الوقت- مرت ثلاثة أشهر على تشكيل الحكومة المتشددة برئاسة بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء النظام الصهيوني، وما زالت الأراضي المحتلة في حالة توتر وصراع، وجميع الأطراف المعنية ليست على استعداد للتراجع عن مواقفها، وبينما قالت المعارضة إنها ستواصل احتجاجاتها الأسبوعية حتى تنسحب حكومة نتنياهو من القانون لإصلاح النظام القضائي، فإن الاحزاب المتطرفة، بغض النظر عن التحذيرات، تعمل على تأجيج الصراع من خلال تمرير قوانين أخرى مثيرة للجدل.
وفي بداية الأزمة في كانون الثاني (يناير) الماضي، لم يعتقد المحللون أن نطاق الاحتجاجات سيتسع إلى هذا الحد، لكن الأوضاع الأمنية في الأراضي المحتلة وصلت إلى نقطة لم يعد من الممكن تسميتها احتجاجًا ومعارضة، ولكن الآن نحن نتحدث عن نشوب حرب أهلية وانهيار لهذا النظام الوهمي، لأن القادة الراديكاليين يصرون على رغباتهم ويفضلون مصالحهم الشخصية والحزبية على المجتمع الصهيوني بأسره. ولقد أدخلت خطة إصلاح الهيكل القضائي، التي تمت الموافقة على مرحلتها الأولى، النظام الصهيوني في أسوأ أزمة سياسية له في السنوات الأخيرة، حيث اجتاحت الاحتجاجات الواسعة النظام وأثارت مخاوف في الخارج.
تمرير القانون المثير للجدل في الكنيست
صوّت أعضاء الكنيست في لجنة الدستور قبل عدة اسابيع على التعديلات المقترحة من خلال الإصلاح القانوني الذي تروج له الحكومة. تمخض التصويت عن تغيير تشكيل لجنة اختيار القضاة ومنع المحكمة العليا من إبطال القوانين الأساسية، وسط مشهد احتجاجي غير مألوف. وشهدت لجنة الدستور والقانون والقضاء بالبرلمان الإسرائيلي (الكنيست) خلال الفترة الماضية معارك شديدة غلب عليها الصراخ والغناء وطرد نواب حيث تنازع أعضاء الائتلاف والمعارضة حول التشريعين المقررين لتمرير الإصلاح القضائي الذي تقوده الحكومة. وأجرى رئيس اللجنة، عضو الكنيست سيمحا روتمان، تصويتا على تغيير تشكيل لجنة اختيار القضاة، لتكون تحت سيطرة الائتلاف. وتم تمرير تعديل القانون بأغلبية 9 أعضاء في الائتلاف مقابل 7 أعضاء معارضة في اللجنة.
سيشكل القانونان المعنيان أساس خطة الحكومة للقضاء فعليًا على قدرة المحكمة العليا على مراقبة الكنيست، وهو الإصلاح القضائي الذي كان أساسًا للاحتجاجات العارمة التي عمت جميع أنحاء البلاد لعدة أسابيع. تم اقتراح هذه الإصلاحات لأول مرة من قبل وزير القضاء ياريف ليفين في أوائل كانون الثاني/ يناير. وقام عضو الكنيست سيمحا روتمان بطرد أعضاء المعارضة الذين بدؤوا في الغناء وسط هتافات متعالية وترديد لكلمة "العار العار"! التي كان يمكن سماعها من المتظاهرين الذين تجمعوا خارج البرلمان. أحد مشاريع القوانين، الذي كتبه روتمان بنفسه، سيمنع المحكمة العليا الإسرائيلية من عرقلة التشريع الذي يتعارض مع أحد قوانين الأساس لإسرائيل، والتي تعمل بمثابة دستور البلاد الفعلي.
سيسمح مشروع قانون روتمان - المسمى "فقرة التغلب" - للكنيست بإصدار قوانين تتعارض مع 12 قانون أساس دون تدخل من المحكمة. يتطلب مشروع القانون من المحكمة أن توافق بالإجماع على أن التشريع غير دستوري، وإذا لم يوافق أحد القضاة الخمسة عشر، يمكن للكنيست إعادة تمرير القانون بأغلبية.واستمرت الاضطرابات لأكثر من نصف ساعة، ما منع اللجنة من المضي قدمًا. أخيرًا، ومع ذلك، فقد تم تمرير مشروع قانون الإصلاح القضائي الأول 9-7 لمصلحة مشروع القانون، فيما واصل أعضاء المعارضة الاحتجاج بالصراخ. وتتضمن الخطة تشريعًا سيسمح للكنيست الإسرائيلي بإلغاء قرارات المحكمة العليا بأغلبية 61 عضوًا، حيث إن المحكمة العليا حاليًا، تمتلك القدرة على إلغاء أيّ تشريع في دولة الاحتلال، يتناقض مع قوانين الأساس (الدستور). إضافة إلى ذلك، سيتم منح أعضاء الكنيست تمثيلًا أكبر في اللجنة التي تعين قضاة المحكمة العليا.
كما سيتم توسيع لجنة اختيار القضاة لتضم 11 عضوًا، بدلًا من تسعة أعضاء، حيث تتألف اللجنة حاليًا من 3 قضاة من المحكمة العليا، و2 من المحاميين، ووزيرين وعضوين من الكنيست، والهدف في هذه الجزئية زيادة حصة أصحاب المناصب السياسية على حساب أصحاب المناصب المهنية. ووفًقا للقانون الإسرائيلي، فإن أي تعيين لقاض جديد للمحكمة العليا، يتطلب موافقة 7 أصوات على الأقل من 9، في حين أن التعديل الجديد الذي تقترحه الخطة، يكفي لتعيين القاضي، أن يصوت له 6 أعضاء فقط.
انهيار مجلس الوزراء في خطوة واحدة
تمرّ إسرائيل بأكثر مراحل تاريخها انقساماً واستقطاباً، وفي ظل تشظٍ كبير في مجتمعها، بفعل سعي حكومة بنيامين نتنياهو إلى تعديل النظام القضائي تحت مسمى "الإصلاحات القضائية"، وذلك بهدف إحداث تحول على موازين القوى في العلاقة بين السلطات الثلاث الرئيسية (القضاء، الكنيست، الحكومة). وبرزت خلال الفترة الماضية إقالة نتنياهو وزير الأمن يوآف غالانت لاعتراض الأخير على خطة "الإصلاحات القضائية". وترمي هذه التعديلات إلى تعزيز قدرة الحكومة على التحكم بالجهاز القضائي وتقليص قدرته على التدخّل في القوانين التي يسنّها الكنيست، والقرارات التي تتخذها الحكومة عبر تقليص قدرة المحكمة العليا على تعطيل هذه القوانين وإلغاء تلك القرارات من خلال سنّ قانون "التغلب"
في الوقت ذاته، فإن التعديلات تهدف إلى إلغاء المكانة المستقلة للمستشار القضائي للحكومة، لينحصر دوره في الدفاع عن قرارات الحكومة وليس فحص مدى قانونيتها والاعتراض عليها ونزع الشرعية عنها، كما تفعل المستشارة الحالية غالي بيهارف ميارا. كما أن هذه التعديلات ترمي أيضاً إلى تحسين قدرة الحكومة على القيام بدور حاسم في تحديد هوية قضاة المحاكم، ولا سيما أعضاء المحكمة العليا، عبر إحداث تحوّل على موازين القوى داخل اللجنة التي تختار هؤلاء القضاة ودفع هذا الواقع بعض وزراء ونواب حزب "الليكود" الذي يقوده نتنياهو إلى التحذير من مخاطر مواصلة خطط إقرار "الإصلاحات القضائية" بسبب إسهامها في تفكك المجتمع، ونظراً للثمن الاقتصادي والأمني الباهظ الذي تدفعه إسرائيل مقابلها. فقد دعا وزير الأمن يوآف غالانت ووزير الاقتصاد نير بركات والنائبان ديفيد بيتان ويولي إدلشتاين إلى التوقف عن تمرير هذه التعديلات.
خفض التوتر مع الفلسطينيين
عُقد اجتماع شرم الشيخ بحضور مسؤولين أمنيين وسياسيين من مصر والأردن وإسرائيل والأراضي الفلسطينية والولايات المتحدة، استكمالاً لتفاهمات اجتماع العقبة بالأردن في 26 فبراير/ شباط الماضي، وذلك بهدف التخفيف من حدة التوترات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وفي بيان مشترك للاجتماع، اتفقت الأطراف الخمسة على "ضرورة تحقيق التهدئة على الأرض والحيلولة دون وقوع مزيد من العنف"، فيما جددت الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية استعدادهما والتزامهما المشترك بالتحرك بشكل فورى لإنهاء الإجراءات الأحادية لفترة من 3 إلى 6 أشهر"، متضمنة "التزاماً إسرائيلياً بوقف مناقشة أي وحدات استيطانية جديدة لمدة 4 أشهر، ووقف إصدار تراخيص لأى نقاط استيطانية لمدة 6 أشهر".
وأكد الجانبان التزامهما بالحق القانوني للسلطة الفلسطينية في الاضطلاع بالمسؤوليات الأمنية في المنطقة (أ) بالضفة الغربية. واتفقا على استحداث آلية للحد من العنف والتحريض والتصريحات والتحركات التي قد تتسبب في اشتعال الموقف، على أن ترفع هذه الآلية تقارير لقيادات الدول الخمس في أبريل/ نيسان عند استئناف فعاليات جلسة الاجتماع في شرم الشيخ. كما اتفق المشاركون في الاجتماع على إرساء آلية لاتخاذ الخطوات اللازمة لتحسين الأوضاع الاقتصادية للشعب الفلسطيني. وأكد المجتمعون على ضرورة تحرك الإسرائيليين والفلسطينين للحيلولة دون حدوث تحركات من شأنها النيل من الأماكن المقدسة في القدس "قولًا وفعلًا"، بما في ذلك خلال شهر رمضان، الذي يتزامن خلال العام الحالي مع أعياد الفصح لدى المسيحيين واليهود. يأتي الاجتماع مع تصاعد التوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ويوم الأحد، أصيب إسرائيليان في إطلاق نار في بلدة حوارة شمال الضفة الغربية، حسب خدمات الإنقاذ في الجيش الإسرائيلي
عزلة نتنياهو بين الحلفاء
إضافة إلى التعامل مع الأزمات السياسية والأمنية في الداخل، فقد تم رفض نتنياهو على الساحة الدولية، وحتى المسؤولون الأمريكيون يرفضونه. ومع استمرار الإجراءات المثيرة للجدل للمتطرفين في تل أبيب وازدياد موجة الاحتجاجات في الشوارع، أعربت الولايات المتحدة أيضًا عن قلقها إزاء هذه القضية، ورداً على هذه الإجراءات، طلبت من نتنياهو عدم السفر إلى واشنطن في الوقت الحاضر. وطلب مسؤولو البيت الأبيض من حكومة نتنياهو إعادة النظر في إصلاح النظام القضائي. كذلك، وبعد الموافقة النهائية على قانون "إلغاء إخلاء المستوطنات في شمال الضفة الغربية" في الكنيست، استدعت الولايات المتحدة، في خطوة غير مسبوقة، سفير النظام الصهيوني في واشنطن، ميشيل هرتسوغ، وأعربوا عن قلقهم من تصرفات تل أبيب وخروج الوضع الأمني عن السيطرة. كما أعلن مسؤول أمريكي أن علاقات بلاده مع الكيان الصهيوني أصبحت حرجة للغاية بعد عودة نتنياهو إلى منصب رئيس الوزراء.
لقد تصاعد مستوى التوتر بين تل أبيب والبيت الأبيض بشكل كبير لدرجة أن يائير نتنياهو، نجل رئيس الوزراء الإسرائيلي، أعلن مؤخرًا أن الولايات المتحدة تسعى للإطاحة بوالده نيابة عن إيران. وفي السابق، ادعى بنيامين نتنياهو أن واشنطن تقدم دعمًا ماليًا للمتظاهرين، ولهذا السبب، منع وزراء الحكومة من التحدث إلى مسؤولي البيت الأبيض. ويعتقد مسؤولون في واشنطن أن تصرفات الحكومة المتشددة يمكن أن تؤدي إلى تصعيد التوترات في الأراضي المحتلة، وهم يحاولون إيقاف نتنياهو واليمين المتطرف عن طريقهم.