آذار/مارس الماضي، والتي سمحت وفق بيان الرئاسة الجزائرية، بإزالة الكثير من اللبس، بشأن قضية اميرة بوراوي وما ترتب عليها، من تصدّع على مستوى العلاقات الثنائية”، واتفق الرئيسان على “تعزيز وسائل الاتصال، بين إدارتي الدولتين، حتى لا تتكرر مثل هذه الحالات.”
وتقرر بعد هذه المكالمة إعادة السفير الجزائري لباريس والإبقاء على موعد الزيارة الذي أعلن عنه شهر كانون الثاني/جانفي الماضي شهر أيار/مايو دون تحديد تاريخ معين. وكان منتظرا أن تشمل زيارة تبون لفرنسا العديد من الملفات التي لا تزال عالقة، والتي من أهمها قضية الذاكرة الموكلة للجنة مشتركة من المؤرخين الجزائريين والفرنسيين وقضايا التنقل بين البلدين وترقية الاستثمارات ومحاربة الهجرة غير الشرعية وتكوين الشباب والتعاون الأكاديمي وغير ذلك من الملفات التي وردت في إعلان الجزائر من أجل شراكة متعددة التي وقع عليها الجانبان خلال زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون للجزائر في أغسطس/ آب الماضي.
وتصر تقارير صحفية أن الخروج من الأزمة بين البلدين لا يزال شاقاً، وأن الأزمة الدبلوماسية التي انتهت بعودة السفير الجزائري إلى باريس، سعيد موسي ، بعد خمسين يوما من استدعائه إلى الجزائر العاصمة في 8 فبراير، لم تساعد في الدفع قدماً بمشاريع التعاون والشراكة.