الوقت - 43 عاماً مضت منذ 9 نيسان (أبريل) 1980، عندما أعلن جيمي كارتر، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك، قطع العلاقات السياسية والتجارية بين واشنطن وطهران.
هذه السنوات كان من المفترض أن تضع إيران على طريق الركوع أمام البيت الأبيض، لكن نظرة على التحليلات التي نشرها المفكرون وحتى المسؤولون السياسيون الأمريكيون في الأشهر الأخيرة؛ تكشف حقيقةً أخرى.
"روبرت كينيدي"، المرشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية 2024 وأحد الشخصيات السياسية الشهيرة في الولايات المتحدة، أشار في تغريدة إلى الاتفاق الأخير بين إيران والسعودية، وأعلن تراجع القوة الأمريكية في منطقة غرب آسيا، وقيَّم هذه القضية على أنها علامة على فشل سياسة واشنطن تجاه طهران.
كذلك، كتب فريد زكريا وهو محلل أمريكي معروف، في مذكرة بعنوان "من أوباما إلى بايدن، كيف انسحبت أمريكا؟ عن فشل السياسة الاستراتيجية للبيت الأبيض تجاه إيران: "إعادة العلاقات بين إيران والسعودية ليست بالأمر الغريب في حد ذاته، فقد قطعت العلاقات بينهما منذ سبع سنوات. لكن أخبار الأسبوع الماضي كشفت عن خلل عميق في السياسة الخارجية الأمريكية، تفاقم في السنوات الأخيرة. قبل الثورة الإيرانية، كان لأمريكا علاقات جيدة مع إيران والسعودية لعدة عقود، مقارنةً بالعلاقات بين هذين البلدين. لكن في الوقت الحالي، فقدت واشنطن المرونة والليونة اللازمتين لهذه الاستراتيجية".
ويتابع زكريا، في إشارة إلى إخفاقات أمريكا في مواجهة إيران وفشل سياسات البيت الأبيض المعادية لإيران، ويؤكد: "كل هذا يشير إلى إمبراطورية قديمة. اليوم، سياستنا الخارجية هي بيد النخب التي يكون لخطابها استهلاك محلي، ويبدو أنهم غير قادرين على فهم أن العالم الخارجي يتغير بسرعة."
في الواقع، السياسة التي اتخذها جيمي كارتر في عام 1980 لعزل إيران والإضرار بالمصالح الوطنية الإيرانية، أصبحت الآن، في عملية معكوسة تمامًا، عاملاً لإبعاد الولايات المتحدة عن النظام الدولي، كما اعترف بذلك المسؤولون والسياسيون في هذا البلد.
هذه المسألة ذات أهمية مضاعفة لأن نظرةً على الاستراتيجيات الأمريكية السابقة تجاه إيران، تظهر أن الجهاز الدبلوماسي والأمني لهذا البلد قد سعى بجدية إلى تدمير إيران وتنفيذ خطة مثل ما حدث في "يوغوسلافيا"، تمهيداً لتفكك إيران وإضعافها.
واستخدموا في هذا الطريق كل أدواتهم، حتى أنهم دعموا العمل العسكري لنظام البعث في عهد صدام، لكن نتيجة القصة وصلت إلى النقطة التي تُذكر فيها إيران الآن كواحدة من الجوانب المهمة في قضية انحدار أمريكا.
وفي هذا الصدد، نشرت مجلة "الإيكونوميست" في أحد أعدادها الأخيرة، صورةً للنظام الدولي الجديد بالترکيز علی الصين، وإيران أحد أكبر وحداتها السياسية القوية وذات النفوذ.
طبعاً، لا ينبغي أن ننسى أن هذه القضية، إضافةً إلى الجوانب الدولية، أصبحت هي الأخرى أساس خلق المعرفة في مجال بعض التيارات السياسية الداخلية. ففي كل السنوات التي أعقبت انتصار الثورة الإسلامية، اتهمت إيران بعدم إقامة علاقات ومفاوضات مع الجانب الأمريكي، وقدمت هذه القضية كأساس لقطع علاقات طهران الدبلوماسية مع النظام الدولي.
لقد كشفت الظروف الحالية للعالم، فضلاً عن الرواية التي قدمها المفكرون الأمريكيون عن فشل استراتيجيات أمريكا تجاه إيران، عن المقياس الحقيقي لهذه الادعاءات.
وهذه المسألة مهمة لأن إيران لم تقطع طريق الدبلوماسية طوال السنوات التي تلت قطع الولايات المتحدة العلاقات الرسمية معها، وحتى مرات عديدة حاولت التفاوض والتعاون مع واشنطن، من اتفاق الجزائر إلى المفاوضات في بغداد والاتفاق النووي، وكان نتيجة هذا الموضوع استمرار نقض العهود من الجانب الأمريكي.
ويجب فهم هذه المسألة إلى جانب حقيقة تاريخية مهمة، وهي أن أول عمل عدائي في العلاقات بين البلدين قام به الجانب الأمريكي بإصدار قرار مناهض لإيران في مايو 1979.
بشكل عام، يجب القول أولاً إنه خلافاً لمزاعم بعض التيارات السياسية داخل إيران، فإن إيران لم تجعل من "مکافحة أمريکا" أساس سلوكها الاستراتيجي في العالم وفي النظام الدولي، وإذا تم اتخاذ إجراء في هذا المجال، فقد كان وسيلةً لتأمين المصالح الوطنية.
وثانيًا، كانت مخرجات استراتيجية المقاومة الإيرانية منذ قطع العلاقات مع الجانب الأمريكي، تقوية طهران وإضعاف واشنطن، حيث أصبحت أمريكا الآن تخشی قوةً دوليةً جديدةً تسمى جمهورية إيران الإسلامية.