الوقت- وافق مجلس الأمن الدولي يوم الجمعة الماضي بالإجماع على مشروع قرار متفق عليه بين أطراف المجموعة الدولية لدعم سوريا التي اختتمت أعمالها في نيويورك، وحسب القرار فإن وفداً من الحكومة السورية ووفداً من المعارضة سيعقدان مفاوضات مطلع كانون الثاني/يناير عام 2016، على أن يقوم المبعوث الخاص إلى سوريا بجمع ممثلي الحكومة السورية والمعارضة لإشراكهم في المفاوضات حول عملية الانتقال السياسي.
في هذه الأثناء لا يزال الموقف الأمريكي ضبابيًا، وخاصة فيما يتعلق بالرئيس "بشار الأسد"، فتصريحات واشنطن متناقضة في هذا الملف، فأوباما اعتبر مؤخرًا أنه "على الأسد الرحيل"، وهذا ما يناقض تصريحات أمريكية سابقة أبرزها ما أدلى به وزیر الخارجیة الامریکي "جون كيري" عندما اعتبر أنه على "الأسد" الرحيل ولكن ليس فورًا!، واللافت أن وزير الخارجية الأمريكي ادعى أن "مفاوضات فيينا أظهرت حقيقة أن روسيا والولايات المتحدة وإيران متمسكة بموقف واحد" حسب تعبيره، وهذا يخالف الواقع، فـ"طهران تؤمن أنه لیس من شأنها ولا من شأن أي أحد أن یقرر مصیر شخصیات في بلدان أُخرى"، حسب ما أكده وزير الخارجية الإيراني.
لا يقتصر الخلاف على حق السوريين في انتخاب من سيحكمهم في المستقبل، بل حتى أن واشنطن وطهران غير متفقتين على الجماعات الإرهابية، فأمريكا تعتبر أن التنظيمات الإرهابية تتمثل بتنظيمي داعش وجبهة النصرة فقط، وباقي الجماعات التكفيرية هي "معارضة معتدلة" يجب تشجيعها على مواصلة القتال ولها الحق في المشاركة في تقرير مستقبل البلاد، وهذا يتعارض مع الموقف الإيراني الذي يعتبر أن الحل يجب أن يكون سلميًا من خلال الوحدة الوطنية والمصالحة "بين السوريين الذين يريدون حلّاً سلمياً للأزمة وليس بين الذين يريدون تدمير البلاد من أجل أيديولوجيا منحرفة".
ومن فجوات الخلاف بين طهران و واشنطن، مستقبل سوريا، فطهران تؤكد على أن الشعب السوري وحده هو من يقرر مستقبله، وشكل الحكم والحكومة، في حين تعمل أمريكا على تقسيم الحكومة السورية بين الطوائف والتيارات، وهذا ما ترى فيه طهران سعيًا للإبقاء على حالة عدم الاستقرار في سوريا، فالخطة الأمريكية هذه تبقي على سوريا دولة ضعيفة منقسمة داخليًا، أي أن المشروع الأمريكي أشبه باتفاق "الطائف" في لبنان.
صحيح أن القرار الذي تم اتخاذه في مجلس الأمن يحتوي على بنود إيجابية إلا أن الأكثر أهمية هو جدية تطبيق هذه البنود، وإلى أي مدى ستلتزم الدول بهذا القرار وخاصةً من قبل أمريكا التي بدأت تنتهك قرار مجلس الأمن بتصريحاتها فور صدوره، كما أنه على مجلس الأمن أن يختار من هم أهل للإشراف على عملية وقف إطلاق النار، فالكثير من الدول تدعي وجود "معارضة معتدلة"، وهذا ما يفتح احتمال أن تقوم هذه الدول بدعمهم وتقديم المساعدة لهم في حال تم إشراكها في عملية الرقابة على وقف إطلاق النار.
القرارات التي اتخذها مجلس الأمن هذه أثبتت دور روسيا وإيران في التأثير على المجتمع الدولي، فطيلة السنوات الماضية لم تكن الدول الغربية جاهزة لإنهاء الأزمة السورية، وكانت تشجع وتدعم الجماعات التكفيرية مصرةً على حل الأزمة السورية بطريقة عسكرية تخدم مصالحها، ولكن منذ اللحظات الأولى لبدء الأزمة السورية أصرت موسكو وطهران على أن الحل لا يمكن أن يكون إلا سياسيًا، والآن بعد 5 سنوات من الأزمة اقتنعت الدول الغربية بهذه الفكرة.
في النهاية يمكن التأكيد على أن محاولات واشنطن اللعب على مقررات جنيف تعتبر خطرًا كبيرًا على هيبة مجلس الأمن والمنظمات الدولية، وهذا ما يمكن أن يقوض الأمن والسلم العالميين، ويضع العالم أمام حالة من اللاقانونية، ولهذا على الدول كافة أن تمنع أي محاولات تخطٍ للقرارات الدولية.